السبت: 03/05/2025 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطيني بين معركة الأمل ولعنة الفساد

نشر بتاريخ: 29/06/2019 ( آخر تحديث: 29/06/2019 الساعة: 17:09 )

الكاتب: د.محمود الفطافطة

(1)
لا مقايضة على الحق، ولا نسيان للحق.
على مدى قرنٍ ونيف من الزمن، طرحت دول ومنظمات وأشخاص أكثر من ثمانين مشروعاً ومبادرة لتسوية القضية الفلسطينية أو تصفيتها، ولكن كل ذلك آل إلى الفشل، والسبب: أن هذه المبادرات لم تمنح صاحب الحق حقه، بل كانت مبادرات للتصفية لا مشاريع للحل والتسوية العادلة.
وعلى العكس من ذلك، فقد تعاطت هذه المبادرات مع المحتل وتحالفت معه في ظلمه بحق الشعب الفلسطيني... وما "صفقة القرن" ومسميات أخرى قد تلحقها ستذهب إلى الرفض والفشل والانهيار… فالعار والويل لكل من يساوم على قضية فلسطين وشعبها من غرب وعرب وعجم.
لا يمكن أن تنجح أي مبادرة أو تسوية ظالمة في فلسطين… فهذه الأرض المقدسة والمباركة تلفظ كل ظالم ومحتل. إنا الأرض التي لا يُعمر فيها ظالم… إنها فلسطين: أرض المنشر والمحشر…أرض الأقصى والمسرى. أرض الرباط والطائفة المنصورة… إنها أرض الخلافة والأنبياء والشهداء ومهد الحضارات والديانات.
لا مساومة مع المحتل، بل مقاومته والتصدي له… لا مناص للاحتلال إلا الرحيل عن أرضنا أو الاندثار في باطنها مثلما جرى مع كل المستعمرين والغزاة الذين جاؤوا من أقاصي الدنيا ليعيثوا دماراً وهلاكاً بأرض فلسطين وشعبها. فماذا كان مصير كل من الروم والإغريق والفرس والصليبيين والتتار ونابليون والإنكليز والكثير مما سواهم. لقد كان مصيرهم الهزيمة في أرض فلسطين إما فراراً وإما هزيمة وقتلاً وعاراً. إن الحل الوحيد لقضية فلسطين يكمن في زوال الاحتلال عن كامل تراب أرضنا من النهر إلى النهر. لا مقايضة على الحق، ولا نسيان للحق.
(2)
التضحية فريضة إيمانية
إن حب الوطن غريزة فطرية في الإنسان، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده.
لذلك، فمن حق الوطن علينا أن نحبه وندافع عنه؛ وهذا ما أعلنه نبي العالمين وهو يترك مكة مؤقتًا؛ ليقول "وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ". ويقول الإمام الغزالي: " حبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص".
إن المسلم الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون عبر الوفاء لوطنه، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسه، بماله ووقته. هذا الحب والانتماء للوطن والدفاع عنه تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجتمع عليه خيار الأمة.
إن حب الوطن والدفاع عنه لا يحتاج لمساومة؛ أو لمزايدة؛ ولا يحتاج لشعارات رنانة؛ أو لكلمات خادعة. إن من أجل الأرض أريقت الدماء؛ وتشردت أمم، إن من أجل الأوطان تحملت الشعوب ألواناً من العذاب. ولكي نكون منها وبها ولها؛ وإليها فإننا مطالبون أينما كنا أن نحافظ عليها !! …. ومن أجل فلسطين علينا أن نخلص لها ونواصل العمل لأجلها… فلا كرامة لإنسان إلا في وطنه، ولا وطن لنا إلا فلسطين.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي… يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
إن الله وعدنا بأن أيَّ شيء نضحي به مالًا كان أم دمًا أم وقتًا، فإنه يعطينا عليه أكرم العطاء، ويجازينا عليه خير المثوبة والجزاء.﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
(3)
الفساد توأم الهلاك
يُشكّل الفسادُ أعظم المصائب التي يعانيها العالم عامةً، والمجتمعات المتخلفة خاصةً، ذلك أنه يجعل من إمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية مطلباً مستحيل التحقيق.
الفساد يؤدي إلى إيجاد أقلية فاسدة تزداد ثراءً ونفوذاً وطغياناً، وأكثرية تُعاني فقراً وبؤساً واستغلالاً وحرماناً، وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الأوبئة الاجتماعية، والاقتصادية، والأخلاقية في المجتمعات، مثل الفقر، والجهل، والمرض، والإتجار بالبشر، وما إلى ذلك من نتائج سلبية مدمّرة.
لقد أصبح الفساد في دولنا ومجتمعاتنا يمثل نظاماً قائماً بذاته، له أصحابه وحماته، ما أدى في النهاية إلى تكوين جمهورية يمكن أن يُطلق عليها "جمهورية الفساد"…. ولمّا كان الفساد من أخطر الأمراض التي تعانيها الأمم والمجتمعات، فقد حاول الإسلام مكافحتها وعلاجها، ليس عبر التفكير والتنظير فقط؛ بل عبر التطبيق والتحقيق أيضاً، وذلك من خلال نصوص القرآن الكريم، وتعاليم الرسول عليه السلام، والخلفاء الراشدين، وكتابات العديد من الباحثين والمفكرين والمصلحين.
لقد جاء الإسلام ليفرض سياسة إدارية ومالية فيها الرقابة والشفافية، ووضع قانون للمساءلة والمحاسبة. فقال تعالى " وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ " ومما جاء عن الرسول عليه السلام أنه استعمل ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ على صدقات بني سليم، فلما جاء إلى رسول الله وحاسبه قال: هذا الذي لكم وهذه هدية أهديت إلي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا".
ومن هذه المدرسة تخرج الفاروق نظريا وعمليا، وهو الذي سن المقولة السائرة في مجال محاسبة الموظفين مهما بلغت وظيفته ومسؤوليته " من أين لك هذا؟" فها نحن نرى اليوم الكثير من أصحاب المناصب والمواقع لديه الفلل والسيارات الفارهة والعيش الوثير ومن المحال أن يكون ذلك من راتبه الشهري. أليس هذا من باب الإثراء غير المشروع واستغلال المنصب والنفوذ؟!
إن العمود الفقري للفساد هو الفقر الذي يؤدي بدوره إلى الكفر وأبواب الشرور كلها، بحيث لا توجد آية في القرآن الكريم تتحدث عن الفساد إلا وتليها أية تتطرق إلى الهلاك والعاقبة الكبرى للمفسدين… فمجتمع ينخره الفساد لا يمكن أن تقوم له قائمه. إن المجتمع الذي يخلو من الفساد مجتمعه قادر على تحرير وطنه، ونيل حريته والعيش بسعادة وكرامة. علينا أن نحارب الفساد والفاسدين مثلما نحارب الاحتلال. فلن نقوى على الاحتلال طالما هؤلاء الطحالب والقراصنة بيننا.
(4)
الأمل أساس القوة والنصر
في بعض الأزمنة من تاريخ الأمم تسود موجات من التشاؤم واليأس حتى تغلب على بعض النفوس؛ فتظن أن الليل مستمر، وأن الظلام لا ينتهي، وأن الفجر لن يبزغ. هذه الموجات يجب ألا تكون من شيم أو سمات المؤمنين لأن اليأس من طبائع الكافرين، بينما القنوط قرينٌ للضلال. وفي هذا يقول جل وعلا (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لايَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). وكذلك قوله (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).
علينا أن نذكر الإيجابيات ونحارب السلبيات… علينا أن نمجد كل ما هو مشرق ونعمل على نشره، فما بعد الظلام إلا النور وما بعد العسر إلا اليسر. إن بعد العسر يسرا إن بعد العسر يسرا/ وتلك الأيام نداولها بين الناس/ ما غلب عسرين يسر/ فالأيام سجال ودوام الحال من المحال.
ومهما فسدت الأحوال فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية جاءت تبشرنا بأن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وإنه إن ضل قوم فسيظل هناك مهتدون هادون. (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ).
ولا يخفى على أحدٍ أن أمتنا الإسلامية في ضعف شديد لكنها لن تموت… فالله بشر هذه الأمة بالرفعة والنصر والتمكين في الأرض. فقد جاء الصليبيون من أوروبا في تسع حملات لاحتلال الشام والأقصى؛ ليظل الأقصى في قبضتهم تسعين عاما إلا أن الله هيأ رجالا لهذا الدين كعماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود وتلميذه صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس وغيرهم؛ ليدحروا التتار ويحرروا ارض الإسلام. وكذلك الحال مع التتار الذين عاثوا دمارا وتقتيلا في العالم الإسلامي؛ ليقوم القائد قطز بإبادتهم على أرض فلسطين في معركة عين جالوت. والعاقبة مماثلة وقريبة لبني صهيون إن شاء الله.
إن المستقبل للإسلام، فلا ينبغي أن نيأس أبدا ولا ينبغي أن نقنط أبدا. علينا أن نعمل للإسلام، كما نعمل بالإسلام. الإسلام هو مصدر القوة والعزة والاستقرار والطمأنينة والعدل. هو دين التفاؤل والأمل والرقي والتقدم. علينا أن نكون أهلا لهذا الدين العظيم ولسنة نبيه الكريم. كلما اقتربنا من الدين وإليه كلما اقترب النصر منا والينا… وكلما طبقنا شرع الله في حياتنا كلما زدنا سعادة وتفاؤلا وقوة وتمكينا. لا مكان للإحباط في دين الإسلام، ولا مكان للعجز في نفوس المسلمين. إنه صراع الإرادات بين النفوس المترعة بنار الشيطان والنفوس الساكنة في ينبوع الخير والإيمان. وهنا نذكر بعض الأقوال: (يمكن للإنسان أن يعيش بلا بصر ولكنه لا يمكن أن يعيش بلا أمل. (لولا الأمل في الغد لما عاش المظلوم حتى اليوم). (إذا فقدت مالك فقد ضاع منك شيء له قيمة، وإذا فقدت شرفك فقد ضاع منك شيء لا يقدر بقيمة، وإذا فقدت الأمل فقد ضاع منك كل شيء). (أكبر القتلة قاتل الأمل).