الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

مشروع وطني جديد.. ضرورة وحتمية

نشر بتاريخ: 27/11/2018 ( آخر تحديث: 27/11/2018 الساعة: 11:44 )

الكاتب: عوني المشني

من لم يلحظ تغير المزاج الجماهيري الفلسطيني اتجاه القوى والنخب السياسية فانه يفتقد المقدرة على الملاحظة، فالشيئ الواضح وفِي كل القطاعات الفلسطينية ان هناك ازمة ثقة بين الجماهير الفلسطينية والقوى والنخب السياسية ، النزعة نحو الاستقلالية عن القوى السياسية تتعمق وتتسع ، تتعمق ممن هم مقتنعين بالاستقلالية وتتسع لتشمل اعداد تتزايد بشكل مُلفت ، ويلاحظ بشكل منهجي ان هناك ميل للعمل الكفاحي الفردي المستقل عن التنظيمات وهذا ما عبرت عنه موجة الطعن بالسكاكين في السنوات الاخيرة . من ناحية اخرى فان الخروج عن اطر التنظيمات خاصة في أواسط المثقفين اصبحت ظاهرة واضحة . لدرجة ان هناك من شكل تجمعات سياسية تحت عناوين لها علاقة بالاستقلالية .
ازمة الثقة تلك لست عفوية بل لها اسبابها ، وعلم الاجتماع السياسي قد قال كلمته في هذا الموضوع منذ زمن ، عندما تنحرف الاطر السياسية عن اهداف القطاعات الجماهيرية التي تمثلها فان تلك القطاعات تبدأ بالانفكاك عن تلك القوى لتبحث عمن يمثلها ، وكيف اذا ما أضيف لهذا العامل الفساد والمحسوبية والفشل السياسي ؟؟!!!! لهذا لم يعد هناك شك اننا امام مرحلة جديدة مختلفة شكلا ومضمونًا عما سبق .
بمراجعة اداء كلا الفصيلين المهيمنين على الساحة الفلسطينية نجد ان هناك كثير مما هو مشترك بينهما رغم حالك التناقض بينهما ، سياسات الاقصاء والاستئثار والهيمنة هي عامل مشترك في مسلكهما ، وربما ان احد اسباب اختلافهما هي ذات الصفات المشتركة هذه ، والاهم من ذلك ان كلا الفصيلين بدا وأنهما يحملان سمات القبيلة اكثر من سمات التنظيم السياسي ، الاستئثار بالحظوة والامتيازات لما هو اكثر ولاء والأكثر ولاء تعطل القوانين والنظم أمامه ليصبح فوقها لممارسة الفساد والاستقواء والمحسوبية ، اما اليسار الفلسطيني فيبدو انه يفتقد لمشروعه المستقل اولا ويفتقد أدوات التأثير في الوضع الجماهيري ، ويراوح بين مشروعي الفصيلين الكبيرين بين مواقف نقدية باهتة او التحاق ذيلي ، وبالتالي تحول اليسار الى جزء يكمل مشهد الفشل .
امام هذا المشهد فان الحالة الفلسطينية اصبحت امام ضرورة مشروع وطني له مواصفات مختلفة عما هو سائد ، ومن الملاحظ ان ضرورة هذا المشروع تنبع اولا من احتياجات الوضع الفلسطيني وثانيا من ادراك فلسطيني يتعمق ويتسع لضرورة هذا المشروع ، وعندما تتطابق الحاجة مع الادراك لضرورتها فان تحقيقها يصبح امرا يتعلق بالارادة المنظمة ليس اكثر .
ما هو المشروع الوطني الذي بات ضرورة وإدراكه بات الى حد كبير قضية رأي عام ؟؟؟
المشروع الوطني المطلوب هو مشروع جامع لا يفرق ، مشروع الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ، في القطاع والضفة وفلسطينيي ١٩٤٨ ، في سوريا والأردن ولبنان ومصر والخليج وأوروبا والأمريكيتين ، مشروع وطني لا يستثني اي تجمع فلسطيني ولا ينطوي على تجاهل مصلحة اي تجمع..
المشروع الوطني المطلوب مشروع اساسه رؤية وطنية تنطلق من الرواية التاريخية الفلسطينية ، لا يحدث انفصاما بين الممكن والمطلوب ، يحقق الممكن بصيغة لا تحدث تناقضا مع المطلوب .
المشروع الوطني المطلوب مشروع وطني انساني يجد صيغة تحقق الحقوق الجمعية والفردية لكل سكان هذه البلاد فلسطينيين واسرائيليين على قاعدة الندية والمساواة وعدم انتهاك الحقوق العامة والخاصة لاي شعب
المشروع الوطني المطلوب مشروع ديمقراطي قائم على تمثيل ديمقراطي حر وعلى قاعدة خيارات ديمقراطية بعيدة عن المحاصصة
المشروع الوطني المطلوب منفصل عن السلطة بما يكفل عدم خضوعه لاشتراطاتها او لظروفها ، السلطة جزئية في هذا المشروع وليس العكس
المشروع الوطني المطلوب مشروع سياسي ثقافي اجتماعي اقتصادي متكامل ، لا يمكن ان يكون وطنيا في جزئية هنا وغير وطني في جزئية اخرى ، هو ليس انتقائيا ولا مصلحيًّا بأبعاده الاستراتيجيا ، هو مشروع وطني بكل ابعاده الانسانية الملتزمة بقضايا الجماهير وبالقيم الاخلاقية .
المشروع الوطني المطلوب ليس مثاليا الى حد الطوباوية وليس واقعيا الى حد الاستسلام للامر الواقع ، انه مشروع يقرأ الواقع بموضوعية ويتعاطى معه بما يغير للافضل وبتراكمية وصولا للهدف
المشروع الوطني المطلوب مشروع يحترم الانسان ويؤسس لثقافة انسانية قائمة على قيم انسانية ، لا يمجد القتل ولا يدعو لثقافة الكراهية ، يعترف بالاختلاف كأساس للتكامل ، ويساهم في اثراء التجربة الانسانية
المشروع الوطني هو مشروع وطني فلسطيني بأبعاده العربية والإسلامية والإنسانية ، ينتصر للخير والعدالة أينما كانت ولا يقايض المواقف الاخلاقية بمصالح ، لا يتصالح مع القمع وتكميم الأفواه والعنصرية والتمييز .
هل هذا المشروع ممكن ؟؟؟
ربما هذا هو السؤال الخطأ ، فالممكن الى حد الحتمية هو هذا المشروع ، لكن الذي يحتاج الى تدقيق كيف ومتى .
كيف ؟؟؟ لا يمكن للقوى والنخب القائمة على الوضع منذ ان تحمل مثل هذا المشروع ، هي نخب استنفذت دورها او تكاد واستهلكت طاقتها وإمكانياتها ، ولم يعد لديها ما تقدمه سوى بيع الوهم وشراء الوقت في حركة عبثية لا تؤدي الى اي مكان ، فمن أوعد الشعب الفلسطيني بدولة مستقبله بعد خمس سنوات من توقيع اتفاقية اوسلوا قد استهلك خمس وعشرون عاما دون ان يتقدم قيد انملة باتجاه الدولة ، لا بل اصبحت الدولة اكثر بعدا في ظل تسارع الاستيطان والتهويد ، والذي حمل السلاح وقسم الوطن من احل التحرير الشامل يكتفي بإمارة الوهم في غزة ويقايض كل شيئ مقابل تثبيت إمارته . هذه القوى لا تستطيع ولا ترغب بمشروع وطني حقيقي ، بل ان مصلحتها الإبقاء على حالة فلسطينية هي مهيمنة عليها .القوى التي يمكن ان تحمل هذا المشروع هي القوى التي انقطعت ثقافيا وسياسيا عن القوى السائدة ومثلت رؤى ومفاهيم وطنية واخلاقية ثابتة وواضحة ، وربما طليعة من المثقفين الوطنيين هم من يستطيع هذا .
اما متى فذلك امر تحكمه ظروف موضوعية وذاتية كثيرة ، لكن ارهاصات هذا التوجه قد بدأت وان لم تثمر حتى الان الا انها تتحول رويدا رويدا الى مبادرات جدية وتاخذ شكلا اكثر من الامنيات والاحلام . صحيح ان هناك مصاعب ، ولكن متى كان العمل السياسي الملتزم دون مصاعب ؟؟!!!!
المسألة قدرا اكثر من الجدية ، قدرا اكثر من المسئولية ، قدرا اكثر من الجرأة .
ومن ينتظر يرى..