الخميس: 16/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المجتمع العربي وصورة الذات في الاعلام الآخر

نشر بتاريخ: 29/01/2018 ( آخر تحديث: 29/01/2018 الساعة: 15:25 )

الكاتب: د. فايز أبوستة

جامعة القدس
كشفت التطورات التكنولوجية المتلاحقة التي شهدتها وسائل الاعلام في العقود الأخيرة من القرن الماضي عن مدى هشاشة البنى والتركيبات الداخلية للمجتمعات العربية، فبعد أن اضطرت جل الدول العربية الى التخلي عن هيمنتها واحتكارها للاعلام، وفشلها الذريع بالتحكم بعملية التدفق الاعلامي المتعدد الأشكال والمصادر الى مجتمعاتها، متخطية حاجزي الزمان والمكان، أخذت تطفوا الى السطح العديد من الرؤى المستحدثه المقننه الموجهة والمستوردة من الخارج.
استناداً الى تحليل العلاقة بين المنظور الذي ينطلق منه الاعلام الآخر وما يريد الوصول اليه من نتائج، نجد أنه قد ازداد تأثير تلك الرؤى المقننة والمستوردة والتي يروج لها الاعلام الحديث الذي يتسم معظمه بالاقصاء بفعل ما تقوم به الدول العربيه الحليفه للولايات المتحده أولاً، والتداخل والمرونة والانسجام بين وسائل الاعلام الحديثة والبيئة الرقمية ثانياً، قد قام هذا الاعلام سواء من خلال الفضائيات العربية وعلى رأسها الجزيرة والعربية أو من خلال صفحاتهما الالكترونية بتوجيه الصّراع من صراع ضدّ النّظم السياسيّة في الوطن العربيّ إلى صراعٍ على الهويّات، وخاصة أن الأحداث الأخيرة التي شهدها الوطن العربي قد أثبتت أن المجتمع العربي مجتمع فسيفسائي تنقصه الوحدة والانسجام. وأن فكرة الخلاص الاجتماعي التي يتضمنها النص الاعلامي الحديث والمقنن غربياً هي اضادية لا حوارية سواء كانت دينية او علمانية، او أبوية ( ديكتاتورية ) او ادعت الانفتاح على الآخر، وهي بذات الوقت تلغي عملية الاستيعاب لدى المشاهد العربي أو المشاركة في صناعة المعنى، فيصبح النص مُملى على المشاهد من فوق، أي لا سلطة له ازاءه، فيتحول من متفهم للنص ومعانيه الى مشاهد ومستمع يردد ما يشاهده ويسمعه دون فهم تداعياته ومعانيه.
أدى هذا الامر الى تعميق الهوة والشرخ بين المجتمعات العربية والى اقناع المشاهد العربي بالعجز وبصحة وجهة النظرة الدونية التي يحملها المفكرين الغربيين ( المستشرقين ) للمجتمع العربي خدمةً لصناع القرار في الدول الغربية سواء كانت نظرة استعمارية أو تقنية بين متقدمٍ ومتخلف، مركزين بالصور والمشاهد على حالة المجتمع التقليدي الساكن اللامتحرك والمتحجر changeableness متجاهلين حالة التغيير الاجتماعي بعد الحرب العالمية الثانية، بل وامحاء كل الانجازات التي تلت تلك الفترة.
منذ الحرب على العراق وتدمير سوريا، لا زالت وسائل الاعلام الحديثة تروج لنظرية الحداثة الأمريكية التي تدعي أن خلاص المجتمعات العربية من حالة التخلف هو اتباع الحداثة الغربية، الا أنه في حقيقة الأمر تعمل وسائل الاعلام المقننة غربياً على تدعيم الواقع السياسي والاجتماعي الراهن، وتقف في وجه التغيير الجذري الذي ترنوا اليه الشعوب والمجتمعات العربية.
وفي هذا السياق واستغلالاً للركن الاعلامي ( الرأي والرأي الآخر ) تم اعطاء الفرصة الكاملة للكيان الصهيوني المعزول اعلامياً لعقود طويلة أن يطبع مع نخب من الشعوب العربية، الى درجة خلق افراد ومجموعات، بل وانظمه عربية تبرر وتدافع عن الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، بل وتبارك نقل السفارة الأمريكية الى القدس باعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني.
في ضوء ما تقدم لا بد من دور فاعل للمثقفين العرب وللقوى السياسية المناهضة للأطماع الغربصهيونية والبحث عن اعلام بديل مقاوم للتطبيع ومقاوم للمخططات الغربية في المنطقة، ولا بد من اعلام بديل يحدث توازناً بين الأصالة والحداثة، ويحدث تغييراً في الخطاب الموجه للمشاهد العربي، ينشر فكرة المواطنة نحو الداخل لا نحو الخارج، ويؤكد على الوحدة والحوار وقبول الآخر ( علماني وأصولي )، ويعزز الديمقراطية نحو التحسين المستمر لشروط العقد الاجتماعي في الوطن العربي.