السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفيتو و العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة

نشر بتاريخ: 26/09/2017 ( آخر تحديث: 26/09/2017 الساعة: 18:23 )

الكاتب: باسل أبوسعيد

أعاد الرئيس الفلسطيني في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة ـ بشكل واضح وصريح ـ لانهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وهو ما يستدعي التفكير لاعادة تقديم طلب جديد لمجلس الأمن من أجل نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. فالطلب الذي يتوقع أن يلقى معارضة الولايات المتحدة الأمريكية التي هددت دوماً باستخدام حق النقض ـ الفيتو، الأمر الذي ـ إن تم ـ سيثير التساؤلات حول قانونية موقفها الرافض له. ففي الواقع لقد تنازلت الولايات المتحدة منذ نشأة منظمة الأمم المتحدة عن حقها في استخدام هذه القوة (حق النقض ـ الفيتو) في مثل تلك الحالات (طلبات عضوية الأمم المتحدة )، وهي بذلك تعتمد على أسباب لا تسمح لها برفض الطلب الفلسطيني في حال تقديمه.
إن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تخضع لإجراءات أساسية من خطوتين: توصية معتمدة من مجلس الأمن وتصويت الجمعية العامة. فداخل مجلس الأمن، لا بد من الحصول على أصوات تسعة أعضاء لصالح إعتماد طلب العضوية من أصل خمسة عشر دولة يحق لها التصويت في المجلس، على أن لا تعترض إحدى الدول الدائمة العضوية وهم (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا و الولايات المتحدة) على الطلب. وبغض النظر عن النقاشات التي قد تجري في مجلس الأمن، فان تقرير لجنة العضوية المنبثقة عنه هو من سيحدد شكل التوصية التي ستقدم للتصويت عليها في اجتماع لمجلس الأمن، الذي بدوره سيعطي قراره بالرفض أو القبول المشفوع بالدلائل والأسباب وفق أسس ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم رفع تلك التوصية للجمعية العامة لاتخاذ القرار النهائي في طلب العضوية الكاملة.
وهنا يجدر الاشارة إلى أن الولايات المتحدة قد أعطت موقفاً معلناً منذ نشأة الأمم المتحدة على أنها لن تستخدم حقها في منع قبول أي دولة يحظى طلب عضويتها على دعم الأغلبية المطلوبة في مجلس الأمن، حيث تم توثيق موقفها في تقرير اللجنة الخاصة بقبول الأعضاء الجدد [تقرير رقم 25 ـ Annex 5,7 - p.9 49ـ A/2400 حزيران 1953] خلال الدورة الثامنة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1953 ، والذي تضمن نصاً صريحاً : "إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تتفق مع غالبية الأعضاء بأنه لا ينبغي بموجبه على أي عضو دائم في مجلس الأمن أن يمارس حقه في النقض لمنع ترشيح دولة بعد حصولها على سبعة أصوات على الأقل في مجلس الأمن" [المجلس كان يتألف من 11 عضوا قبل عام 1966]. هذا الموقف الذي اتخذته دولة دائم العضوية في مجلس الأمن واستخدامها اللغوي لتعبير النفي، لا يمكن قراءته بشكل أخر سوى أنه تنازل واضح عن حقها في استخدام الفيتو في مثل تلك الحالات. ((1
لعل الموقف السابق للولايات المتحدة هو ما دفع الدبلوماسية الأمريكية في عام 2011 بتكثيف ضغوطاتها على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن لكي لا يحصل الطلب الفلسطيني على الأغلبية المطلوبة، حيث تم رفض طلب العضوية لدولة فلسطين أنذاك بسبب دعم سبعة دول فقط، مما دعا القيادة الفلسطينية في العام التالي 2012 إلى التوجه للجمعية العامة صاحبة الاختصاص في تقديم طلب الحصول على صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة ونجحت حينها في مسعاها بعد موافقة أغلبية الدول الأعضاء. أما اليوم وفي حالة تجديد الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة وضمان موافقة تسعة أصوات في مجلس الأمن، فان الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن إستخدام حق النقض ـ الفيتو التي تخلت عنه مسبقاً.
في كل الأحوال، من المرجح أن التصويت السلبي للولايات المتحدة الأمريكية لن يكون ذا تأثير، خصوصاً أن التصويت المتعارض مع الأغلبية في مجلس الأمن خاضع لإشكالية قانونية قد تضع الفيتو الأمريكي في موقع المساءلة والإلغاء من قبل الجمعية العامة لاحقاً. فطبقاً للمعايير التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، فان مجلس الأمن هو صاحب قرار التقييم فيما إذا كان الكيان الذي يسعى للعضوية هو دولة ترغب بالسلام وقادرة على الوفاء بإلتزامات ميثاق الأمم المتحدة. ففي 28 أيار 1948 أشارت محكمة العدل الدولية في فتوى لها بأن قرار أي عضو في مجلس الأمن يجب أن لا يكون مبنياً على أسس غير التي حددها الميثاق، وفي هذا الإطار فقط تستطيع الدول وضع تقيمها بحرية و ليس غيره سواه. ((2
لكن الولايات المتحدة سبق أن أوضحت الأسباب وراء موقفها الرافض للطلب الفلسطيني، وفقاً لخطاب الرئيس السابق أوباما الذي أوضح فيه أن من شأن تلك الخطوة أن تخرج الفلسطينيين من طاولة المفاوضات مع إسرائيل، وطالب بالعمل على تأجيل طلبهم في الحصول على العضوية الكاملة، ومن المتوقع أن يتخذ الرئيس الحالي دونالد ترامب الموقف ذاته. ومهما كانت أهمية تلك الحجة السياسية التي تتذرع بها دوماً الإدارة الأمريكية إلا أنها لا تتعلق بتاتاً بالشروط التي وُضِعَت في ميثاق الأمم المتحدة حول طريقة استخدام حق النقض (الفيتو). وهنا يجب التذكير بما قاله سفير الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن عام 1947: " لا اعتقد أن واضعي الميثاق قد أرادوا إعطاء الحق لدولة في استخدام الفيتو لأسباب ليس لها علاقة بالميثاق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في طلب عضوية ترى فيه معظم الدول الأخرى أنه جدير بالقبول، في هذه الحالة هناك ـ مما لا شك فيه ـ ما يخالف قواعد استخدام حق النقض الفيتو" ((3
وتأسيساً على ما سبق، فان تصويت الولايات المتحدة لن يكون عقبة أمام الطلب الفلسطيني في حال الحصول على موافقة 9 أصوات لتوصية مجلس الأمن. وفي هذه الحالة، فان الجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون لها الحق الأخير والمطلق في الحكم على طلب العضوية الكاملة والذي يتوقع أن يتم منح الموافقة عليه في ظل اعتراف أكثر من 126 دولة عضو في الامم المتحدة بشكل منفرد بدولة فلسطين.


بقلم / باسل أبوسعيد
باحث أكاديمي / مجموعة الأزمات و المخاطر ـ باريس
________________________________
المراجع والمصادر
1. تقرير رقم A/2400 في 25 حزيران 1953 http://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=A/2400
2. فتوى محكمة العدل الدولية في 28 أيار 1948 http://www.icj-cij.org/files/case-related/3/1821.pdf
3. Security Council official records 1947 n 81, 190th and 191st meetings, 21 August 1947, p. 2133