الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

غزة وكأس آسيا

نشر بتاريخ: 06/02/2019 ( آخر تحديث: 06/02/2019 الساعة: 12:24 )

الكاتب: حيدر عيد

كنت أتمنى ومن كل قلبي الا يصل أي من المنتخبات الخليجية بالذات تلك المطبعة بفجاجة غير مسبوقة مع إسرائيل، لنهائي كأس آسيا المقامة في دولة الإمارت العربية المتحدة. نعم انا (خائن) للقومية العربية وأعلن براءتي من هكذا (وطنية) اذا كانت هذه الوطنية تتجسد في قدمي لاعب كرة قدم او يدي حارس مرمى! وهل معيار الوطنية والانتماء القومي هو مدى تفاني الواحد منا في عشق حركة قدمي لاعب كرة قدم؟! من تابع عملية الشحن غير المسبوقة للجماهير الإماراتية والسعودية والتعبئة التي لا تقارن بأي تعبئة سياسية سابقة لا يصاب فقط بالاحباط... بل بغثيان سارتري يتميز بقرف شديد من احوال سائدة مسيطر عليها وموجهة من قبل طبقات اجتماعيه غير أصيلة لا تجد حرجا على الاطلاق في بيع كل ما هو وطني لمصلحة طبقية ضيقة، وتحويل مفاهيم الانتماء والوطنية والقومية الى هستيريا جماعية متراكمة بشكل متدحرج وصولا للحظة (الحسم التاريخي)، أي مباراتي منتخبات كل من السعودية والإمارات ضد منتخب قطر، تلك اللحظة التي تأجلت للقاء منتخب اليابان الشقيق ضد العنابي.
قامت إسرائيل في السنوات الأخيرة بالاعتداء السافر على قطاع غزة وارتكاب مجازر غير مسبوقة قتلت خلالها الأبرياء من المدنيين النساء والأطفال وأصابت الآلاف، منهم من أصبح مقعدا مدى الحياة ودمرت المنازل والمؤسسات.! ماذا كان رد فعل النظام الرسمي العربي الخليجي بالذات، المولع بأقدام لاعبي كرة القدم (الأبطال)؟
لا شك ان المقاربة مؤلمة وقاسية ومثيرة للجدل.
اصبحت إمارة قطر، وهي بكل الأحوال دولة مطبعة بامتياز، في نظر الكثير من الإماراتيين والسعوديين (متآمرةً) على سمعة دول مجلس التعاون الخليجي وتجسد نمطا عدوانيا غير مسبوق لمحاولتها الاطاحة بالحلم الإماراتي والسعودي الذي ناضلوا كثيراً لتحقيقه! لعدة أسابيع والمحطات التلفزيونية الممولة من كل من الإمارات والسعودية تيث الأغاني الوطنية التي تتغنى بالوطن الذي ينتظر اولاده الأبطال كي يقوموا برد الكرامة. وأصبحت (الوطنية) المكتشفة حديثاً، ملهمة للأبطال واصبح العلم القطري وليس الإسرائيلي، يستحق الحرق علانية. أصبح الحديث عن (العداء التاريخي) بسبب كرة القدم مقبول اعلامياً ولا يوجد اي رادع وقامت الماكنة الإعلامية بعملية شيطنة جديدة غاية في الغرابة والاسفاف. 

وتظل غزة منسية!
ان (صناعة الثقافة) الاستهلاكية المتجسدة في الفيديو كليب أفلام السوق مسلسلات تتخلل الاعلانات(!) أفلام ألأكشن الإشاعات الجنسية عن الفنانين/ات، الأغاني الهابطة...الخ ونموها يشكل هائل بعد مرحلة الانقلاب على القيم القومية السائدة في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، قد وصلت مرحلة من خلق الوعي الزائف غير المسبوق تجسد يشكل هزلي فيما حدث من تعبئة اعلامية، مدعومة من الطبقات السياسية الحاكمة أوصلت المواطن البسيط الى ان يمحور حياته في هذه اللحظة من السؤال عن نصرة أهل فلسطين وكسر الحصار الجائر على غزة الى (هل تحقق أقدام اللاعبين الحلم المنتظر؟)
ويموت مريض غزي جديد بسبب الحصار الخانق! وفي نفس يوم نهائي الكأس يستشهد طفل بالقرب من السلك الشائك... رقم جديد لا يقارن بعدد الأهداف المتوقعة.

ان الشرائح الاجتماعية التي استطاعت سلعنة الوطنية والقومية وتحويل التحالف مع الشعب الفلسطيني الى بكاء وعويل لا معنى له، لانه لا يترجم الى خطوات عملية، ومشاعر من السهل التعامل معها كشحنة عاطفية تستطيع أفدام 11 لاعبا ان تزيلها. هذه الأقدام لديها القدرة على التعامل مع ما يمكن أن تولده مناظر استشهاد رزان النجار وياسر مرتجى وأحمد العديني. ان الصلوات والتمتمات على شفاه المتفرجين وحتى السياسيين قبل وخلال المباريات ضد المنتخب القطري فاقت في (مصداقيتها) وعددها ما صلّي لأهل غزة في سنوات الحصار والحروب الإبادية الأخيرة!
يقول جمال محجوب في رباعياته.. وكأنه لسان حال غزة:

يا ربي حزين أنا بينهم
وأنا منهم ومش منهم!