السبت: 20/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحكومة القادمة واقع واستحقاق

نشر بتاريخ: 03/02/2019 ( آخر تحديث: 03/02/2019 الساعة: 13:54 )

الكاتب: د. سليمان عيسى جرادات

يأتي اعادة تشكيل حكومة فلسطينية جديدة لتعكس العديدَ من الدلالات الجدية بين الاطراف الفلسطينية سواء فيما يرتبط بتوحيد القرار الفلسطيني السياسي أو فيما يتعلق بتلبية احتياجات المرحلة القادمة بنسبة التمثيل السياسي للفصائل الفلسطينية، ومواصلة تلبية الاحتياجات وتقديم الخدمات للمواطنين وتعزيز صمودهم، وهي القضايا التي ستشكل عوامل حاسمة حول مدى قدرة الحكومة الجديدة على تبني سياسات تحقيق الرضى العام لدى المواطن في مقدمتها العمل على مواصلة فرض الامن وسيادة القانون وتعزيز سلطة القضاء، وعودة الانضباط للشارع الفلسطيني من التجاذبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واستمرار الجهود لمكافحة الافات الاجتماعية المتمثلة بالخارجين عن القانون، وحماية وصيانة كرامة المواطن على حد السواء.
يوم تولت حكومة الوفاق الوطني برئاسة د.رامي الحمد الله مسؤولياتها افرزت مؤشرات ايجابية ودلالات كبيرة، التي عملت بتفانٍ وإخلاص سواء فيما يتعلق بدورها في إنجاز الاستحقاق الخدماتي من خارطة طريق برنامج الحكومة وفقا لإمكانياتها، وانخراطها في السعي لمعالجة المشكلات على أرض الواقع من خلال المتابعة والزيارات الميدانية الدائمة التي عاشت مراحل حرجة في حدوث تغيير شامل والذي يعكس العديد من الدلالات لاستمرارية مصادر التجنيد السياسي الحزبي بين شطري الوطن التي ارتكزت على نفس الخلفيات التي وسمت جميع الحكومات السابقة منذ العام 2007 بعد حالة الانقلاب والسيطرة على مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية.
لقد اعتمدت تشكيل الحكومات الفلسطينية السابقة على عمليات التدوير لبعض الوزراء وعلى بعض أساتذة الجامعات ممن لهم بصمات علمية ووطنية واجتماعية وحضور متوازن بين الاطراف، وشخصيات التكنوقراط، أي الفنيون المتخصصون في مجالاتهم، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار بعض الشخصيات الواجب وجودها داخل الحكومة، وربما يرجع ذلك إلى محاولة تجنب الصراعات السياسية والفكرية داخل الاطر السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وبما يتلاءم مع ظروف المرحلة الجديدة التي تحتاج إلى توفير بيئة سياسية محفزة على الإنجاز، ولتهيئة السياق المواتي للمرحلة القادمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بما يتطلب نوعًا من الحيادية، والوقوف على مسافة متساوية من كل القوى السياسية التي ستخوض المنافسة الانتخابية.
ان من اهم المعضلات والمشكلات التي تواجه الحكومات الفلسطينية المتعاقبة وصانعي القرار هي معالجة المشكلات والأوضاع الاقتصادية التي يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الاولى الاحتلال الاسرائيلي، لعدم تبني الحكومات المتعاقية فكرة تشكيل فريق اقتصادي مستقل يرسم السياسات العامة والسيناريوهات لصانعي القرار والابتعاد عن المسميات والارتجالية والمثالية والاعتماد على موظفين لتقديراتهم التي هي تطبيق الانظمة واللوائح الخاصة بعمل المؤسسة بالاستمرار دون توضيح مواقف الرأي العام ومتطلباته واحتياجاته لتكون جزءا من السياسات الاقتصادية لتعزيز صمود المواطنين، وتغيير الواقع من الشعارات النظرية الى التطبيق العملي في كافة المحافظات الفلسطينية التي تشغل نسبة عالية بالمراكز الصناعية والتجارية والخدماتية والإنشائية وغيرها، تطبيق مبدأ كلنا شركاء في بناء الوطن خاصة ان مؤسسات الدولة تعاني من عجز مالي نتيجة وقف المساعدات الخارجية وتغيرات في سياسات بعض الدول الشقيقة والإقليمية والدولية للضغط على القيادة السياسية والحكومة الفلسطينية من اجل القبول بتغيرات جوهرية في سياساتها وثوابتها وتماشيها مع ما يطرح من مشاريع تصفوية لا تستند في غالبيتها الى مبادئ الشرعية والقرارات الدولية ولا تلبي الحد الادنى من طموحات الشعب الفلسطيني وتضحياته بإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.
الحكومة المستقبلية تحتاج الى اعادة النظر في تركيبتها الجغرافية والبشرية والإنصاف في توزيع الاستحقاقات لأبناء المحافظات مع عدم الغياب الواضح لمشاركة الشباب الذين يمثلون النسبة الاكبر داخل المجتمع الفلسطيني وهم صاحب الدور المؤثر ماضيا وحاضرا ومستقبلا في تفجير اي حراك نضالي وكفاحي عبر مراجل النضال الفلسطيني ليكونوا مؤهلين لقيادة دفة مؤسسات الدولة بكفاءة واقتدار، الامر الذي يضع التساؤل الكبير لماذا غياب تمثيلهم الذي يثير العديد من علامات الاستفهام في أي تشكيل حكومة جديدة، بما يتوازى مع حجم تضحياتهم او الحد الادنى من الوزراء تعيين مساعدين لهم من الشباب ذات الرؤية والمنهجية العملية، بما يعزز دورهم داخل منظومة الحكم ودمجهم وتأهيلهم كصف ثان داخل مؤسسات الدول..
اما بخصوص المرأة الفلسطينية التي ما زالت تمثل دورا متواضعا ومحدودا لتمثيلها على مستوى استحقاقاتها في الوظائف العليا بمختلف الوزارات، بالرغم أن التشكيلات الحكومية السابقة اعطت المرأة دورها في تسلمهم العديد من الحقائب الوزارية، فإن تمثيل المرأة ظل كما كان، حيث لم تشغل أي امرأة أي منصب وكيلا او وكيل مساعد إلا عددا محدودا جدا من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية وهو ما يعتبر اولا إجحافًا بمسيرتها ودورها المجتمعي بكافة المجالات وهو حقها في التمثيل العادل والملائم داخل مؤسسات الدولة، بالإضافة لما تمثله من حالة مفصلية في عمليات التصويت في جميع الاستحقاقات الانتخابية للمجلس التشريعي والهيئات المحلية والمجالس الطلابية وغيرها وهو الأمر الذي قد يدفع المرأة بالثأر لحقها داخل مراكز الاقتراع، من اجل توصيل رسالتها واحترام مشاركتها في الشأن العام وإدارة المؤسسات بان لا يكون أمراً ثانويا وإنصافها من خلال تطبيق معايير المساواة بين الجنسين، هذا يتطلب ضرورة إعادة النظر بسياسات الاستثناء والانضباط والانتماء للعمل الحكومي في مؤسسات الدولة المختلفة، والابتعاد عن حالة التوسع العامودي في الوظائف الادارية العليا دون انصاف وهو المألوف لربما غلبة الطابع الشكلي على الإنجاز، والاقتصار على الحضور والخروج، بدلا من الاعتماد على زيادة معدلات الكفاءة والإنتاج.
وإجمالا يمكن القول إن الحكومة القادمة لديها الكثير من الملفات المعقدة والشائكة في ظل استمرار الظرف السياسي الاستثنائي، والوضع الاقتصادي المتردي هذا يتطلب التفاني والإخلاص وبرامج وطنية تحقق الكثير من الانجازات بمجالات من خلال الزيارات الميدانية لدولة رئيس الوزراء الجديد ووزراءه للوقوف من خلال المشاهدة والملاحظة على مطالب المواطنين والتعاون مع المسؤولين المحليين وتنفيذ ما يمكن تنفيذه وفقا للإمكانيات المتاحة للحكومة الذي سيرتبط نجاحها بمدى قدرتها على طرح رؤى ابتكاريه للمشكلات المجتمعية تستند على استنهاض الطاقات الكامنة اقتصاديا داخل المجتمع الفلسطيني الذي يعاني من مشاكل متفاقمة، والعمل على استنفار كافة القدرات البشرية الذاتية بمختلف المجالات لحساسية الظروف السياسية التي تعيشها قضيتنا الفلسطينية عبر اطلاق خطاب وحوار وطني شامل للخروج بسيناريوهات تواكب وتلامس الواقع الفلسطيني وإعادة الوحدة بين شطري الوطن بإنهاء حالة الانقسام كحالة نموذجية امام العالم لمواجهة أي قرار لا يخدم الحقوق الفلسطينية في الميزان السياسي الدولي، والوقوف موحدين امام المؤامرات التي تحاك من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي وبعض الدول الشقيقة والإقليمية والدولية على القيادة السياسية لحرف بوصلتها، والضغط على الحكومة بتعطيل برامجها ومواصلة تقديم خدماتها بوقف الدعم والمساعدات، الامر الذي سيكون له نتائج ايجابية على مستوى الرضى الشعبي والمؤسساتي عنها وهي مقومات أساسية داعمة لتعزيز الصمود على مبدأ كلنا شركاء في بناء الوطن ومؤسسات الدولة والنهوض بها.