السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نبيل عمرو يكتب لمعا: رسائل الرئيس

نشر بتاريخ: 07/09/2019 ( آخر تحديث: 07/09/2019 الساعة: 16:22 )

الكاتب: نبيل عمرو

كثرت الرسائل الموجهة للرئيس محمود عباس.. الرسائل تنطوي على امرين احدهما إيجابي والأخر سلبي.
الإيجابي .. هو التسليم بشرعية الرئيس، وهذه مسألة لم يعارضها او ينفيها أي فلسطيني، نظرا لأن الشرعية هي الاسمنت الذي يبني الجدار الاستنادي للحالة الفلسطينية، ولقد التزم الفلسطينيون عبر تاريخهم بالشرعيات حتى لو كانت هنالك الاف الاعتراضات على أدائها.
التزموا بشرعية المفتي ثم بعد ذلك بشرعية الشقيري ثم بشرعية ياسر عرفات وأخيرا بشرعية محمود عباس.
اما الامر السلبي الذي تضمنته الرسائل العديدة التي وجهت للرئيس، فهو توجيه لوم صريح له بأنه لم يفعل ما يتعين عليه فعله استنادا للحاجات الفلسطينية وانطلاقا من الشرعية التي يمثلها، وكان الجامع المشترك لأهم ما تضمنته الرسائل هو حتمية اتخاذ خطوات ملموسة لاستعادة دور المؤسسات في الحياة الفلسطينية وعدم صحة حكم البلاد بالمراسيم، وهذا الامر ينطبق على المؤسستين الرئيستين في حياتنا الوطنية وهما منظمة التحرير والسلطة.
لقد اهدرت فرصة ترميم بناء منظمة التحرير حين انعقد المجلس الوطني في دورته الأخيرة وان هنالك اجماعا على ان الدورة التي انعقدت على ارض الوطن كانت هي الأضعف والاقل جدوى في تاريخ منظمة التحرير، اذ كانت مجرد مهرجان خطابي افتقر لجميع مقومات الدورات الناجحة التي كانت تنعقد في المنفى ، اذ لم يتم في تلك الدورات ولو لمرة واحدة أي خروج عن الأنظمة واللوائح والتقاليد التي جعلت من المجلس الوطني برلمانا حقيقيا ومتميزا لكل الشعب الفلسطيني أينما وجد، وجعل من مؤسسات منظمة التحرير نظاما سياسيا متكاملا وفر حماية للحالة الفلسطينية من كل الاخطار المحدقة بها وما اكثرها.
والان وبعد تفريغ المجلس الوطني من محتواه وقدراته ودوره وكذلك المركزي ثم التنفيذية، ولم يعد لكل هذه الاجسام أي فاعلية في حياتنا الوطنية فإن فراغا هائلا وغير مسبوق يعتري اهم ما انجزناه في تاريخنا الكفاحي الوطني الذي هو منظمة التحرير التي سميت بحق الوطن المعنوي والسياسي للشعب الفلسطيني.
ما حدث للمنظمة يحدث الان ما هو أسوأ منه في امر مؤسسات السلطة والواقع السياسي للحالة الفلسطينية وعمقها الشعبي، فالكارثة الاستراتيجية التي وقعت منذ اكثر من اثني عشر سنة وما تزال تفاعلاتها المدمرة تعصف بالحالة الفلسطينية بل مكوناتها، هذه الكارثة لم تجد بعد حلا لها لا بإنهائها جذريا ولا بتخفيف تأثيراتها الفادحة على العمل الوطني ولا على الحقوق الفلسطينية التي يخيم عليها شبح التصفية سواء من خلال صفقة القرن الامريكية او من خلال الإجراءات المتسارعة التي يقوم بها الإسرائيليون بلا هوادة.
بكل اسف ومرارة نرى ان الأنقسام يسير حثيثا نحو الانفصال وكل يوم يمر يستنبت امراضا فتاكة تصيب كل نواحي الحياة في بلدنا وشعبنا وكفاحنا الوطني، ولأول مرة في التاريخ يولد في غزة كيان مستقل تماما عن الكيان الوطني كما يفترض، وفي الضفة تسليم بالعجز عن استعادة الوحدة يصل حد اليأس من مجرد المحاولة، اللهم الا اذا اعتبرنا انتظار دعوة من المصريين او الروس او غيرهم لجلسة او لعدة جلسات في العواصم هو اقصى المراد من رب العباد.
واذا ما وضعنا الانقسام جانبا على صعوبة ذلك فلننظر مليا الى ما فعلته إسرائيل وما هي درجة كفاءتنا في المواجهة على الأرض وليس في الفضاء الكوني البعيد.
بعد القدس التي جرى فيها ما جرى من تغيير خطير لفرض امر واقع إسرائيلي، جاء دور الخليل التي هي قدسنا الثانية، لاحظت ان وجهاء الطبقة السياسية الفلسطينية تباروا في تحليل الخطر الكامن وراء الاستعراض الليكودي الذي جرى في المدينة، وان هؤلاء الوجهاء احالوا الحدث للمجتمع الدولي كي يقرر فيه غير ان ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع ، فالمجتمع الدولي الذي ندعوه دائما للتدخل الفوري، في واقع الامر مجرد مصطلح افتراضي لا ايدي ولا ارجل ولا عامودا فقاريا له ، حتى البيانات كف عن إصدارها.
الرئيس محمود عباس هو العنوان المتبقي الذي نخاطبه بعد حل المجلس التشريعي والاستنكاف عن اجراء انتخابات، وهنا سأعرض بتسلسل بسيط للتذكير بما حدث والاجتهاد فيما ينبغي ان يحدث.
ذات يوم قررت المحكمة الدستورية حل المجلس التشريعي وقررت اجراء الانتخابات التشريعية خلال مدة أقصاها ستة اشهر، القرار وهذا مجرد تخمين من جانبي كان موحى به من قبل الرئيس الذي اعلن لمجرد صدوره احترامه كرأس للسلطة التنفيذية والتزامه بالقرار، أي انه بصدد اجراء الانتخابات التشريعية في الوقت الذي قررته المحكمة الدستورية، النتيجة حتى الان ان الغي المجلس التشريعي الذي كان معطلا في الأساس، ولم تحدث انتخابات وجدير بالإشارة الى ان الإلغاء شيء والتعطيل شيء مختلف.
لو سألنا لماذا لم تحدث الانتخابات التشريعية المفترض ان تقترن بالرئاسية، او ان تأتي الرئاسية بعدها بعدة أيام او أسابيع سيقال لنا ان حماس لا تريد الانتخابات وان اجراءها رغما عنها سيكرس الانقسام كما لو انه غير متكرس، كانت هذه المعادلة محفوظة عن ظهر قلب لدى المحكمة الدستورية حين اتخذت قرارها ولم يكن الرئيس غافلا عنها.
لو سألني الرئيس محمود عباس كيف نتصرف في قادم الأيام لعرضت له السيناريو العملي التالي:
أولا: ان يصدر على الفور مرسوما او قرارا سياسيا باسمه او باسم اللجنة التنفيذية التي رغم غيابها الفعلي فما تزال تحتفظ بالشرعية ... ان يصدر قرارين متلازمين.. الأول تشكيل لجنة وطنية عليا تضم افضل الكفاءات الفلسطينية السياسية تسمّى اللجنة الوطنية العليا لانهاء الانقسام وان يكون على رأس مهمتها العمل على اشراك كل الفعاليات الوطنية وخصوصا حماس والجهاد في الانتخابات التشريعية العتيدة والثاني تحديد موعد لاجراء الانتخابات التشريعية مع موعد يليه للانتخابات الرئاسية استجابة لقرار المحكمة الدستورية والمصلحة الوطنية العليا .
الخلاصة..
1- سيوفر قرار اجراء الانتخابات التشريعية تحت اشراف العالم بأسره عودة للحالة الفلسطينية الى مكانتها الدوليةـ فالعالم وان جامل بروتوكوليا الا انه لا يحترم الا المؤسسات المنتخبة، ولا يصح ان يظل الفلسطينيون استثناءً عن باقي شعوب وكيانات العالم مع ملاحظة ان الانتخابات هي المخرج الوحيد لكل الدول والكيانات المتعثرة.
2- ستتردد حماس في الموافقة وقد تعلن رفضا اوليا وستعلن كالعادة ان الانتخابات مخالفة لامور كثيرة، الا انها وحين تلمس تصميما وجدية في اجراءها اما ان تعلن مقاطعتها فتخسر كثيرا واما ان تعلن مشاركتها فتكسب اكثر.
3- دعونا نضع في الاعتبار ان إسرائيل ستثير موضوع منع الانتخابات في القدس كذريعة لمنع اجراء انتخابات فلسطينية يكون اهل المدينة جزءً منها هنا يكون الاختلاف مع إسرائيل حول قضية كهذه أي حول صندوق الاقتراع أهم الف مرة من الاختلاف معها على بعض مال او بعض إجراءات، واقدر ان إسرائيل ستذعن مثلما فعلت في المرتين السابقتين.
4- رداً على المزاعم التي تقول ان الانتخابات ستكرس الانقسام وربما الانفصال، وانا وكثيرون غيري ينفون هذا الزعم باعتماد سيناريو وطني قانوني وسياسي عملي قوامه ان تجري الانتخابات وفق نظام النسبية الكاملة الذي هو نظام منظمة التحرير وان تتضمن القوائم أربعين بالمائة من مرشحيها من اهل غزة ولا يضر لو كانت النسبة اعلى فأهلنا في غزة يستحقون هذا التميز ، ساعتئذ لن تكون انتخابات في الضفة فقط بل ستكون ممثلة لكل الفلسطينيين في الضفة وغزة، ان قبلت حماس ودخلت لسباق على هذا الأساس تكون العقدة قد حلت وان لم تقبل فان مقاطعة الانتخابات سيكون خيارا سياسيا أقدمت عليه كمعارضة وستتحمل وحدها وليس الوطن كله المسؤولية عن قراراها. ويذكر انها قاطعت الانتخابات الأولى دون ان تقع كارثة على مستوى الوطن.
بعد ان يكون لدينا مجلس تشريعي منتخب ومجلس وزراء يخرج من قلب هذه الحالة الديموقراطية نكون ان لم نحقق اهدافنا الوطنية التي تحاول صفقة القرن والاجراءات الإسرائيلية تصفيتها، فسنحميها عبر انقاذ نظامنا السياسي من التلاشي وبعد ذلك يتوجه الاهتمام الى منظمة التحرير التي سيكون المجلس التشريعي المنتخب عامودها الفقاري ولن نعدم وسيلة لاكمال عديد المجلس من كل التجمعات الفلسطينية كما كنا نفعل دائما بحيث يتمثل كل الفلسطينيين في برلماننا الوطني الشامل.
آمل من رئيس الشرعية الفلسطينية محمود عباس قراءة جميع الرسائل التي وجهت اليه، صحيح انها طويلة وهو لا يحب المطولات في أي امر الا ان استيعاب المشترك بينها وهو الانتخابات وفاعلية المؤسسات سيجيب عن كثير من الأسئلة التي تثار حول موقفه وعهده، والسؤال الأهم ماذا سيفعل لتفادي الفراغ الكارثي الذي ينتظرنا بعد عمر طويل.