الإثنين: 17/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

على مدار سبع ليالٍ رمضانية..لأول مرة تجتمع فلسطين في مخيم

نشر بتاريخ: 02/06/2019 ( آخر تحديث: 02/06/2019 الساعة: 12:53 )

الكاتب: عيسى قراقع

نظمت مؤسسة ابداع في مخيم الدهيشة وبالتعاون مع مؤسسة بديل والقوى واللجان الشعبية والمؤسسات الوطنية في محافظة بيت لحم وبمناسبة مرور 71 عاماً على النكبة مسابقة ثقافية بين مخيمات الوسط والجنوب وبحضور شعبي واسع وتفاعل ثقافي مميز اضفى اجواءاً عائلية وتكاملية ونضالية وتعددية ودينية على اجواء شهر رمضان الفضيل.

استضاف اهالي مخيم الدهيشة عوائل شهداء وأسرى جاءوا من مختلف المحافظات على هامش المسابقة التي تحولت الى مهرجان ثقافي وهي: اشرف نعالوة، جايل العرجا، محمود عدوان، جريس قنقر، محمود نخلة، كرستين سعادة، انطون الشوملي، احمد ابو السكر، فادي الزبقلي، عمر القاسم، علي القطاوي، عبد المنعم ابو حميد، محمود الاسود( جيفارا غزة)، صالح البرغوثي، دانيال ابو حمامة، اسحق جراس، ساجد مزهر، ميسرة ابو حمدية، وشارك في المهرجان عوائل اسرى وهم: ناصر ابو سرور، محمود ابو سرور، محمد الطوس،وليد دقة، كريم يونس، ناصر ابو حميد، احمد سعدات، عاهد ابو غلمة، رياض العمور، سامر العيساوي، اسراء الجعابيص.

عوائل الشهداء في مخيم الدهيشة استضافت الضيوف على موائد الافطار، وكان طعام الشهيد يكفي شهيدين، وطعام الاسير يكفي اسيرين، الأحياء والشهداء التقوا واجتمعوا في شهر رمضان المبارك، امتزجت الصلوات والدعوات بأسماء الحاضرين والغائبين وبالذكريات، تبادلوا حديث الموت والحياة واقاموا الصلاة.

لأول مرة تجتمع الضحايا في بيت واحد، في مخيم واحد، جاءوا من خلف قضبان سجون الاحتلال، جاءوا من المقابر والجروح المفتوحة، قطعوا المسافات والمؤبدات، اجتمعوا بين الآيات المباركات والدماء النازفات وتحت خيمة المساء، اسماء كثيرة تطل من عتبات الغياب، اسماء كثيرة تنزل عن الصور المعلقة معمدة مباركة تستضيف الحرية والانبياء، هي ثورة الحالمين واللاجئين، على مدار سبع ليالٍ جميلات كانوا سادة الكلمات التي اضاءت الظلام، وادارت حواراً ربانياً مع الصخرة في القدس وحجارة كنيسة الميلاد.

لأول مرة تجتمع فلسطين في مخيم، تجاوزت الحواجز العسكرية والجدران العالية و رجال القناصة الاسرائيليون ووصلت من الجليل وغزة، هاهي تدخل المخيم من كل الابواب والحارات، حضر التاريخ والذاكرة والحكايات والبطولات، حضر الجميع، حضرت كل المدن والقرى والمخيمات، حضر الشهداء والاسرى والمبعدين والمفقودين، حضر كل المقهورين والمعذبين من كل اصقاع الارض، خرج المؤذن من الجامع شظايا واعتلى فوهة المئذنة، خرج الراهب من الكنيسة واعتلى صخور السماوات الممكنة.

على مدار سبع ليالٍ ثقافية رائعة ومبهرة رأيت في مخيم الدهيشة محمود درويش وادوارد سعيد ومعين بسيو وياسر عرفات وجيفارا وجمال عبد الناصر ونيسلون مانديلا والمتنبي وابو سلمى، رأيت بين الحاضرين فيليستا لانغر وفدوى طوقان وسمية خليل وراشد حسين والشيخ امام، ورأيت فرحان السعدي واحمد سعادات ومروان البرغوثي وجورج حبش واحمد ياسين وفيصل الحسيني والمطران كبوتشي، رأيت دلال المغربي واسحق مراغة وعلي الجعفري و وفاطمة برناوي، وعندما وصلوا المخيم اعلنوا نزولهم عن صلبان الموت والقيود، صاروا حراس الحرية والأبدية، رأيت من يكتب برماد جسده قصيدة، ورأيت من يوقظ البحر في عملية فدائية، رأيت ابطالاً خرجوا من النيسان، جاءوا من الريح شمالية جنوبية.

على مدار سبع ليالٍ رمضانية وصلت فلسطين كلها الى مخيم الدهيشة، استيقظت ام سعد من رواية غسان كنفاني عائد الى حيفا وجاءت الى المخيم، استيقظ نوح ابراهيم وراجح السلفيتي وصدحت في شوارع المخيم زجلياتهم الشعبية، فك كريم يونس قيوده بعد 38 عاماً ووصل الى المخيم، اشعل احمد دحبور رمال غزة ونسف المحتلين بطائرة ورقية، ولازال احمد ابو سلعوم يغني في باب العامود بالقدس عن الليل والمشبوحين في زنازين المسكوبية.

حضر اليسوع الى مخيم الدهيشة، اليسوع اللاجئ، اليسوع المطارد، اليسوع الاسير، اليسوع الشهيد، اليسوع المبشر بالثورة، كان صائماً، حضر الائمة والبطاركة والرهبان والشفعاء والنجوم والملائكة، حضر الماء والهواء، جاءت الابراج كلها الحوت والعذراء، العالم كله اصبح لاجئاً، سكان الارض فتشوا عن الوردة لم يجدوها الا في المخيم، فتشواعن ذاتهم المسلوبة لم يجدوها الا في المخيم، فتشوا عن ضمائرهم لم يجدوها الا في المخيم، فتشوا عن المغني لم يجدوه الا في المخيم، فقط في المخيم وجدوا الفكرة والجمرة والاغنية والوردة.

لأول مرة تجتمع فلسطين في مخيم، في جمهورية اللاجئين الذين يربون الوقت كما يربون الأمل واليقين والبندقية، في المخيم بنيت البيوت التي هدمت ونكبت عام 1948، وفي المخيم اعيد زراعة الاشجار والقمح في البساتين واطلاق الحمام، في المخيم صارت الكلمات كائنات ونهضت من الغياب، الحاضر والماضي يلتقيان، الاحفاد والابناء يتكاملون ويتوحدون، الموت والحرية لا يفترقان ، يتداخلان وينتجان ولداً او حجراً، يتناوبان النوم والانتباه.

الأجيال الجديدة في المخيم لا تحتاج الى هيئة الامم المتحدة ولا الى مجلس الامن للتصدي لصفقة القرن الامريكية والتآمر على حق العودة للاجئين وعلى القدس عاصمة لدولتنا الفلسطينية ، الاجيال الجديدة لا تحتاج الى قرارات وشرعيات دولية لم تطبق منذ 71 عاماً، هنا في المخيم هيئة الامم بكامل اعضائها ونصابها القانوني، بكامل لحمها وعظمها، هنا القرارات، هنا كل الحجارة ، هنا كل الاسرى والشهداء، هنا كل الدماء الدافقة، هنا الوعي بالمكان والزمان، اندفاع النهر في الايقاع، اجتماع البرق والغيم والصوت والعاطفة.

على مدار سبع ليالٍ رمضانية ثقافية في مخيم الدهيشة، كانت فلسطين في المخيم، وكانت تغني مع الشاعر سميح فرج:
ايها الطفل الملثم ايها الطالع في ليل المخيم الان جئنا من كهوف الموت جئنا من حقول الميرمية من مسالخها السجون الان جئنا من مناديل العرائس من زنازين المخيم وطن تجسد في مخيم وطن ملثم وطن يشرع صدره ليحتضن الزمن وطن تلاحم في وطن.