الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أزمة البحث عن الذات والهوية بين الاصالة والمعاصرة

نشر بتاريخ: 07/08/2017 ( آخر تحديث: 07/08/2017 الساعة: 16:51 )

الكاتب: مسعود ريان

كشفت احداث الاقصى الأخيرة مدى عمق الأزمة التي تعيشها الأمة، وحالة العجز والتردي التي وصلت اليها.
ان حجم التحدي وطبيعته ينبغي أن يكون صادما لقادة الفكر والسياسة والعلماء والدعاة والتربويين والادباء ورجال الاعلام على حد سواء؛ لأن العدو استهدف قلب الأمه وروحها وشريان حياتها.
والمأساة لا تكمن فقط بتهاون القادة، ولا بتجاهل الجامعة العربية، بل محاولة التشكيك في اشرف وأعظم وأخلص حراك جماهيري موحد لاهل القدس الذين افشلوا بصبرهم وقوة ارادتهم وعظمة ارتباطهم واخلاصهم وتضحياتم هذا التحدي والغطرسه التي مارسها الاحتلال.
لقد كسب الفلسطينيون هذه الجوله بجدارة وكفاءه جعلت العدو يتراجع، ولكن المؤامرة لم تنته، بل هي جولة سيتبعها جولات.
لكن السؤال الذي يجب ان يكون موضوع التحدي، متى يملك قادة الفكر والسياسة الجرأة في الاعتراف بإفلاسهم وعجزهم عن مواجهة التحديات والهروب نحو تحالفات لصناعة الصراعات القبلية والحزبية والطائفيه؟
واذا كانت مأساة العراق وتدمير طاقاته البشرية والإقتصاديه والاجتماعيه لم توقظ سباتهم، واذا لم يحرك دمار سوريه وليبيا واليمن ضمائرهم افلا يستفزهم.. حفزهم ضياع هويتهم وحضارتهم وتاريخهم بل عقيدتهم؟ لقد كانت القدس عبر التاريخ والأقصى على وجه الخصوص يشكلان حافزا ومحركا ومفجرا لطاقات العلماء والمفكرين والادباء والساسة.
نعم لقد كانت قبله المسلمين الاولى ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم موحدا للجهود وملهما للقادة عبر التاريخ؛ لانه لا حياة للأمه، ولا وجود لها بغير القدس والاقصى.
لقد كانت قضية القدس والاقصى في شتى عصور الاسلام هي المعيار والمقياس لمدى ارتباط الامة بعقيدتها وثقافتها وقيمها؛ فلم تقع القدس تحت الاحتلال الاجنبي الا وكان الارتباط القيمي ضعيفا، وكان التخلف الفكري والثقافي والحضاري ظاهرا.
وبهاذا كانت قضية القدس سببا لبعث فكري جديد وعامل استنهاض لقادة الفكر والعلم والادب والسياسة حتى يتم التحرير.
وما دام ان ظاهرة سبات الامة واضحة وأزماتها تزداد قوة وحدة، وباتت اليوم اكثر من اي وقت مضى منشغلة بصراعاتها، فلا بد من الاعتراف ان الرؤى الفكرية المستورة قد فشلت في احداث النهوض الفكري والتقدم العلمي، وان كل الرؤى الحزبية فشلت حتى في ايجاد قاعدة او حاضنة اجتماعية لبعث حضاري جديد.
وفشلت ايضا الرؤى الحزبية التي تقوم على التفسير الديني في بناء الدولة والامة، وربما كان اصحاب الرؤيتين الاحزاب القائمه على استيراد الفكر والاحزاب التي تقوم علي التفسير الديني سببا في حالة الانقسام والصراع فحالة الاستقطاب بينهما زادة من حالة التخلف.
تبنى الدول على المبادئ والقيم، وتنهض الشعوب والأمم بالفكر النابع من هويتها وثقافتها بالجمع الواعي بين الأصالة والمعاصرة، فكرا يعتمد على اصالة القيم والمبادئ لإنتاج وتوليد افكار قادرة على معالجة المشكلات والتحديات المعاصرة، وتضمن الية واضحة للاستفادة من تجارب الشعوب والامم. ان امة جعلها الله امة وسطا وحملها امانة نشر قيم العدل والمساواة ومقامة الظلم والاستبداد لا يصح ولا يقبل منها العجز والضعف، والامة التي منحها الله اقوم وافضل واعدل واكمل منهاج لا يصح ان تكون تابعة وذليلة؛ لانها وجدت لتكون رائدة قائدة لا امة عاجزة متخلفه لا تجتمع لتحرير مقدس من مقدساتها، ولا تسعى لبناء ما هدم من فكرها وحضارتها. 
واذا اردنا ان نبني حياة جديدة تقوم على البناء الفكري والتقدم العلمي فلا بد من الاعتراف ان الاحلام لا تصنع حضارة ولا تبني دولة، وكذلك لا يجوز للمفكرين والعلماء والقادة الاستمرار في ترحيل الازمات، بل لا بد من المصارحة والمكاشفة ولا يليق بالعلماء استمرار العبث بقوى الامة وطاقاتها وقدراتها بفكر التنويم تحت مسمى الطاعة العمياء الذى اوصلنا الى هذا الضياع؛ لان الطاعة العمياء تصنع الاستبداد وهو فكر دخيل لا علاقه له بالدين الذي يدعو الى الطاعة الواعية المنضبطة، قال ابو بكر الصديق -رضي الله عنه -اطيعوني ما اطعت الله فيكم فاذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
وينبغي الاعتراف ايضا ان فكر طاعة السلطان المتغلب بالقوة ليس من الشريعة بحال، وان حجة طاعته لتسكين الدهماء (العامة) كما يصورون ذهبت ادراج الرياح فبدل ان تحقن الدماء اذا بها تسفك الدماء، وقد تنفع لوقت او مرحلة لكنها لا تصلح لبناء امم واقامة مجتمعات مستقرة تستطيع ان تبني تقدما وتنشئ حضارة.
والسؤال لماذا يتهرب هؤلاء من فكر الاسلام الصريح في ان العقد السياسي يقوم على التوافق الاجتماعي فهناك بيعة العقبه الكبرى وهناك وثيقة المدينة، وهناك بيعة ومشاورة السقيفة، وهناك ترشيح من اجتمع الناس على كفاءتهم للاختيار الحر.
كما ان قيم بناء الحضارات وقيم العمل والانتاج، وقيم التقدم والتفوق العلمي، وقيم النزاهة في الحكم ومحاسبة الحاكم، وقيم التكافل والتعاون المجتمعي، وقيم الرعاية والمسؤوليه في الاسلام لكثرتها والدعوة القرانية للحرص عليها تعد سابقة على كل ثقافات الشعوب والامم.
واخيرا يجب ان يسعى قادة الفكر والعلم والسياسة الى العمل الجدي نحو بناء منظومة فكرية ثقافية اجتماعية تجمع بين الاصالة في المبادئ والقيم وبين المعاصرة في الرؤى مستفيدين من تجارب الشعوب والامم.
ويجب الاستفادة من القيم الايمانية لتفجير الطاقات والقدرات للنهوض والبناء.