الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أفكار من وحي انتصار القدس

نشر بتاريخ: 31/07/2017 ( آخر تحديث: 31/07/2017 الساعة: 15:53 )

الكاتب: حيدر عيد

بداية لا بد من التأكيد على أن انتصار أهل القدس الأبطال هو إنجاز تاريخي للكفاح الجماهيري ونقطة تحول حاسمة لصالح النضال الشعبي في فلسطين وتعزيز لثقافة المقاومة متعددة الأوجه، بعيداً عن الشكل النخبوي الاحتكاري الموسمي وهو دليل على أن المقاومة الشعبية تتصدر أشكال المقاومة في هذه اللحظة التاريخية.
ولا شك أيضاً أن هذا الحدث التاريخي، وقد يكون مفصلياً، في مسار القضية الفلسطينية يستدعي التفكير العميق وعدم الانجرار وراء الطريقة التقليدية السائدة في التحليل السياسي.وهو أيضاً امتداد لتاريخ فلسطيني حافل بالأشكال المتعددة للمقاومة الشعبية، ولكنه يأتي في توقيت تم حصر مفهوم المقاومة بشكل واحد، نخبوي بطبيعته ويعمل على إقصاء المشاركة الشعبية الفعالة. ولكن التراكمات الكفاحية الني حققتها المقاومة الشعبية في السنوات الأخيرة تتطلب طرح العديد من الأسئلة الصعبة.
إن نجاح المقاومة الشعبية المتمثلة بأيام الغضب الثلاثة في اسقاط مخطط برافر الإقتلاعي قبل ثلاثة أعوام, والذي كان يهدف لتمرير نكبة ثانية من خلال تهجير أكثر من 40000 فلسطيني بدوي من سكان النقب كان انتصاراً جديراً بالتفكير وإعادة النظر من زاوية نقدية في أكثر أساليب النضال نجاعة في اللحظة الحالية.
ما يميز المقاومة الشعبية هو مشاركة قوى الشعب العديدة بتشكيلاتها المختلفة, وما هذا الاختلاف الا تعزيز للنضال, في صياغة نهج كفاحي قديم-جديد.
إن نجاح أيام الغضب التي أعلن عنها الحراك الشبابي في مناطق 48 و استجابة الكل الفلسطيني لها عززت الفكرة النقيضة للنهج الأوسلوي الذي حاول لمدة تزيد على الـ 20 عاما تصغير الشعب الفلسطيني الى سكان الضفة الغربية وقطاع غزة فقط. وتكمن أهمية نشاطات أيام الغضب في أنها وحدت مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث, 67 و 48 و شتات, بمبادرات شبابية لعبت النساء الدور الريادي في تنظيمها وضمان نجاحها.
الظاهرة "الجديدة" أنه كانت هناك محاولات فلسطينية لايقاف هذه الفعاليات في بعض مناطق الضفة, وفي قطاع غزة بالذات حيث تم منع تجمع الشباب والشابات في ساحة الجندي المجهول في اليوم الأول من أيام الغضب تحت حجة أن الاعتصام "غير مرخص", واليوم الثاني تحت حجة عدم مناسبة المكان, واليوم الثالث باستخدام الحجتين السابقتين, مع محاولة تنسيق فعالية بمشاركة حكومية في اليوم الثالث.
لكن الملاحظة التي يجب الخوض فيها بشكل أكبر هي غياب القيادات الوطنية والإسلامية عن هذه الفعاليات، في نفس الوقت الذي تستطيع التنظيمات الفلسطينية, اليمينية واليسارية حشد عشرات الالاف, و أحيانا مئات الألوف, في ذكرى انطلاقاتها. منها من تباهى بحشد ما يقارب النصف مليون في غزة وحدها, ومنها من تخطى هذا الرقم. والسؤال الذي لا يمكن المرور عليه مرور الكرام هو: إذا كانت الفصائل الرئيسية، وأحيانا الثانوية، تستطيع جمع هذه الحشود للاحتفال السنوي في موسم الانطلاقات، لماذا لم تبد أي اهتمام, ناهيك عن محاولة القمع من تلك التي تمتلك السلطة, بالدعوة التي أصدرتها نفس الفصائل في إطار هيئة القوى الوطنية والإسلامية؟! ناهيك عن عدم تفاعل هذه القوى مع ما يحصل في مناطق الـ 48! الحقيقة أن هذا السؤال المحرج بالضرورة يقود الى إما ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني القائم على أساس أن فلسطين هي الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تصغيرها بعد عام 2007 حينما حصل الانقسام المقيت بين شطري "الوطن-البانتوستان" وخلق انشطار حتى في هوية سكان هذا "الوطن،" وبالتالي ضرورة إعادة تعريف المشروع على أسس تتخطى الهوية "الوطنية" المناطقية, أي المحصورة في مصالح سكان الضفة الغربية وبعض سكان غزة.
وعليه فإن المصالح الطبقية للمجموعات الحاكمة هي التي تتحكم في توجيه الدفة. فمنها من هو مقاوم ولكن في إطار أيديولوجي محدود لا يرى أن أشكال المقاومة الأخرى جديرة بالاحترام، ومنها من هو ملتزم بتنسيق أمني بالضرورة يتناقض مع مبدأ المقاومة بجميع أشكالها. ولكن هناك أيضاً الفصائل الأخرى التي تمت أسلوتها وأنجزتها على مراحل تراكمية خلال السنوات الماضية أدت الى انتصار فرق يمينية واستحوازها على المناصب القيادية ووصولها لمرحلة خمول غير عادية تتناقض جذريا مع تاريخ هذه الفصائل والخلفية الفكرية النضالية التي قامت عليها. وإلا فما هو مبرر عدم وجود كل هذه القيادات في مقدمة المسيرات والاعتصامات؟! بل تغيبها عن المسيرات التي دعت لها هيئة القوى الوطنية والإسلامية دعما للقدس؟ ما الذي يبرر منع اعتصامات تم الدعوة لها من قبل الحراك الشباب ضد مخطط برافرفي كل أنحاء فلسطين التاريخية, بل اعتبار أي تجمع صغير مؤيد لهذه الدعوة "غير قانوني" بسبب عدم حصوله على "ترخيص"؟ وهل المقاومة تحتاج الى ترخيص؟ وهل الثورة عادة ما تكون مرخصةً. من الطبيعي أن هذه الحجة الواهية لا تنطلي على أحد, بل إنها انعكاس لهوس أمني يعكس أيديولوجيا إقصائية تجد صعوبة بالغة في التعايش مع الوسائل التي تتخطى فهمها التصغيري للمقاومة, وبقدر ما أن أي نشاط مقاوم جامع وموحد للقدرات الجمعية للشعب أو لفئة منه يجب ان يمر من تحت عباءة الاتجاه المهيمن.
هذا يدعونا الى الحديث عن حملة المقاطعة وعدم استثمار وفرض عقوبات على إسرائيل (بي دي أس) الني تحقق إنجازات هائلة تناسبت مع نجاح المقاومة الشعبية في إسقاط مخطط برافر الاقتلاعي ومع انتصار القدس المجيد وتمكّن هذه الحركة المدنية من خلق اختراقات في مناطق كانت محسومة للوبي الصهيوني.أصبح من الواضح أن حملة المقاطعة الدولية, بقيادة فلسطينية, قد استطاعت تحقيق ما عجزت عنه القيادات الأخرى, أي كسر التابوهات السياسية المقدسة في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال 1- تبني مؤسسات كبيرة نداء مقاطعة اسرائيل و2-مقارنة اسرائيل بنظام الأبارثهيد العنصري, كما يتضح من تقرير الإسكوا الشهير.
على الرغم من الهوس التطبيعي الرسمي في العالم العربي, فإن هذه اللحظة التاريخية, المشابهة لما حصل ضد نظام الأبارتهيد العنصري في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم, تبدو واضحة المعالم من حيث تركيزها على عمودين رئيسين من أعمدة النضال ضد الأشكال المتعددة للاضطهاد الصهيوني في فلسطين: الكفاح الشعبي المتواصل في فلسطين التاريخية, 67 و 48, وحملة مقاطعة دولية يتوجيهات فلسطينية ستؤدي الى عزل اسرائيل تدريجيا, وقد بدأت الاشارات تأتي من عدة اماكن في العالم, وصولا الى فرض عقوبات عليها وعلى الشركات التي تستثمر فيها. إذا كان المجتمع الدولي قد أخذ 30 عاما ليتسجيب لنداء المقاطعة الجنوب أفريقي ضد نظام الأبارثهيد، فإن نداء المقاطعة الفلسطيني قد صدرعام 2005 فقط, وها نحن نحصد انجازات هائلة تحدث قلقاً "وجودياً" في إسرائيل. وللتذكير فإن هدف حملة المقاطعة هو تحقيق الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون الدولي، وعلى رأسها تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى الأماكن التي طٌهروا منها عرقياً.
ما بين صمود أهل القدس وأيام الغضب وحملات المقاطعة الدولية يكمن ما يقلق قادة اسرائيل, ما يعتبرونه "خطراً استراتيجياً", ما يرينا الضوء في آخر النفق, وعبر قوة الشعب, ضوء الحرية والعدالة والمساواة.