الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجزائر تقدم أنموذجا مشرفا في احترام إنسانية الإنسان

نشر بتاريخ: 07/04/2019 ( آخر تحديث: 07/04/2019 الساعة: 17:53 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

خشينا على سلامة وأمن الشقيقة الجزائر في الأحداث الأخيرة. كما نخشى على بلدنا وأنفسنا، لأننا ندرك ما يحظى به الفلسطينيون من حب وتقدير من قبل الجزائريين كافة، بصرف النظر عن الرؤى والتوجهات السياسية والبرامجية.
خشينا على الجزائر من المؤامرات الخارجية ومن تسلل هواة تدمير الدول إلى الداخل الجزائري، وتحريضهم عناصر موتورة للقيام بأعمال تخريبية، كما حصل في دول عربية أخرى، لكن يقظة الجزائريين تجلت بأعظم صورها مستندة إلى وعي عام وحرص مقتطع النظير على الوطن (مواطنين ومنشآت و ثروات)، فتصرف المتظاهرون بأخلاق عالية، حاملين مطالبهم، داعين إلى التغيير، دون المساس بأي من الممتلكات العامة، على اعتبار أن كل شيء على الأرض الجزائرية، هو للجزائريين، فحافظوا على شوارعهم
ومحالهم ومؤسساتهم وجامعاتهم ومتنزهاتهم، فيما تصرف الجيش والشرطة بوطنية قل نظيرها، وحرصت المؤسستان على أن تكونا الحارس والحامي للمواطن، وتصرف قادة الجيش الوطني الجزائري بشفافية تجاه كل القضايا المطلبية المطروحة، وكانت تصريحات قادة الجيش موزونة ودقيقة، وامتازت بالتكثيف والاقتضاب، لكن بالوضوح أيضاً، حيث أعلن الجيش وقوفه الكامل مع الشعب.
التغير قد تحقق بعيداً عن العنف وإراقة الدماء، وفي ظل قطع الطريق على المتربصين في الخارج، الذين طالما خططوا لتقسيم الأقطار العربية إلى دويلات صغيرة، لجعل بلادنا تقبع سنوات وسنوات تلعق جراحها دون أن تحرك ساكناً في القضايا العربية، وفي غياب تام عن الإسهام في اثبات الوجود على الخريطة العالمية.
الجزائر انتصرت وفاءً لثورتها وتاريخها وشهدائها وتضحياتها وقادنها التاريخيين وعلى رأسهم هواري بومدين الذي كان وطنياً وقومياً بامتياز وأممياً بامتياز أيضاً.
ونحن الفلسطينيين لا يساورنا أدنى شك في الموقف الجزائري من قضيتنا، لأن ذلك لا يرتبط باسم معين أو تشكيلة وزارية بعينها، وإنما بفهم شعبي عام بات من الأمور البدهية لدى الجزائرين على اختلاف شرائحهم وانتماءاتهم، بيد أن القلق الذي عشناه في الفترة الأخيرة، يرتبط بخوفنا من أية انزلاقات من شأنها أن تحرف الحراك الجماهيري عن مساره، إلا أن هذه التخوفات قد تبددت يوماً بعد آخر، أمام فطنة الجزائريين وقدراتهم على استخلاص العبر بسرعة والاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها الآخرون، وبالتالي تجنيب بلادهم من العنف أو الارتدادات السلبية المؤذية.
انتصرت الجزائر، وانتصرت معها حقيقة أن الجزائريين وهم يسعون إلى التغيير، فإن الثابت المشترك لديهم جميعاً هو الوطن ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، حيث لا يمكن فصل الحاضر
والمستقبل عن التضحيات الجسام التي قدمها الجزائريون من أجل الاستقلال وتنسم عبير الحرية.
لا أحد من العرب يمكن أن ينسى أو يتناسى دور الجزائر بعد هزيمة 1967، عندما أسهمت في تمويل صفقات الأسلحة لمصر وسوريا لإعادة بناء القوات المسلحة في البلدين، ولا أحد يمكنه أن يتجاهل الموقف الجزائري القومي، عندما وظف الرئيس بومدين كل إمكانيات البلاد الاقتصادية والعسكرية في حرب العام 1973، ووضع سلاح الطيران الجزائري كاملاً تحت تصرف المصريين.
اليوم من حق الجزائر أن تتباهى بأبنائها الذين سجلوا صفحات مشرقة في الديمقراطية وحقوق الإنسان والأخلاق واحترام إنسانية المواطن الجزائري، من حقها أن تتباهى بثورة سلمية، لم ترق فيها الدماء ولم تشهد أي صدام بين الجيش والشعب، لتسير السفينة في الاتجاه الصحيح
وحسب المرسوم لها، ولترسو في المكان والتوقيت المناسبين، لاسيما وأن النجاح الديموقراطي في الميدان، سيكون له انعكاساته الديمقراطية في كل الإجراءات المتعلقة بترتيبات المرحلة الانتقالية بآلياتها ومفاعيلها وقوانينها، لينتصر الجزائر قانونياً ودستورياً كما انتصر في الميدان، لأن هناك علاقة جدلية بين الجانبين، فما تأسس على الأرض، من الطبيعي أن تكون له تجلياته على مستوى القوانين والمفاهيم والتوجهات، ليتوج المواطن الجزائري تحركه انتصاراً محمولاً على كفي تجربة ستشكل أنموذجاً حضارياً جديداً على مستوى العالم.