الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل التضحية كافية لصناعة الانتصار؟

نشر بتاريخ: 11/09/2017 ( آخر تحديث: 11/09/2017 الساعة: 11:44 )

الكاتب: رائد محمد الدبعي

هل ازدياد أعداد الشهداء، والثكلى، والأيتام، والمشردين، والأسرى، والجرحى، والمبعدين، والبيوت المهدّمة، يعني أننا نقترب من الخلاص النهائي من الاحتلال، وهل هناك ما يشير أن جرائم الاحتلال خلال القرن الماضي، بحق أرضنا، وحقولنا، ومقدساتنا، وأحلامنا، وذاكرتنا الوطنية، هي أشد ساعات الليل حلكة، والتي سيعقبها فجر قريب، وهل نجحت أنماط التديّن الصحراوية، التي ركزت على تعظيم المظاهر، كتضاعف أعداد الملتحين، والمنقبات، والصائمين، والمعتمرين، وتزايد المدارس الدينية، وتعظيم سطوة، وتأثير رجال الدين، في الحياة العامة، على حساب القطاعات الأخرى، ومنحهم صلاحيات استثنائية، دون الغوص في جوهر الدين، المتمثل في الارتقاء بالإنسان، وصلاح دنياه، وآخرته، من خلال التفكير الناقد، والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، دون حجر على إرادته، وإنسانيته، ومحاربة الفقر، والجهل، والمرض، والسلطوية، في جعل مجتمعنا، أكثر صلاحا، وأقل تشظيا، وانقساما أم العكس، وهل نجحت أي من الشعارات العريضة، سواء تلك التي قامت على مبدأ "الأيادي المتوضئة" و"الإسلام هو الحل" أو تلك التي نادت "بثورة حتى النصر" والكفاح المسلح وسيلة وحيدة لتحرير فلسطين" أو التي استرشدت بالفكر الماركسي، وجدلياته، التاريخية، والمادية، في إيقاف، أو الحد، من أطماع الحركة الصهيونية خلال القرن الماضي.
إن إخضاع تجاربنا السابقة، للنقد البناء، والتحليل العميق، والدراسة المستمرة، والتقييم الموضوعي، سيؤكد فشل مختلف القوى الوطنية، والإسلاموية خلال القرن الماضي، في تحقيق، أو الاقتراب من أي من شعاراتها العريضة، القائمة على تحرير الوطن، وتحسين حياة المواطنين، والتأسيس لمجتمع تحتكم العلاقة بين أفراده إلى مبدأ المواطنة، والشراكة، والتفكير الجمعي المسؤول، بعيدا عن احتكار الحقيقة، وادعاء الصواب المطلق، وعقلية القبيلة، والتحزب، والانقسام، إذ أن شعبنا الفلسطيني، على الرغم من كل التضحيات الصادقة والنبيلة لخيرة مواطنيه، الذين امنوا بالمقاومة باختلاف أشكالها، ومارسوها بإيمان الواثقين بحتمية النصر، وعدالة القضية، ونقاء الفكرة، وصدق الانتماء، لا زال بعيدا، وقد يكون أبعد من أي وقت مضى من تحقيق أماله بالحرية والخلاص من الاحتلال.
إن ماَلات القضية الفلسطينية بكل أبعادها، وتجلياتها، وعناصرها المختلفة، يجعل من تداعي مختلف القوى الفاعلة في الوطن والمنافي والسجون، من مثقفين، وكتّاب، ومؤسسات أهلية، وأكاديمية، ورجال دين، وقوى حزبية، ومؤسسة رسمية، إلى البدء الفوري، بعملية تقييم شاملة، بعقلية القلعة المحاصرة، وروح المواطنة الصالحة، واجب وطني، وضرورة ملحة، لا يحتمل التأجيل، والمماطلة، إذ أن مسيرة المقاومة الفلسطينية قد خلت من أي تقييم عميق، ودراسة تحليلية جدية، لما يزيد عن قرن كامل، بدءا من فترة الحكم العثماني، وبداية المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، وفشل كل محاولات التصدي له، بسبب تداعي الدولة العثمانية، وانتشار الفساد، وسوء الإدارة، أو تجربة الحاج أمين الحسيني، الذي لم ينجح موقعه الديني، والسياسي، الذي تخطى حدود فلسطين وعالم العرب، إلى الفضاء الإسلامي العريض، من حماية فلسطين من الاحتلال، وحماية النظام السياسي الفلسطيني من الانقسام التفسخ والتشظي، أو تجربة منظمة التحرير الفلسطينية، التي شكلت، ولا تزال الوطن المعنوي للفلسطينيين في الوطن والمنافي، والمظلة التي يحتمي تحت لوائها الكل الفلسطيني، بما لها وما عليها، أو تجربة الإخوان المسلمين، في فلسطين، المتمثلة بفرعهم الفلسطيني المتمثل بمنظمة حماس.
ستقود أي قراءة واقعية دون أدنى شك، إلى نتيجة مؤكدة، بأن لا الأيدي المتوضئة، ولا البنادق القابضة على الزناد، ولا المقاومة السلمية اللاعنفية، أو النضال الشعبي، أو المفاوضات، قد نجح تحقيق أي من الأهداف الفلسطينية خلال القرن الماضي، أو حتى الاقتراب من تلك الأهداف، بل أن الحقائق تشير إلى عكس ذلك تماما، حيث أن جميع الشواهد، ابتداء من أعداد المستوطنين، التي تتكاثر باضطراد، ومعدلات البناء الاستيطاني الذي ينتشر كالطاعون في قلب القدس الشرقية، والضفة المحتلة، أو المشهد العربي، والإقليمي المتردي، والمرشح للمزيد من التشظي، والتفسخ، والانقسام، واستمرار الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتوفير الغطاء للاحتلال، وتوفير الدفيئة الدولية لحماية جرائمه، من خلال الفيتو في مجلس الأمن، أو الدعم القائم على ضمان التفوق الإسرائيلي في مختلف المجالات، لا سيما العسكرية، والتكنولوجية، والأمنية، وهو الأمر الذي فتح لإسرائيل بوابات دول، في إفريقيا، واسيا، وأمريكا اللاتينية، كان مجرد مناقشة فكرة بناء علاقات مع إسرائيل، يعتبر إهانة لكرامتها الوطنية، وقيمها الإنسانية، كما هو شأن الهند، واليونان، والعديد من الدول الإفريقية، يضاف إلى ذلك الحروب الأهلية في عالم العرب، والانقسام المخجل أفقيا وعموديا في المجتمع الفلسطيني منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، كل ذلك يشير لنا أن وجودنا اليوم في الأرض أضحى مهددا، وحضورنا في ما تبقى من فلسطين التاريخية، أضحى غير مضمونا خلال العقود القادمة، وإن كان ذلك يبدو للقارئ جنوحا نحو التشاؤم والسلبية، فعلينا أن نتذكر جميعا، أن فكرة خسارة 78% من أرضنا، وقرانا، وحقولنا، بما في ذلك قبور أجدادنا، وذكرياتنا، وأحلامنا، كانت تبدو لأجدادنا سيناريو متشائم، وغير واقعي، قبل أن يستفيقوا بين ليلة وضحاها، ليجدوا أنفسهم لاجئين ومشردين في المنافي.
لا زلنا نمتلك العديد من نقاط القوة، ومن الأدوات التي يجب أن نحسن استخدامها، أولها المواطن الفلسطيني، الذي يجب أن يكون الاستثمار فيه قبل أي شيء آخر، وأبناء شعبنا في حدود فلسطين الانتدابية، والمنافي، وكذلك عدالة قضيتنا، وما أنجزناه دوليا، ومن الممكن البناء عليه، وتعاظم حركة مقاطعة إسرائيل، في الولايات المتحدة، وأوروبا، وغيرها من الدول، إلا أن كل ذلك يبقى، منقوصا، وعدميا، ودون جدوى، دون إنهاء الانقسام، على مبدأ الشراكة الوطنية الكاملة، والتوافق على برنامج وطني، ونضالي موحد، يراعي حق شعبنا بالمقاومة، ويأخذ بعين الاعتبار، الواقع الدولي، والإقليمي، والقانون الدولي، حتى لو تم التوافق على برنامج مرحلي، أولويته حماية المواطن الفلسطيني في أرضه، ويحمي ما تبقى من الأرض من التهويد، والاقتلاع القسري، من خلال خلق مشاريع حقيقية، تبدأ وتنتهي من خلف المحراث لا خلف الشاشات، لحماية الأرض، وزراعتها، وخلق فرص عمل للشباب الفلسطيني بها، وترسيخ ثقافة العمل التطوعي، لطلبة المدارس، وتحرير المقاومة الشعبية من قيود النخب السياسية، وجعلها فضاء عام، من خلال الإبداع في خلق أشكال جديدة لها، وتحويلها إلى برنامج يومي، ومنهج حياة، دون ذلك أرى أننا مرشحون بقوة لإقامة المزيد من مهرجانات التأبين للشهداء، وتعليق صور المئات من أبنائنا الشهداء على جدران شوارع المدن والقرى والمخيمات، كما أن أرضنا تبقى مرشحة بقوة للمصادرة، والنهب، وشعبنا سيبقى هدفا للاقتلاع والتهجير، إذ أن الحركة الصهيونية تعمل منذ اليوم الأرض على تحقيق هدفها القائم على "أرض أكثر وعرب أقل"، وهو الأمر الذي نحن من يحدد مدى قدرتها على تحقيقه، بأدائنا، وسلوكنا الجمعي، مواطنين، ومسؤولين .