الإثنين: 20/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

قراءة في نتائج قمة بيروت الإقتصادية

نشر بتاريخ: 31/01/2019 ( آخر تحديث: 31/01/2019 الساعة: 22:34 )

الكاتب: سامر سلامه

إنعقدت القمة العربية الإقتصادية في بيروت وسط أجواء سياسية غير مستقرة في العديد من الدول العربية بما فيها لبنان الدولة المستضيف للقمة. وبالرغم من أن القمة هي قمة إقتصادية إلا أن جميع المراقبين والمحللين قد ركزو على الجانب السياسي منها مثل غياب جميع الرؤساء والملوك العرب، وحضور أمير قطر المفاجيء لفترة قصيرة جدا، والجدال السياسي الداخلي اللبناني المتعلق بتشكيل الحكومة المتعثرة منذ أكثر من ستة أشهر، وعدم دعوة ليبيا للمشاركة بناء على تحفظ رئيس مجلس النواب اللبناني وغياب سوريا وغيرها من القضايا السياسية. فالإقتصاد هو الغائب عن إهتمامات المراقبين والمتابعين للقمة بالرغم من أن القمة هي قمة إقتصادية ناقشت العديد من القضايا الإقتصادية التي تهم المنطقة العربية. وبالرغم من عدم إهتمام وسائل الإعلام بالمناقشات الإقتصادية للقمة إلا أنني أعتقد أن ما تم نقاشه على المستوى الإقتصادي يستحق القراءة والتحليل والإهتمام وخاصة أن فلسطين أخذت حيزا ممتازا من النقاش والدعم السياسي والإقتصادي في القمة. لذلك سأستعرض أهم ما جاء في القمة وفقا لما جاء في بيانها الختامي.
فقبل البحث في نتائج القمة الإقتصادية لا بد من التعرف على أهم المؤشرات الإقتصادية للعالم العربي الذي يشكل 10% من مساحة العالم. فالعالم العربي يحتفظ بما يقارب من الـ 60% من الإحتياط العالمي من النفط و 30% من إحتياط العالم من الغاز. في حين يصل إجمالي الناتج المحلي العربي إلى 2.6 ترليون دولار أمريكي (أكثر من النصف لدول الخليج النفطية). ومن جانب آخر فإن نسبة البطالة في العالم العربي تصل إلى 15% (تصل في بعض البلدان إلى 70%)، وتصل نسبة الدين العام من الناتج المحلي العربي إلى 36%، ولا تساهم الصناعة التحويلية سوى بـ 10% من الناتج المحلي العربي والزراعة بـ 6% فقط. ويعتمد الإقتصاد العربي بشكل كبير على الصناعة الإستخراجية (39%) والخدمات (36%). أما فيما يتعلق بفلسطين والبرغم من أنها دولة تحت الإحتلال إلا أن مؤشراتها الإقتصادية أفضل بكثير من عدد من الدول العربية إذا إستثنينا دول الخليج النفطية وإذا أخذنا بعين الإعتبار الإحتلال الذي يقوض ويحاصر الإقتصاد الفلسطيني ويمنعه من النمو.
فمن خلال متابعة جلسات القمة عبر وسائل الإعلام وبعد مراجعة بيانها الختامي، فإننا نلاحظ وبشكل واضح أن جميع الكلمات الرسمية ومداخلات رؤساء الوفود قد ركزت على الجانب السياسي بشكل أكبر من الجانب الاقتصادي الأمر الذي دفع بالسعودية لإقتراح دمج القمة الإقتصادية بالقمة العربية السنوية إدراكا منهم أن النقاشات الإقتصادية لم تأكذ الحيز الأكبر من المداولات بالرغم من أن القمة تصنف على أنها قمة إقتصادية تنموية وليست سياسية. كما أن المجتمعون قد ركزوا في مداولاتهم على موضوع اللاجئين والنازحين السوريين والتحديات التي تواجهها الدول المستضيفة لهم حيث أفرد لهذا الموضوع حيزا كبيرا في البيان الختامي. وفلسطين بالطبع هي الحاضر الدائم في جميع القمم والمنتديات العربية حيث حصدت فلسطين حصة الأسد من الدعم السياسي والإقتصادي العربي وهذا يعود إلى نجاح الوفد الفلسطيني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء. فقد دعت القمة إلى ضرورة تكاثف جميع الجهات المعنية نحو توفير التمويل اللازم بإشراك المنظمات والجهات ذات الصِّلة لتنفيذ المشروعات الواردة في الخطة الاستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس الشرقية 2018 - 2022، كما ودعت جميع الجهات المعنية لاستحداث الوسائل لحشد الدعم الشعبي لتنفيذ الخطة، وأكدت القمة أيضا على حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وذريتهم وفقا لقرارات الشرعية الدولية لا سيما قرار الجمعية العامة رقم 194 للعام 1948 والتأكيد على التفويض الدولي الممنوح لوكالة الاونروا وفقا لقرار إنشائها ورفض اي قرار يهدف الى إنهاء او تقليص دورها والدعوة الى تامين الموارد والمساهمات المالية اللازمة لدعم موازناتها بشكل يمكنها من مواصلة القيام بدورها ومسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينين. وفي الشق الاقتصادي أيضا أكدت القمة على أهمية محاربة البطالة في البلدان العربية من خلال دعم وتطوير المشروعات الصغيرة ووزيادة الإستثمار في التعليم والتدريب المهني والتقني. ومن الملفت للإهتمام إستمرار الدول العربية بالدعوة إلى ضرورة متابعة التقدم المحرز في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ومتطلبات الاتحاد الجمركي العربي، املا في الوصول الى سوق عربية مشتركة وبذل كل الجهود للتغلب على المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك منذ عشرات السنين دون إحراز أي تقدم على هذا الموضوع الهام والذي يعتبر أهم عمود من أعمدة التنمية الإقتصادية العربية والتعاون العربي الإقتصادي المشترك.
إن الملفت للإهتام أن القمة إحتفظت بالحديث عن التمنيات دون أن تأخذ أي قرار ملزم للدول العربية وإنما إكتفت بالدعوة إلى ... وحث الدول العربية على ... وما إلى ذلك. فالقرار الوحيد الذي تم إتخاذه هو تبني مقترح دولة الكويت بإنشاء صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأس مال قدره ٢٠٠ مليون دولار أميركي، بمشاركة القطاع الخاص ومساهمة دولتي الكويت وقطر بمبلغ ٥٠ مليون دولار لكل منهما من راسمال هذا الصندوق. كما وغاب عن القمة مناقشة آليات العمل وكيفية إزالة العقبات أمام التعاون العربي المشترك بالرغم من التركيز على ضرورة إزالة العقبات دون التطرق إلى كيفية إزالتها. ولم تتخذ القمة أية قرارات تذكر على مستوى تسهيل حركة التجارة البينية بين الدول العربية وخاصة فيما يتعلق بحركة العمال والبضائع بين الدول العربية بالرغم من علم الجميع أن تشجيع التجارة البينية سيعزز الإنتاج العربي وسيقلل البطالة وسيزيد من إجمالي الناتج المحلي العربي وخاصة لقطاعي الصناعة والزراعة. ومن الواضح أيضا أن غياب الإرادة السياسية العربية المتعلقة بتعزيز التعاون الإقتصادي المشترك هو العامل الحاسم في تعثر أي علاقات إقتصادية ناضجة بين الدول العربية.
وفي الختام إنني أعتقد أن العمل العربي المشترك لا زال بعيد المنال وما علينا كفلسطينيين سوى متابعة ما تم التوصل إليه في هذه القمة والقمم الأخرى وخاصة فيما يتعلق بتجنيد الأموال العربية لدعم القدس والأونوروا على أمل إحداث إختراقات جوهرية في العلاقة الإقتصادية مع العالم العربي وخاصة فيما يتعلق بتسهيل حركة العمال والبضائع الفلسطينية إلى الأسواق العربية.