الأحد: 28/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

وزارة الريادة والتمكين، خطوة نحو التنمية .. تنتظر ما بعدها؟

نشر بتاريخ: 20/06/2019 ( آخر تحديث: 20/06/2019 الساعة: 12:58 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

يقول مهاتير محمد إن "التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تحدث بين عشية وضحاها، وعلى الناس أن يتحركوا لإحداثها"؛ والسبب في ذلك أنّ العملية التنموية برمتها ماهي إلاّ عملية تشاركية تعبرُ عن تغييرٍ مقصودٍ ومخططٍ له، وتصنعه يد الجميع في المجتمع، من أفرادٍ وجماعاتٍ ومؤسسات، وذلك من أجل أن ينعم الجميع بنتائجها الحتمية، وهي المزيد من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي المستدام، والمخطط له في كافة المجالات، والذي بدوره يحقق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص أمام الجميع، في الحاضر، وفي المستقبل، ليصل الجيل بالجيل الذي يليه، ويصنع ذلك التمايز الثقافي والحضاري والمدني بين مجتمعٍ وآخر.
ومما لا شك فيه، أنّ مؤسساتنا الوطنية والفلسطينية على اختلاف مسمياتها، ورؤاها، وأهدافها، ما هي إلاّ استلهاماً من وحي قضيتنا الفلسطينية العادلة، تلك القضية الانسانية التي عانت ولا زالت تعاني الأمريّن، وذلك في صراعها ووجهتها نحو تحقيق وإرساء أركان دولتنا الفلسطينية المنشودة، هذه الحالة من عدم الاستقرار ألزمت تلك المؤسسات البقاء في دائرة مفرغة من التحديات المجتمعية المزمنة والطارئة، والتي يغذي الاحتلال الجزء الأكبر منها بشكلٍ يكاد أن يكون يومياً ومقصوداً، وكأن به ذلك الداءُ الذي لا يغادرُ سقماً، ليطال كل ما هو فلسطيني الهوية في مختلف الأماكن، كما ويعتبرُ حجرُ العثرةِ أمام المستقبل الفلسطيني، والحلم المنتظر لشعبه، خاصةً فيما ترنو إليه تلك المؤسسات، والتي اتخذت من الشباب الفلسطيني موطئاً للاستثمار والتمكين والريادية، استثمارٌ في العقول البشرية، لجعلها بمثابة ذلك البنيان المرصوص في مواجهة غطرسة المحتل الغاشم، مؤسسات بنت نفسها بنفسها، واعتمدت في بنائها على أجيالٍ متعاقبة من الشباب الفلسطيني المبدع والواعد، في رسالة كان عنوانها على الدوام "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، تركت عبرها منجزات فلسطينية رادت الشرق والغرب، وخُلِّد ذكرها في التراث الانساني.
إنّ ما قام به مجلس الوزراء والذي إلتأم مؤخراً بقيادة د. محمد اشتيه وطاقمه الوزاري، من استحداثٍ لوزارة الريادة والتمكين، ما هو إلا خطوة في الاتجاه الصحيح، ورؤية ثاقبة لشخصٍ يعي معنى التنمية الشاملة والمستدامة، ودورها في نهضة الشعوب، وهو صاحبُ بصمةٍ مشهودٍ لها في هذا المجال، وذلك منذ زمنٍ طويلٍ في ظلِ مؤسساتٍ وطنيةٍ عدة عمل بها، وإذ بي في هذه المقالة المتواضعة أوجه خطابي هذا إلى معالي وزير الريادة والتمكين، متضمنة في ثناياها وطياتها جملةً من الموضوعات والاعتبارات الهامة، والتي يجب أن نأخذها جميعاً بعين الاعتبار، ايماناً منا بدورها الوطني والمحوري, ودورنا نحن كشباب فلسطيني يرنو ويرجو لهذه المؤسسة الوطنية المستحدثة وقيادتها تمام النجاح والتوفيق والسداد، وفي أن يرودها ويعزز مكانتها الشباب الفلسطيني الواعد بفكره البنّاء، جنباً إلى جنب، ويداً بيد، مع طاقمها المهني المنتظر، وأنا أتحدث باسمهم كمختصٍ في هذا المجال، للنهوض بالدور المنتظر من هذه الوزارة والعمل على تعزيزها مجتمعياً، لتحصد المنجزات الحقيقية والملموسة للأثر التنموي في المجتمع الفلسطيني، حيث يقول غاندي "إن أوقية من الخبرة والمعرفة الحقيقة، تساوي طناً من الوعظ"، وعليه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار جملة من الواجبات والمتطلبات الهامة، في سبيل نجاح هذه المؤسسة الوطنية ودورها المرموق والتي تُعقد عليها آمال كثيرة ومنها:
 إن مفهوم التمكين يعبر عن أداة لتحقيق أثر إيجابي جامع للأفراد والجماعات والمؤسسات، وهو عماد التنمية المحقق للعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص في المجتمعات، وهو ليس حكراً على مجال دون الآخر، وإن كنا نتحدث هنا عن (التمكين الاقتصادي والاجتماعي) على وجه الخصوص، ولكنه ليس بمعزل عن أشكالِ التمكين الأخرى، في المجلات التنموية كافة، لأنه كما أسلفت أداة للتغيير البناء ووسيلة له، ولكن يجب أن يتضمن هذا التمكين معطيات الواقع وحقيقته؛ بمعنى نظرة متعمقة داخل الصندوق، ونظرة ثاقبة مستبصره خارجه، من أجل التطوير والتحديث والمعاصرة، وخاصة في الجانب التعليمي، لكونه المحور الأساس لنهضة الشعوب، وتحقيق تمايزها الحضاري والفكري.
 لا يمكن أن يتحقق التمكين الريادي بانفصاله عن التمكين الاجتماعي أو المعنوي للفرد، ويكون ذلك عبر تعزيز جانبين هما: الجانب الفكري، والجانب السلوكي للإنسان، من أجل بناء الذات المنتجة والمؤثرة مجتمعياً، كأساس وقاعدة للتنمية البشرية، وصقل لشخصية الفرد، فيما يعرف اليوم عالمياً ببناء القدرات، والتي تتضمن مزيجاً فاعلاً من الكفايات الريادية من (معرفة متعمقة، ومهارة متخصصة، وميزات تنافسية)، تصنع التمايز والابداع، إضافة لجملة من المهارات الحياتية الضرورية، والتي تجعل من الشخص قادراً على الانخراط والاندماج الفاعل في مجتمعه وتبني المواطنة الصالحة، إذ يُرجح علماء السلوك بأن النجاح في الحياة العملية يتطلب قدراً من الذكاء الاجتماعي والمقدر بـ (80%) مقارنة بالمعرفي والمقدر بـ (20%)، وهذا أمر نفتقده اليوم كثيراً في شخصيات شبابنا، فالخلل في جانب تسويق ذواتهم وهُوِيَتهم لا في معارفهم ومهاراتهم.
 إن التمكين الريادي مرتبط بالتمكين الاقتصادي، وهنا أتحدث عن الجانب المادي للتمكين، كأساس لإسقاط تلك الأفكار وقولبتها في هيئة مشاريع ريادية هادفة للتنمية المستدامة في مجموعها ومحصلتها، وخلاّقة للحلول والبدائل والحاجات المجتمعية، وهذا الأمرُ ليس بالأمر السهل والهين، وهو لا يقع على عاتق وزارة التمكين والريادة لوحدها، بل هو برنامج وطني مشترك، يجب أن تسعى له الوزارة، برنامجاً مخططاً له تشترك وتشتبك فيه الأيدي والرؤى معاً من أجل تحقيقيه ونهضته.
 العمل بمعزل عن الآخرين لا ينتج أثراً مهما كان، فالشراكة والعمل الجماعي هي محرك التنمية، واذا ما تحدثنا عن الريادة والريادية فالأمر يعني البناء الجماعي، فيدٌ واحدة لا تصفق، ومصطلحُ الريادةِ مصطلحٌ جامعٌ لمنجزات الأفراد والجماعات على حدٍ سواء، وأثره يعم الجميع، لذا يجب أن يشترك الجميع ببناء فلسفته ومنظوره المجتمعي، إذا ما تم تبنيه والعمل به، فهو نهجُ حياةٍ يجب على وزارة التمكين والريادة أن تبنيه بالشراكة والتنسيق مع الجميع، وفي جميع المجالات الهادفة للتنمية والتمكين، (الزراعية، والصناعية، والتجارية، والخدماتية، والسياسة، التعليمية ...)، كذلك يجب أن تكون هذه الوزارة بمثابة روح المجتمع ومتنفسه، فهذه الوزارة دورها جوهري وحيوي، ولا يقتصر على فئةٍ بعينها، ولا مؤسسات دون غيرها، فهي بمثابة المحور، ومغزل النسيج، لجميع الوزارات والمؤسسات الراعية للعملية التنموية، لأن العملية التنموية هدف الحكومات وغاية المجتمعات الساعية لهذا التمكين وذلك الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
يجب أن تتمتع أي مؤسسة حكومية بقدر من الموازنة والرصيد المالي، والذي يمكنها من القيام بأعمالها، وأرى هنا كمختص أن لا تعتمد الوزارة على مخصصات السلطة الوطنية المالية فقط، والتي تصرف لها في هيئة اعتمادات مالية تخصصها الموازنة باسمها، بل يجب عليها كوزارة للتمكين أن تسعى لتمكين نفسها أولاً بنفسها لاستقطاب وتعزيز رأس مالها، عبر تجيير كافة المشاريع الدولية العاملة في قطاع التنمية والتمكين وتمركزها، وبناء القدرات لصالحها وعبرها كشرط للعمل والسعي التنموي المحلي والدولي، من أجل مزيد من التحكم والضبط، وتوجيه الموارد واستخدامها الاستخدام الأمثل، وليس العمل بعشوائية كما في المؤسسات الدولية العاملة في أراضينا دون رقيب أو مقيم لنتائج عملها وأثرها التنموي الفعلي.
 دائرة العلاقات العامة هي الشبكة العنكبوتية لأي مؤسسة، وأنا شخصياً أعتبرها أول انترنت عرفته البشرية بلا خط نفاذ، وأول شبكة ومنصة للتواصل الاجتماعي عرفها التاريخ، لذا يجب على وزارة التمكين والريادة بناء وتطوير هذا الدائرة، وربطها بغيرها من الدوائر بالتخطيط والتطوير والمشاريع وغيرها، كونها ركن الأساس، ورقعة الشطرنج، التي يجب أن يتحرك في حدود جهودها الجميع، لذا يجب تعزيزها بمختصين قادرين على تجسيد العلاقات الداخلية والخارجية، والبناء نحو الأفضل ولا شيء سواه.
وفي النهاية اسمحوا لي معاليكم أن أنتهز هذه الفرصة بالمباركة لكم ولجميع الأخوة الوزراء، عبر هذه الوكالة الوطنية الفذة، والمشهود لها بالمصداقية والصوت القريب بين السائل والمسؤول، كذلك حرية الطرح والرأي البناء لا الهدام، كما وأنه لكل مجتهدٍ نصيب، ونصيبنا الغالي والثمين بأننا "شعب الجبارين"، شعبٌ ولد حراً ليبقى، رغم نكبته وهوانه على الناس، بقي شامخاً صامداً ينشد دولة وضع أركان مجدها الشهداء، والأسرى، والجرحى، وكفى بنا هذا الفخر ونحن كشعب أهلٌ له، مع وافر تقديري واحترامي لمعاليكم، متمنياً لكم وكلنا ثقة بشخصكم النبيل، دوام السداد في الرأي والنجاح والتوفيق.