الجمعة: 10/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

حوار موسكو

نشر بتاريخ: 06/02/2019 ( آخر تحديث: 06/02/2019 الساعة: 12:10 )

الكاتب: د. هاني العقاد

100 معيق واكثر حالت بين الفلسطينيين ووحدتهم، معيقات بأشكال مختلفة معظمها تم صناعتها في معامل خاصة وعلى درجة عالية من الذكاء لتفوق ذكاء الفلسطينيين، وضعت بشكل مقصود ومتقن بطريق الفلسطينيين لتمنعهم من استعادة عافيتهم ووحدتهم ليستكملوا مسيرة تحررهم التي بدأوها قبل 60 عاما ومازالوا يحاولون دون جدوى...
من هذه المعيقات ما هي كبيرة وقاسية كالصخور ومنها ما يحجب الرؤيا عن الهدف الواحد كالسدود الغريبة ومنها الحفر التي حفرها بعض العرب ليسقط فيها كل من سار باتجاه تحقيق حلم الفلسطينيين، ومنها التلال التي صنعتها امريكا واسرائيل... المثير ان الفلسطينيين ساهموا في صناعة هذه المعيقات وامنوا بها ولم يحاولوا حتى ازالتها عن الطريق واستسلموا لها وبات الفصل الجغرافي والسياسي اقرب من لم شملهم ووحدتهم، وهنا فان وحدتهم السياسية اصبحت اشبه بالمستحيل.... فقدوا الهدف وابتعدوا عنه واعتقدوا ان السلطة والحكم جزء من مسيرة التحرر والبوابة التي يمكن من خلالها تحقيق الانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي وهذا وهم بالغ اثر على مسيرة التحرر التي لن تنجح طالما حولنا بنادقنا الى بنادق شرطية، ولا وطن يتحرر طالما اضعنا المصلحة الوطنية وصادرنا ارادة الشعب وانكرنا الممثل الشرعي لنا كفلسطينيين واعتقدنا اننا نستطيع خلق البديل الذي يرغب فيه المتربصون للقضية الفلسطينية.
فشلت كل المحاولات العربية للجمع بين الفلسطينيين لشراكة وطنية وكلما اقترب الفرقاء من ذلك كلما جاء من يفرق بينهم ويدق اسافين مادية ومعنوية ليبتعدوا كما المشرق والمغرب، عشرات جولات الحوار بالقاهرة راعية ملف المصالحة واكثر من ست اتفاقات لانهاء الانقسام بحثت فيها ادق التفاصيل وقال كل طرف منهم قولته وفرض من الفروضات ما يريد الا ان النهاية باتت دراماتيكية فقد يكون الفلسطينيون يرهنوا مصالحتهم بموافقة الغرباء ويريدونهم ان يزيلوا المزيد من العقبات التي تقف في طريق وحدتهم... لعل فشل هذه المحاولات التي استمرت 12 عاما لم تنته لكنها توقفت وكرست الجهود على تدجين حركات المقاومة وادخالها العملية السياسية كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية سواء ادركت تلك الفصائل ذلك ام لم تدرك... لكن معطيات المشهد الاخيرة تقول ان هذه الفصائل تعرف كل شيء ومتفقة على كل شيئ لان الاستعانة بالغرباء امر لا يقبله منطق في حين الايدي الفلسطينية مفتوحة والابواب مشرعة ولا يحتاج سوى الاعتراف بشرعية الفلسطينيين وممثلهم السياسي والاصطفاف في صفوف مناضليه والعمل معا وبشراكة وطنية في كل القطاعات سواء الحكم او مسيرة التحرر، لكن منطق الاختلاف على اساس اما ان اخذ ما اريد او اذهب الى من يعطيني ما اريد...!هو السائد حتي لو كان ذلك بتوجيه العدو فان هذا اقسى ما صدم العقل الوطني الفلسطيني.
دور موسكو ليس جديد لكن حان وقته بسبب رغبة موسكو بدور فاعل في الصراع وجاء في الوقت الضائع لاستدراك موسكو الموقف الخطير الذي يعيشه الفلسطينيون والذي بات يهدد كيانهم الوطني ومستقبل قضيتهم ويهدد تمثيلهم السياسي ومركزية قضيتهم امام منصات المجتمع الدولي وهذا ما عبر عنه نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوغدانوف" اكثر من مرة واعرب ان موسكو قلقة من تعثر المصالحة الفلسطينية، فما كان بالاخير الا الاتصال بالسيد "اسماعيل هنية" لبحث سبل عقد لقاء فلسطيني شامل في موسكو يجمع الفصائل الفلسطينية بما فيهم فتح وحماس قبل ان يتخطى الفلسطينيون حدود الممنوع... هذا الحوار الذي ترعاه وزارة الخارجية الروسية قد يساعد الفلسطينيين على تخطي محنتهم ووقف انفصالهم السياسي واعاقة المخطط الامريكي الذي بني على اساس انقسامهم الاسود، وخاصة ان وزارة الخارجية الروسية اكدت اكثر من مرة على موقفها الثابت والمتمسك ببعث الوحدة الوطنية الفلسطينية في اقرب وقت وايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على اساس القانون الدولي وحل الدولتين.
الفلسطينيون فقدوا الامل نهائيا في استعادة وحدتهم بنفسهم ولا يعتقدون ان موسكو تمتلك سحر لا يمتلكه العرب ليتفق الفلسطينيون على تنفيذ اتفاقاتهم، لكن يبقى امل ما لدينا كمراقبين ان تنجح موسكو فيما فشل فيه الاخرون ويتمكن الروس من جسر الفجوات وتحييد الادوار الخبيثة التي خربت مسيرة وحدتهم واوصلتهم الى حافة الانفصال السياسي.....
وهنا اعتقد ان روسيا ستبذل جهدا كبيرا من اجل قطع الطريق لفصل غزة عن الضفة الغربية لذلك سيكون ملف تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الكل الفلسطيني تمهد لانتخابات عامة هو الهدف الكبير الذي تصبو موسكو الوصول اليه عبر اطلاق حوار وطني شامل يكسر الجمود ويزيل كل المعيقات والسدود في طريق وحدة الفلسطينيين. 
لا اعتقد ان تلعب موسكو لعبة الازدواجية وتعميق الانقسام لكنها ستعلب دور قيادة الحوار الايجابي باتجاه استكمال تطبيق ما اتفق عليه الفلسطينيون في القاهرة ومن هنا ستوقف حوارات موسكو عودة حماس للجنة الادارية وتشكيل فتح حكومة سياسية. ولا اعتقد ان يكون الدور الروسي دور بديل عن الدور المصري لكنه مكمل ومسهل وخاصة ان مصر فتحت الملفات التي سيتحاور من اجلها الفلسطينيون هناك ويبقى دور موسكو الدور الدافع لتطبيق ما تم الاتفاق عليه على الارض دون تلكؤ او مماطلة...
ولا اعتقد ان دور موسكو سيقف عند هذا الحد بل ستحاول موسكو تعبيد علاقة فلسطينية فلسطينية حقيقية قائمة على المصلحة العليا للشعب الفلسطيني الذي فقد عناصر صموده ومواجهته لتحديات مخيفة تهدد بتصفية قضيته العادلة واعتقد ان موسكو ستعبد علاقة فلسطينية روسية قوية قائمة على دور مساند دون ثمن ودون مقابل لتبقي موسكو القوة التى تتدخل بايجابية وعدالة وتبقي الاكثر حكمة في الشرق الاوسط في ظل الانحياز الامركي الكبير الذي جعل امريكا تهيمن على القرار السياسي لكثير من دول العالم العربي.