الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المسعف الصغير الشهيد ساجد مزهر...نسف دولة الاحتلال بشمعة

نشر بتاريخ: 02/04/2019 ( آخر تحديث: 02/04/2019 الساعة: 12:01 )

الكاتب: عيسى قراقع

على ارض مخيم الدهيشة للاجئين، وعشية احياء ذكرى يوم الأرض، ارتقى الشهيد الفتى المسعف ساجد عبد الحكيم مزهر 17 سنة شهيداً يوم 27-3-2019 على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال مداهمة المخيم، رصاصات قاتلة اخترقت جسد الشهيد، دماء ملأت وجه الفجر الذي اطل على المخيم يحمل اثقال ليلة نزفت من الوريد الى الوريد.

الشهيد ساجد مزهر مسعف متطوع في الاغاثة الطبية، تلقى عدة دورات في الاسعاف، يعرفه الجميع في مساعدة مصابي الاعتداءات الاسرائيلية على سكان المخيم، هذه الاعتداءات التي أصبحت ظاهرة يومية، وقد أصيب ساجد خلال قيامه بعمله الانساني في انقاذ الجرحى والمصابين بالرصاص والقنابل، كان يرتدي لباس المسعفين، يحمل الادوية والأجهزة الطبية في حقيبته الصغيرة، يركض من شارع الى شارع ومن حارة الى حارة، يحمل شهيداً تارة وجريحاً تارة اخرى، يبتسم في وجه الموت حتى تنفجر الحياة.

الشهيد ساجد مزهر اصغر مسعف في العالم، يتنقل بأدويته البسيطة دون سيارة اسعاف، يزرع البسمة، يضئ الليل، يطل بوجهه الجميل وبيديه الحنونتين ليوقف الالم، يتمنى ان يحلم مرة واحدة بليلة بلا قتل ودم، ما هذا الفتى الذي لا يخاف من الرصاص؟ يستفز قوات الاحتلال، يزيح الموت بيده، يكشف القناع عن دولة احتلال همجية تستخف بأرواح الناس وبكل القيم الاخلاقية والانسانية.

المسعف الصغير الشهيد ساجد مزهر ضحية البربرية الاسرائيلية التي حولت مخيم الدهيشة الى ميدان تدريب عسكري، العشرات سقطوا شهداء، المئات اصيبوا بأعاقات دائمة، المخيم يوجع المحتلين، منذ عام 1997 لم تستطع اسرائيل احتلال مخيم الدهيشة، اولاد كبروا وأقاموا بين الفقر والحجر ورائحة الخبز وصوت الرصاص، اجيال متمردة تحمل ذكرياتها واسمائها وتبحث عن اعمارها المفقودة في البعيد.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر كان يعرف انه الشهيد القادم او الأسير القادم، كل ليلة يُعتقل العشرات، بيوت تداهم في منتصف الليل، الاعتداء على النساء والرجال والاطفال، صراخ ومواجهات، الحارة السفلى تنادي على الحارة العليا، ضرب حجارة، دماء في الشوارع وعلى الحيطان، الوقت في المخيم يتوقف، الوقت يصير اغنية جماعية يغنيها الاولاد الساهرون حتى ينام الموت في جفونهم ثم يستيقظون.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر فقد صديقه وتوأم روحه اركان مزهر الذي سقط شهيداً في المخيم، لم ينجح في انقاذه لينجو من الموت، وأُصيب صديقه الآخر حسن مزهر بالشلل التام نتيجة اصابته برصاص في العمود الفقري، الاصدقاء من حوله يغادرون الى الجنازات والمقابر، الاصدقاء يساقون الى السجون والزنازين، الاصدقاء على كراسي متحركة او يتئكون على عكازات، لم تعد الضمادات تكفي ولا الادوية ولا انابيب الاكسجين، ذهب الاصدقاء وتركوه لوحده يقرأ ما كتبوه بأصابعهم على الحجارة ودفاتر المدرسة من اناشيد الوداع، أكان عليهم ان يموتوا ليروه مرة ثانية؟

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر ينتظر يوم يزهر اللوز في يوم الارض ليتدفق الاخضر ويعود الشهداء من النسيان ومن شجر الزيتون، ينتظر ان تنهض القرى المدمرة والمهدمة والآبار المدفونة والبيوت المجروفة لتحتفل بالربيع في شهر نيسان، اعشاب تنبت من الماضي الى الحاضر الى مكان الولادة الاول، كان يبحث عن بيت خالٍ من الحطام وسلام لا يشبه الحرب.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر يعرف ان شوارع ومداخل مخيم الدهيشة ليست مفتوحة ولا سالكة لقوات الاحتلال، ولا مرة جاؤوا ودخلوا دون ان تنهال الحجارة فوق رؤوس الجنود ومركباتهم العسكرية، اهل المخيم خلية واحدة، حاسة اشعار مترابطة دائما مستعدين، هي جمهورية مخيم الدهيشة المستقلة.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر يواجه المحتلين بالحب والفرح والاغنية الصامدة، رأوه ملاكاً ذو أجنحة خفيفة قادرة على اقتلاعهم وطردهم من الأرض، المسعف الصغير يجتاح المحتلين في شكل عاصفة، يداوي الجروح كندى ليلي، بيد سحرية وغيمة ماطرة، كان يهتف: لهذا الاحتلال عمراً قصير الأمد، المخيم لا ينصاع لأحد.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر يتساءل لماذا يسقط الشهداء بهذه الكثرة؟ لم يعد المخيم ملجأ مؤقتاً، صار مقبرة، الدعوة الى العودة أُرجئت الى اخر الآخرة، الحي والميت يسقطان في لجوء واحد، يتجاوز المسعف الصغير الفارق بين الحدود والوجود، الواقعي هنا، الجثث هنا واحلامي الباقية.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر كان جاهزاً ، ارتدى ملابس المسعف، الشهداء واقفون على مداخل المخيم، الاطفال والرجال والنساء، والاعلام و اليافطات على جدران المخيم ، الوحش الاسرائيلي يستيقظ في اعماق الجنود، رصاص حي، رصاص ودم، القتل لاجل القتل، اعدامات ميدانية، المسعف الصغير يصاب بالرصاص، المسعف الصغير يحاول ان يعالج نفسه يستند على اوجاعه، ينهض، يسقط، يشعل شمعة في جروحه وينسف دولة الاحتلال.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر نسف دولة الاحتلال بشمعة، هم يطلقون الرصاص وهو يزرع وردة، هم رجال آليون مقنعون مدججون بكل وسائل القمع وهو واضح تتراقص بين عينيه البسمة، هم يرشقون القنابل والموت والغاز ويحبسوا الهواء، وهو يرفع النسيم فوق الصدر يرش الماء ويعطي الدواء، خُوذ، صفيح، دبابات، اسلحة، المسعف الصغير كان روحاً ترفرف فوق مذبحة.

الشهيد المسعف الصغير ساجد مزهر سقط في مخيم الدهيشة، تناثر القطن الابيض والدم والفراشات، كان الشهيد عضوا في فرقة مؤسسة ابداع الفنية، وكان يمثل في عروضها دور الشهيد المحمول على الاكتاف، وهاهم زملاؤه اطفال الفرقة الان لا يقفون على خشبة المسرح بل فوق راسه في مقبرة الشهداء ويغنون:

لي خلف السماء سماء لارجع
ولي فوق هذه الارض ارض لارجع
لن افقد اسمي مرتين
احمل ضلوعي التي فقدتها
وضلوعي التي ساتركها هنا
مفاتيح لابوابنا خلف المدى
نحن النشيد لنخرج الاحياء من اسر القبور
نحن سرب الطيور
نطير اليوم وغدا