الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

التطبيع الإسرائيلي العربي بين التصفية! والاستفاقة!

نشر بتاريخ: 06/12/2018 ( آخر تحديث: 06/12/2018 الساعة: 11:48 )

الكاتب: د.ياسر عبدالله

الواقع العربي أصبح يعاني من التشرذم والتفتت في ظل حالة الإحباط التي يعيشها المواطن العربي؛ من فقر وبطالة وفساد ومحسوبية وتفاوت طبقي وانصهار الأحزاب السياسية بين مدافع عن النظام، ومتساوق مع أعداء النظام، هذا حال المجتمعات العربية التي تعيش أسوء حالاتها؛ فالتاريخ يذكر بحالة الدولة العثمانية وخاتمة الدولة (1908–1922) هي آخر مرحلة من مراحل الدولة العثمانية والتي انتهت بزوال الدولة العثمانية وتقسيم المناطق التي كانت تحت نفوذها. كان عام 1908 نقطة تحول جوهرية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وفي تاريخ الدولة العثمانية. ونحن في العام 2018 على مشارف مرحلة جديدة "خريف عربي" تتساقط فيه تلك الدول التي أنشأت على أنقاض الدولة العثمانية وبدعم من الاستعمار الذي رسخ قواعدها ورسخ مفهوم التقسيم بين تلك الدول وغذى مفهوم الدولة المستقلة بعيدا عن مفهوم الوحدة القومية والعربية والإسلامية.
الدول العربية تعيش اليوم ظروف مشابهة لما عاشته الدولة العثمانية في بداية العام 1908 ولم تستمر كثيرا حتى انتهت الدولة العثمانية في العام 1922 أي بعد 14 عاما، وهذا العام الذي بدأت إسرائيل فيه رحلة التطبيع مع الدول العربية ليس صدفة، وانما هو مخطط صهيوني منذ اكثر من مائة عام يهدف الى تحقيق إسرائيل الكبرى الحلم اليهودي للسيطرة على الثروات العربية؛ من خلال الاختراق الاقتصادي والأمني، والدولة العربية تتسابق من اجل شراء التكنولوجيا من الشركات الإسرائيلية والتي تقدر بمليارات الدولارات من اجل استخدمها في تثبيت اركان الحكم في تلك الدول وليس في انعاش الاقتصاد وحل مشاكل الشباب.
وحين نقول ان فترة انهيار الدولة العثمانية اخذت (14) عاما بين مقاومة ومحاولات لإنقاذ الدولة العثمانية؛ فإن مخططا صهيونياً بحاجة الى (14) عاما من الان حتى يحكم السيطرة على الدول العربية خصوصاً وهي تعاني من تشرذم وتراخي وبوادر انهيار، ووفق دراسات اقتصادية اعدت في مراكز الأبحاث الصهيونية فان العام (2032) سوف يتساوى فيه الاقتصاد الإسرائيلي مع الاقتصاد السعودي؛ وهذا -أيضا- بعد (14) عاماً من الان، وهناك مؤشرات إضافة الى التطبيع مع دول عربية تدل على ذلك منها: المشاريع الضخمة التي تفتح الاستثمار للمال الخارجي، شراء التكنولوجيا من إسرائيل بمليارات الدولارات، حالة القلق والخوف التي تعيشها تلك الدول من زوال أنظمتها.
الخريف العربي قادم ومعالمه قد ترسمت على اشكال زيارات لهذه الدولة او تلك وان اختلفت التسميات: تطبيع، علاقات، صداقات، تحالفات. الا ان المؤشر ينبئ بقدوم الخريف العربي وزوال دول عربية بكاملها او خضوعها للسيطرة الاستعمارية الاقتصادية والتبعية، وفي كلا الحالتين فان ذلك يتوافق مع مخططات صهيون في المنطقة العربية ويحقق الحلم اليهودي بفتح أبواب الدول العربية ومقدساتها الى السياحة اليهودية ان لم تكن الى الاستملاك اليهودي من خلال ما يسمى الاستثمار في مشاريع المستقبل.
اعتبر سابقاً من المحرمات الحديث عن إقامة علاقات مع الاحتلال الصهيوني في ظل احتلال القدس والضفة الغربية وقطاع غزة؛ لكن بعد ان أصبحت غزة امارة بذاتها وأصبحت الضفة منفصلة عن غزة. والقدس تهود بدعم امريكي تحت انظار العرب والمسلمين جميعاً، وكذلك بعد حالات التفكك الفلسطينية بين الفصائل والانقسام الجغرافي بين الضفة وغزة؛ اصبحت بعض الدول تتساوق مع الإدارة الامريكية في إقامة علاقات مع إسرائيل على اعتبار ان القضية الفلسطينية لم تعد أولوية بالنسبة للامة العربية والإسلامية.
كتب صديقي "الفيس بوكي "على موقعه عن ذلك "زيارة الرئيس التشيكي وقبلة الرئيس التشادي الى اسرائيل، وقبل ذلك زيارة نتنياهو لسلطنة عمان، وزيارات وزراء ووفود متعددة الى دول خليجية، واختراقات في امريكا اللاتينية والحديث عن زيارات مرتقبة لدول عربية واسلامية، يستدعي منا الوقوف مطولا لمراجعة ما يحدث، هل هو نجاح للدبلوماسية الاسرائيلية ام فشل وتراجع من جانبنا ؟؟"
وكتب صديق فيس بوكي اخر عن ذلك: “إن كانت مقاومة التطبيع هامّة في كل زمان، كونه يشكل سلاحاً إسرائيلياً فعّالاً يستخدم لتقويض نضالنا من أجل حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف، وأهمها العودة وتقرير المصير والتحرر الوطني، فإن مناهضة التطبيع في هذا الزمن تعدّ ضرورة نضالية ملحة لمنع تصفية القضية الفلسطينية. فالتهافت الرسمي العربي والتسابق على إرضاء إسرائيل ومجموعات الضغط (اللوبي) التابع لها في الولايات المتحدة وصلا إلى حد يهدّد قضيتنا الوطنية برمّتها."
وهذا منطق والمنطق ان نقف امام ما يحدث ونراجع اورقنا وملفاتنا ورجالاتنا في كل تلك الدول ونضع استراتيجية قادرة على كبح جماح التوغل الإسرائيلي في الدول العربية والإسلامية وغيره، فأن كان الضمان الاجتماعي وهو قضية مطلبية اجتماعية قد أحدثت ما حدثت في الشارع من حراك!؛ فماذا نتوقع من حراك اخر يناهض التطبيع بين إسرائيل والدول العربية!
المنتظر وغير المتوقع بعد الغفوة العربية التي تهدد بتصفية القضية الفلسطينية وفي ظل التهديدات والتحديات؛ هو استفاقة عربية اسلامية تسمو فوق كل الخلافات وتحقق الوحدة العربية الإسلامية من مشارق الوطن العربي الى مغاربه؛ تحدث استفاقة فلسطينية توحد الشعب والقيادة؛ توقف ذاك المخطط الصهيوني الأمريكي الهادف للسيطرة الصهيونية على أنظمة الحكم في الوطن العربي؛ ولن يكون ذلك والشعوب العربية في سبات عميق واحباط وحالة من العزلة عن الواقع والتحديات التي تحدق بالأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس؛ فان هُودت القدس حتماً ستهود باقي العواصم العربية وأن هانت القدس عليهم حتماً ستهون باقي العواصم وتفتح الأبواب للتطبيع امام اقدام الصهاينة والامريكان؛ ويصبح "التطبيع" علاقة وصداقة وتحالف.
اللامنطقي الاستخفاف بما يحدث في المحيط العربي من حِركاتْ وان كانت مطلبية كما هو في الأردن "حراك الضريبة" ودولة خليجية "حراك التطبيع" وفلسطين "حراك الضمان الاجتماعي"؛ فتلك هي الشرارة التي تشعل الفتنة وناراً قد يصعب اخمادها ان تمكنت تلك الجهات من حشد قوتها في الشارع؛ وأي خطأ في الميدان في التعامل مع تلك الجماهير قد يؤدي الى خريف عربي يعصف ببقاء تلك الأنظمة الحاكمة التي تواجه تهديداً من الإدارة الامريكية لتمرير صفقة القرن.