الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حل الكيانات المنفصلة؟!!

نشر بتاريخ: 07/08/2017 ( آخر تحديث: 07/08/2017 الساعة: 20:27 )

الكاتب: وسام شبيب

الصراع العربي الإسرائيلي مستمر منذ عقود، يعود تاريخه إلى خطة تقسيم الأمم المتحدة عام 1947. بعد التقسيم، الطريق إلى السلام عرف بأنه حل الدولتين، دوله إسرائيلية وأخرى فلسطينية. أحرز هذا الحل بعض التقدم في أوائل التسعينات خلال اتفاق أوسلو، عقدت العديد من المؤتمرات من أجل صياغة خطة للسلام ولكن دون نجاح يذكر. 
هذا الصراع وضع إسرائيل والولايات المتحدة والعالم الغربي على خلاف مع العالم العربي. إن حل الصراع لن يؤدي فقط إلى إصلاح العلاقات بين الغرب والعالم العربي، بل سيحل أطول صراع في المنطقة منذ ما قبل عام 1948. إن الواقع في الضفة الغربية وقطاع غزة يتناقض تماما مع التقدم الاقتصاد من بنى تحتية واستقرار قوات الأمن. يعوق هذا التباين محادثات السلام وحل الدولتين حيث يتم مناقشة المنطقتين المختلفتين كقضية واحدة. الاحتياجات الأمنية تختلف على كل جبهة، هناك ولايات لها اقتصادات مختلفة، ترتيبات أمنية مختلفة وحكومات مختلفة.
هذه الأرض كانت ومازالت مركزا للعنف السياسي منذ إعلان وعد بلفور في عام 1917. قدم حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. داخل المجتمع الفلسطيني، هناك ظروف ساهمت إسرائيل بها، فالفلسطينيين ليسوا موحدين. إن الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني لم يكن أبدا كما هو واضح الآن، كما أدت الجغرافيا السياسية إلى تفاقم هذا الوضع وتقييد الروابط بين الضفة الغربية وغزة. بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948، فرضت مصر هيمنها على غزة والأردن فرضت هيمنتها على الضفة الغربية ونتيجة لذلك، تطورت حركة مؤيدة لمصر في غزة وفي الضفة الغربية ولاء للمملكة الأردنية الهاشمية. الانقسامات في المجتمع الفلسطيني لم تبدأ هناك وتنتهي هناك، لكن منذ ذلك الحين نمت وأصبحت عامل حقيقي وعائق امام الوحدة الفلسطينية، يشير العالم الاجتماعي البارز خليل الشقاقي، إلى وجود "حاجز نفسي بين سكان المنطقتين، والشك المتبادل" الذي لا يمكن تجاهله".
الضفة الغربية مجدية اقتصاديا، الاقتصاد في الضفة الغربية أحسن حالا من قطاع غزة بسبب عدم ثقة المجتمع الدولي بحركة المقاومة الإسلامية حماس. المساعدات الاقتصادية والتجارة والازدهار محدودة في قطاع غزة، سلطة حماس في غزة وحركة فتح التي تدير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لديها اختلافات منذ عام 2006 أثبتت صعوبة حلها كما هو حال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كانت هناك محاولات متعددة لتشكيل حكومات وحدة ولكن الفصيلين نهجيين سياسيين مختلفين.
الاختلافات الثقافية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تشكل عقبة اخرى لقيام دوله فلسطينية على أساس الرابع من حزيران عام ١٩٦٧، عامل أساسي اخر حال دون قيام دوله فلسطينية هو الشريحة الاوسع من الفلسطينيين، فلسطينيو الخارج، الذين لم يشاركوا بعملية السياسية منذ عام ١٩٩٣، او شاركوا لكن بدور مهمش، محدود جدا ومسيس بعد اتفاق اوسلو، فقد كان وما زال هناك شقاق سياسي لفصائل منظمه التحرير الفلسطينية بسبب اتفاق أوسلو وهنا لا اريد الان خوض سؤال هل فصائل منظمة التحرير حاليا تمثل الفلسطينيين كافة وهل لها الشرعية؟ فلسطينيو الخارج لا يرون ان منظمه التحرير الفلسطينية بعد عام ١٩٩٣ عاده تمثلهم بسبب عدة عوامل وظروف لا اريد... فلسطينيو الخارج كان لهم الدور الأبرز في تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية واسماع صوت الضفة وغزة ومخيماتهم وقضيتهم للمجتمع الدولي من كافة مخيمات اللجوء في سوريا، لبنان، الأردن او حتى اوروبا والأمريكيتين وكافة بقاع الأرض. عند سؤال أي طفل من أطفالهم من اين انت؟ الإجابة ستكون كالاتي: انا من حيفا، يافا، عكا... الخ على العلم هم ممنوعين الدخول لهذه الأرض منذ تهجير ابائهم واجدادهم عنوة وقصرا من قبل عصابات الاحتلال، فلسطينيو الخارج، حافظوا على الهوية الثقافية القومية الفلسطينية، هم الشريك الأساسي والأهم في أي حل سلمي مع إسرائيل ولا يمكن اغتيال دورهم في ايه تسويه مع دوله الاحتلال.
هناك العديد من المقالات المختلفة التي تدعم فكرة أن الشعب الفلسطيني شعب منقسم على نفسه، كما ان هنالك بحوث عدة عن القومية والمواطنة تدعم هذه الفكرة. الفجوة الجغرافية بين الضفة الغربية وغزة هي أيضا فجوة فلسفية سياسية بامتياز. الاقتصاد والأمن والديموغرافيا والإحصاءات السياسية للأراضي الفلسطينية متغير مستقل. المتغير التابع هو المجتمع الفلسطيني المنشق على نفسه، لكي نفهم تماما العوائق في المجتمع الفلسطيني، من الضروري دراسة الانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني وكيفية تأثيرها على آفاق العملية السلمية وحل الدولتين. الانقسامات عميقة، كما يتضح من عدم وجود حكومة وحدة وعدم وجود توافق في الآراء حول العديد من القضايا داخليا. المصلحة الإسرائيلية هي التفاوض مع الأراضي الفلسطينية ككيانات منفصلة.
اقتصاد الضفة الغربية مختلف عن اقتصاد قطاع غزة، الاختلاف كبيرا. يحد غزة البحر المتوسط بينما الضفة الغربية غير ساحليه. الضفة الغربية لديها اقتصاد شهد نموا في السنوات القليلة الماضية وينعكس في تنمية الإقليم من حيث الاستثمار والبنية التحتية في حين تنمو غزة اقتصاديا، لكن ليس لديها البنية التحتية للحفاظ على التنمية والبناء على المدى الطويل، من الصعب تحقيق الاستقرار الاقتصادي لأن الإقليمين يواجهان أوضاعا أمنية وسياسية وتجارية متباينة، مثال باكستان وباكستان الشرقية سابقا، كان موقع العاصمة في الغرب يعني أن كثيرا من الوظائف الأعلى أجرا وأكثر أعطيت إلى الباكستانيين الغربيين وبالمثل حال غزه، أحد الأسباب الرئيسية التي فشلت في التعايش بين باكستان وباكستان الشرقية هو الحاجز البري الذي حد من الوصول إلى العديد من الوظائف المرموقة والمرتفعة الأجر إلى الباكستانيين الغربيين فقط وبالمثل فان الدولة الفلسطينية ستتعرض لخطر عزل نصف سكانها لنفس الأسباب، هناك أوجه تشابه بين بنغلاديش وغزة، عندما كانت بنغلاديش شرق باكستان، كان لها قوة اقتصادية وقوة ديمغرافية على غرب باكستان وهيمنة للارستقراطيين الأغنياء في غرب باكستان، غزة لديها القدرة على أن تكون أقوى اقتصاديا من الضفة الغربية بسبب موقعها على طول خطوط الشحن الأفريقية والأوروبية والآسيوية، الضفة الغربية لديها الطبقة الأرستقراطية التي تساعد على الاستثمار والأعمال التجارية داخل الإقليم، على غرار باكستان، تتمتع الأراضي الفلسطينية أيضا بمستويات مختلفة من الاستقرار داخل الحكومة.
الكيانان المنفصلان، اضعاف للفلسطينيين وتقسيم للمجتمع الفلسطيني، تقوم هذه النظرية على جعل، عمل الضفة الغربية - اجتماعيا واقتصاديا ومؤسسيا - ثم تصمد الضفة الغربية كنموذج ناجح، على النقيض من فشل غزة، حيث تبلغ نسبة البطالة الوظيفية ارقام مرعبه والسماح لحماس برئاسة دولة مختلفة أيديولوجيا وفكريا عن الضفة الغربية، سيتيح لإسرائيل قضم المزيد من أراضي الضفة الغربية وبغض النظر عن مدى كونفدرالية معقولة بين الدولة الفلسطينية والأردن، على الأقل اقتصاديا، فإن الدولة الفاشلة في غزة ستكون مصدرا دائم لعدم الاستقرار، إسرائيل لن تجد من السهل أن تحتل سوى قطاع ضيق من الأراضي لوقف المقاومة.
ثمة بديل ناشئ عن حل الدولتين هو حل الدولة الواحدة، يشمل هذا البديل ضم الضفة الغربية كجزء من إسرائيل وإعطاء مواطنيها حقوقا كاملة مع إبقاء إسرائيل كدولة ديمقراطية، الفكرة وراء حل الدولة الواحدة هي أن الأراضي المعروفة باسم إسرائيل ستصبح دولة ثنائية القومية تشمل الضفة الغربية وغزة وسيحصل المواطنين على حقوق كاملة كإسرائيليين، يخضعون لولاية الحكومة الإسرائيلية، هذا الحل يخلق عقبة أمام سلام دائم مع الفلسطينيين الذين يريدون دولتهم، الفلسطينيين يسعون إلى دولتهم التي يحكمها قادتهم وليس بنيامين نتنياهو أو أي رئيس وزراء إسرائيلي، يشكل الاستقلال الثقافي جزءا هاما من المطالبة بحق تقرير المصير الفلسطيني، غير أن مطالبات الفلسطينيين بتقرير المصير، شأنها في ذلك شأن الشعوب الأصلية، لا يمكن استيعابها دون استقلالية فيما يتعلق بالأراضي والموارد فضلا عن الثقافة وأخيرا فإن ممارسة حق تقرير المصير للفلسطينيين تتطلب عمليات إعادة التوزيع لتمكين خدماتهم الحكومية والاجتماعية، حل الدولة الواحدة فكرة تقترح خارج نطاق التاريخ، كما يقول أبا إيبان: "ليس في دقيقة واحدة في اليوم يفعل ... الفلسطينيون والإسرائيليون يشتركون في الذاكرة المشتركة، تجربة المشاعر أو الطموح" إلى جعل دولة ثنائية القومية أو وحدوية عن بعد ". تسعى الحجة الإسرائيلية لحل الدولة الواحدة إلى منع الفلسطينيين من إقامة دولتهم بينما الحجة الفلسطينية لحل الدولة الواحدة هي تغيير الطبيعة اليهودية لإسرائيل ولذلك، فإن حل الدول الواحدة ليس حلا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
قوة حل الدولتين تتمثل بأنها تدعو إلى الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس التركيبة الديمغرافية، بعد حرب 1967، خضع سكان الضفة الغربية وغزة لحكم الحكومة الإسرائيلية بسبب نجاح اسرائيل عسكريا، منذ ذلك الحين، تم استخدام صيغة الأرض مقابل السلام مع مصر وتطبيقها على القضية الفلسطينية، ينسحب الاسرائيليون من الضفة الغربية وغزة لنقل السلطة الى الفلسطينيين وفى المقابل تعيش الدولتان جنبا الى جنب في سلام، الفلسطينيين يحققون تطلعاتهم الوطنية في حين يحقق الإسرائيليين جارا عربيا سلميا، حل الدولتين يتناول أي قضية ديموغرافية مستقبلية بين اليهود والعرب ويفي بالرغبة الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة قابلة للحياة ويتيح للإسرائيليين فرصة منع أنفسهم من أن يصبحوا أكثر عزلة من قبل المجتمع الدولي، الواقع الأمني لعام 1993 وسلسلة المفاوضات اللاحقة، بما في ذلك عام 2003، لا تعكس الحالة الراهنة. أصبح لقطاع غزه قوه عسكريه وامنيه، ليست بالرادع للتفوق العسكري الإسرائيلي بل هي قوه مقلقه للطرف الإسرائيلي رغم الحصار والتضييق المفروض على قطاع غزه، توسعت المستوطنات حول القدس، قسمت مدينه الخليل، الوضع الأمني مختلف إلى حد كبير حاليا، كما أن تواتر الحروب ضد إسرائيل قد ازداد، هاجم حزب الله إسرائيل من الشمال في عام 2007 وكانت هناك حملات في غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014 وخضعت الضفة الغربية إلى جدار الفصل العنصري المتنازع عليه دوليا.
نتيجة "للربيع العربي"، ان امكن تسميته بالربيع العربي، هناك المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، والعواصم العربية في خطر مستمر من الجماعات المتعصبة مثل جبهة النصرة وداعش والجماعات الإرهابية المدعومة من إيران مثل الحوثيين، هنالك قوات حدودية وهذا يجعل التسوية الإقليمية أكثر صعوبة، إن الإصرار على وجود في الضفة الغربية لوادي الأردن يظهر مدى الضمانات الأمنية التي تسعى إسرائيل إلى الانسحاب منها في الضفة الغربية، هذه مسائل لم تعالج في الاتفاقات السابقة ولا تزال تشكل عقبات في المفاوضات الجارية، التركيز على حل الدولتين يتجاهل الاختلافات الثقافية بين الفلسطينيين والحقائق على أساس أن غزة هي في الأساس دولة بحكم الأمر الواقع، التوسع الاستيطاني لم يتوقف، هناك حاجة إلى نهج جديد وتحديث نقاط التفاوض ومواقف التفاوض في الصراع، المصلحة الإسرائيلية الراهنة هي ثلاث ولايات لشعبين لتخلق واقعا جديدا، إطارا جديدا، مجموعة جديدة من الحوافز لجميع الأطراف على مائدة التفاوض لإشراك وتهيئة الظروف المثلى لتحقيق سلام من وجهه نظر إسرائيلية، إن الانقسامات القائمة داخل المجتمع الفلسطيني تزداد عمقا، مما يجعل حل الدولتين نتيجة، أقل جدوى. ثلاث ولايات ستعالج انقسامات الفلسطينيين، تتناول المخاوف الأمنية الإسرائيلية، تعزز تجديد المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، هذا هو النهج الذي يصحح الأخطاء المفروضة مثل سايكس بيكو من خلال معالجة الاختلافات الثقافية والسياسية والمحلية. لكن، السؤال الذي يطرح نفسه: ما مدى استدامه حل الكيانات المنفصلة لإسرائيل، لفلسطيني غزه، الضفة الغربية والشتات على المدى البعيد ولماذا الاستدامة!