الخميس: 02/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

شح المساعدات وفلسفة الاعتماد على الذات!!!

نشر بتاريخ: 20/06/2019 ( آخر تحديث: 20/06/2019 الساعة: 11:06 )

الكاتب: عقل أبو قرع

من الواضح من خلال تصريحات رئيس الحكومه والوزراء الحاليين، بأن هناك زخم من التصريحات يصب في اطار الاعتماد على الذات، وحماية المنتج الوطني، وزيادة الانتاجيه وما الى ذلك من توجهات تصب في تقليل الاعتماد على المساعدات وعلى الاخرين وضغوطهم واجندتهم ، وقبل فتره كان هناك تقرير حكومي صدر عن الحكومه السابقه يشير من خلال الارقام والبيانات الماليه التي تم تقديمها، ان هناك انجاز كبير يحسب له الاحترام والتشجيع في اطار زيادة الايرادات وتقليل النفقات، واذا تواصل وبشكل مستدام رغم الضغوطات والعوامل غير الايجابيه في المنطقه وفي العالم، التي تعمل لغير صالحنا، والتي نجم عنها انخفاض قيمة المساعدات خلال السنوات الخمس الماضيه بنسبة اكثر من 60%، حسب بيانات الحكومه، فأن الاعتماد على الايرادات والانتاج الوطني سوف يتراكم ليصبح انجازا مستداما.
ومن الامور الابجابيه الاخرى، والتي تصب في فلسفة الاعتماد على الذات، رغم العقوبات والضغوطات وقطع المساعدات، هو تخفيض النفقات الحكوميه ومضاعفة الايرادات للحكومه وبشكل فعال، سواء من خلال زيادة وفعالية جباية الضرائب أو بسبب اصلاحات وقوانين وحوافز اخرى، ومن الارقام الايجابيه كذلك، هو انخفاض أو ثبات ديون البنوك المحليه للحكومه عند نسبة حوالي 10% من الناتج المحلي الاجمالي، والاهم هو خفض عجز الموازنه لتصل الى حوالي 4% فقط من الناتج المحلي الاجمالي.
وان تواصل تحقيق هذه الارقام الايجابيه، وبشكل مستدام، اي بشكل ثابت، فأن هذا يعتبر علامه ايجابيه للاداء الحكومي وللتفكير والعقليه التي تعمل في اتجاه المزيد من الاعتماد على الذات، هذا رغم قطع المساعدات، في ظل تصاعد الاجراءات الامريكيه، كما بات واضحا في الاحداث المتتابعه، بدأ من الاعتراف الامريكي بالقدس ونقل السفاره الامريكيه اليها، ومن ثم قطع المساعدات الامريكيه عن الفلسطينيين، سواء المساعدات المباشره أو المساعدات عبر وكالة التنميه الامريكيه، ومن ثم قطع المساعدات عن وكالة غوث اللاجئين، وبعد ذلك قطع المساعدات عن مستشفيات القدس العربيه، وانتهاء باغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينيه في واشنطن والتهديدات بأتجاه محكمة العدل الدوليه وانتهاءا بالتخطيط لعقد ورشة "الازدهار من أجل السلام" في البحرين الاسيوع القادم، وما يمكن أن يتبع ذلك من اجراءات وعقوبات وتضييقات، في ظل غيااب عالمي فاعل وتشرذم عربي مؤلم.
وكما في الاقتصاد وفي التنميه والتطور والتقدم وفي عملية التغيير، يبقى العنصر البشري الفلسطيني، وبالاخص حين يتكاتف ويتناغم حول هدف معين أو تحت اطار واضح وموحد، أو في ظل السعي لتحقيق هدف عام بعيدا عن المصالح الشخصيه والامتيازات الضيقه والاضواء البراقه، يبقى العنصر البشري هو الاقوى، بعيدا عن التدخلات الدوليه والاقليميه وبعيدا عن طرح المبادرات ورفع الشعارات ومحاولات التوسط والاستجداء، وما ينطبق على السياسه والاحداث الاخيره المتتابعه، ينطبق وبشكل واضح على الاقتصاد والتنميه والتغيير بكافة اشكاله.
وبعد مرور اكثر من 25 عاما على اتفاق اوسلو، وحسب تقارير دولية متعدده، لا يمكن للاقتصاد الفلسطيني ان يتسم بصفة الاستدامة في ظل اعتماد هذا الاقتصاد وبشكل كبير على مساعدات خارجيه والقرارات الاسرائيليه المتعلقة بالمقاصه والحركه والاستيراد والتصدير والتشغيل، وفي احد هذه التقارير تم ربط التقدم الاقتصادي الفلسطيني وبالتالي امكانية استدامة هذا التقدم الى مدى انخراط ومساهمة واستثمار القطاع الخاص في هذا الاقتصاد، ولكن وفي ظل الازدياد المتواصل في عدد العاطلين عن العمل وتناقص المساعدات الخارجيه والجمود السياسي مع الجانب الاسرائيلي، يبقى الاقتصاد الفلسطيني يراوح مكانه وتبقى فلسفة الاعتماد على الذات والاستدامه في ذلك من اهم الانجازات في هذا المنوال.
ورغم ان نقاش فلسفة الاعتماد على الذات وحول التنمية المستدامة من المفترض ان يكون واقعيا وبأن يضم الشرائح المختلفة من حكومية وقطاع خاص وباحثين ومجتمع مدني، وبأن يمتاز بالشفافية وبعرض الحقائق والعقبات كما هي، وبان لا يكون بعيدا عن الاعلام والاضواء وبأن تصل نتائجة الى الناس بكل وضوح، الا انة وبدون الخوض في التفصيل من الواضح ان هناك اجراءات فلسطينية داخلية محضة يمكن القيام بها وبدون مخاطرة لتحقيق هدف زيادة الموارد الذاتية، وهذا من المفترض ان يشمل القطاعات الاساسية التي تزيد الموارد والاهم بشكل مستدام مثل الزراعة وقطاعات الانتاج الصناعي والسياحة والتجارة وغيرهما، اي ان تكون الزيادة مستدامة وليست لمرة واحدة، وفي نفس الوقت تقليل النفقات الزائدة عن الحد وفي قطاعات عدة ، والبناء على ذلك وبشكل مستدام.
ومعروف ان من اهم اسس او مقومات البناء والتنمية في المجتمع هو العنصر البشري، اي الانسان، اي الانسان المتعلم المدرب والقادر على احداث التغيير، اي القادر على تطبيق الخطط والبرامج، اي القادر على تحقيق الانجازات، ومعروف اننا نملك هذا الانسان وبوفرة، ونحن نعلم ان جامعتنا وكلياتنا وبأنواعها تخرج سنويا عشرات الالوف من الناس وفي كل المجالات، والذين تم ويتم استخدامهم في دول كثيرة وفي مجالات يحققون فيها الابداع والتقدم والتنمية في تلك المجتمعات، وصحيح ان الانسان هو من اهم الثروات التي نملك، وبالاخص في ظل ضألة ما نملك من مصادر او من ثروات طبيعية، وصحيح ان هذا الانسان على استعداد للعمل والبقاء في الارض، وخاصة اذا وجد الفرصة والادارة والحافز.
ويأتي تحقيق المزيد من الاعتماد على الذات، رغم أن حوالي 60% من الاراضي والمصادر الطبيعيه الفلسطينيه ما زالت خارج السيطره، ومنها منطقة الاغوار التي تعتبر السله الغذائيه لنا، والعمق الاقتصادي والتنموي للدوله الفلسطينيه القادمه، ويأتي ذلك بعد مرور اكثر من 25 عاما على اتفاق اوسلو، وفي ظل توقع المزيد من الخطوات الامريكيه بهدف الضغط ، وكما اثبتت أحداث سابقه ربما كانت أسوأ من الاحداث الحاليه، ومن التطورات المتوقعه القادمه، مدى قوة العنصر البشري الفلسطيني وما يمكن تحقيقه حين يتم الاعتماد على الذات.
ويأتي ذلك كذلك في ظل الاجراءات الاسرائيليه المتمثله في قطع جزء من العائدات الضريبيه أو المقاصه، وفي ظل تصاعد سيطرتها على الطرق والتواصل والتنقل والتحصيل الجمركي أو المقاصه، وقبل فتره، اشار تقرير دولي الى امكانية استغلال مناطق "ج" من الاراضي الفلسطينيه، وبالاخص مناطق الاغوار الفلسطينيه، والتي تسعى اسرائيل الى فرض السياده عليها، ونعرف اننا لا نستطيع استغلال مناطق في "ج"، ولكن ليس كلها، اي اننا نستطيع استغلال بعض المناطق، ونستطيع استغلال مناطق للزراعة مثل منطقة الاغوار ومن خلال الاعتماد على الكفاءات البشريه الذاتيه، وبالتالي تحقيق عائد نستطيع استخدامة من اجل تنفيذ مشروع او تحقيق تنمية في مكان ما وبدون انتظار الاموال او المساعدات الخارجيه، أو اتفاقات اقليميه أو دوليه، التي اعتدنا على انتظارها، والتي من الواضح أنها تخفي الهدف الاهم لها، ألا وهو الابتزاز والضغوط بانواعها.