الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

أحلام جوهر..حكاية صمود من الاعتقال إلى الإبعاد بقلم فؤاد الخفش

نشر بتاريخ: 25/04/2008 ( آخر تحديث: 25/04/2008 الساعة: 19:10 )
أهزوجة عز ومجد ...ووسام شرف

كانت وما زالت على درب الصمود أبية لا تضام..حملت في داخلها معنى الوطن..تحلت بالإيمان والصبر..سطرت للأمجاد أغنية ما زال لحنها يدوي في سماء الوطن ..وفي قلوب الأوفياء..

أسطورة من أساطير الوطن ..وحكاية نسجتها بكل همة ويقين وأمل بالله ...أن الأرض تحتاج منا الكثير ...وأن القلب الفلسطيني لا يلين برغم الظروف القاسية..

سلبوها الحرية...وعاشت أيام وساعات لن تنساها ..وذكريات الأسر والزنازين...وقيود الظلم التي احاطت أيديها لم تكن إلا عزيمة لها وثباتاً على الحق.. فهي عرفت ان الوطن يحتاج الكثير..وما طفقت إلا ان قابلت كل تلك الصعاب بقلب فيه من الامل بركان..ولعشق الأرض عنوان...

أحلام جوهر..

زهرة من زهرات الوطن الحبيب...وحكاية من بطولات شعبنا ...نبتت بكل طعم الصمود والعزة..لتكون إحدى ضحايا جرم الإحتلال وشاهداُ على ما يحدث من ظلم واضطهاد لمن اختار العيش في ارض الإسراء فلسطين الحبيبة...

قرية حوارة -قضاء نابلس- كانت هي المنبت وعرين تلك البطلة ...هذه القرية التي ذاقت من ويلات المحتل وبطشه الكثير تربت في كنف أسرة مسلمه مجاهده صابره ، ورضعت من أمها لبن الحرية وتعلمت من والدها الإباء والشموخ وفي الجامعة الأردنية أكملت دراستها فحصلت على بكالوريوس إدارة الأعمال ، وسرعان ما عادت إلى أرضها ووطنها فلسطين لتساهم وتساعد في رفع الظلم عن هذا الوطن الذي دنس باحتلال يهود له، فانبرت في العمل في خدمة الأسرى الفلسطينيين عبر مؤسسات حقوقيه فكانت أحلام جوهر الناشطة في مجال حقوق الإنسان ، تستقبل عائلات الأسرى بابتسامة نادره تبعث في النفس راحة واطمئنان، كانت لا تستطيع أن تخفي دموعها وهي تستمع لام مكلومه بفقدان ولدها الشهيد ولها ولدين اثنين ما زالا يرزحان في سجون الاحتلال، تمسح دمعتها وتخفف عن أم الشهيد ووالدة الأسيرين بكلمات تخرج من قلب تعود أن يشعر ويتحسس ألام الآخرين .

نعم إنها أحلام جوهر قلب كبير ومحبة الآخرين

لأنها أحلام صاحبة القلب العظيم.. ولأنها صاحبة رسالة في الحياة ، ولأنها من تربعت وسط قلوب كل من عرفها من زميلاتها وصديقاتها ، ولأنها حملت هم الأسرى وحاولت أن تضمد جراح أهاليهم ، كانت النتيجة الاعتقال، وأي اعتقال هذا الذي تعرضت له أسيرتنا المبعدة أحلام جوهر ففي 23/1/2008 وأثناء عودتها من عملها في مدينة نابلس وعبر حاجز حواره الشهير بقسوته واضطهاده للفلسطينيين تم إيقافها واحتجازها لساعات طويلة قبل أن يبلغوها عن عزمهم اعتقالها وبكل رابطة جأش وقوه وصلابة استقبلت الأمر ومضت معهم مقيدة اليدين معصوبة العينين ، سارت بخطى ثابتة واثقة ، وبدأت تصبر نفسها وترفع من همتها ، وتستحضر صور كل من سبق أن اعتقل تذكرت صورة أحلام التميمي فارتفعت همتها وتذكرت صورة الدكتورة مريم صالح وقد تجاوزت الخمسين عام فزادت معنوياتها وأصرت أن تثبت وتصبر وتصمد، وما هي إلا ساعات وإذا بها بين مجموعه من المحققين في احد اكبر مراكز التحقيق صعوبة وضراوة مركز تحقيق(بتح تكفا) وبين مجموعه من المحققين بلغ عددهم 6 يحملون على أكتافهم رتب عليا تحلقوا حولها ونزعوا عن عينيها التي أتعبتهما تلك الخرقه الباليه النتنه ، نظرت إليهم بعزة وشموخ وبيقين المؤمن نفثت في وجوههم قول الله تعالى (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً في إلى الأذقان فهم مقمحون) ودعت بقلب موقن بالاستجابة ( أن يا الله اكفينهم بما شئت وكيف شئت) ، كانت تستقبل ابتساماتهم وسخرياتهم واستهاناتهم بها بكل صبر وثبات وبدأ سلسله من الأسئلة والتهم تكال وتنهال على أحلام كانت لا تكلف نفسها الكثير من العناء في الرد والتبرير كانت تكتفي فقط بهز رأسها واعلان عدم معرفتها بأي أمر من الأمور جن جنونهم ، وطار عقلهم وبدأ الصراخ على أحلام ومع أحلام احدهم يهددها بأنها لن تخرج من السجن ، واخر يتوعدها بان تموت في التحقيق ، وغيرها بالإبعاد والنفي ، كانت تحيب فقط باني لا اعرف شيء ولا املك ما تبحثون عنه .

تقول أحلام لم يبقى أسلوب ولا طريقه ولا تهديد أو وعيد إلا ومورس ضدي طوال الأيام الست الأولى ، منعت من النوم ، وتم شبحي بشكل متواصل ، وتم تعريضى لسيل من الشتائم التي لا تطيق أي نفس عفيفة أن تسمعها ، وتم وضعي بزنزانة قذره انفرادية مليئة بالصراصير والحشرات ، وكذلك لم أكن أتناول أي شيء من الطعام ، وبالرغم من كل هذه الطرق والأساليب كنت واثقة من نصر الله ... و كانت في سجنها...متمسكة بالدعاء إلى الله تعالى بالفرج..حيث لازمت التضرع إلى المولى القدير بأن يحميها ويثبتها خلال فترة الإعتقال باكية راجية رحمته وهي تقول :

رفيقي في هذه المحنة( الأسر) وفي هذه اللحظات القاسية هو الدعاء وأكثر الأدعية التي كنت أكررها ... " يا حي يا قيوم برحمتك استغيث " " اللهم ارفع عني هذا البلاء وعجل لي بالفرج " " اللهم لا تمكنهم ( المحققين ) مني " " اللهم كما أخرجت سيدنا نوح من بطن الحوت أخرجني من هذا المكان " .. بالاضافه الاستغفار وكم كنت ارتاح وانا اردد آية الكرسي وغيرها من السور ...

لم يكن المعتقل وظلامه وظلم المحققين ..وأساليب التحقيق الحاقدة..وطريقة التعامل الوحشي المتصهين التي لاقته أحلام الا دافعاً للأمل والعزيمة التي استمدتها من إيمانها القوي بالله جل وعلا...ومن أيمانها بان الوطن يستحق التضيحة ..

44 يوماً في غياهب السجون ..تتنقل من زنزانة أخرى ومن معتقل لآخر...والظلم يزداد وحشة وفن القسوة وأساليب التحقيق النفسية والمعنوية ...والقيود التي تكبل يداها الطاهرتين..لم تثن ولم تضعف من إرادة أحلام التي حملت بقلبها حب الوطن والتمسك بكل مبدأ يحمله الفلسطيني الوفي ...

أحلام التي عادت الى الضفة الغربية حالمة بأن تعود وتقطن الوطن وتعيش فوق ترابه الطهور...بعد أن حاولت أن تحصل على الهوية الفلسطينية لتتمكن من الاقامة هناك ...كانت على موعد مع الأسر والمعتقل...لتشرب من ويلات الظلم المتجبر..وما لانت برغم كل ما حدث..

بعد أن لم يتمكن المحققون من نزع أي اعتراف من أحلام سواء كان في التهديد او الترغيب وفي خطوه غير مستغربه من عدو حاقد ، وفي إجراء يعد مخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية تم إصدار قرار بإبعاد أحلام من الأردن وهنا ذرفت دموع البطلة ليس خوفا من القرار ولكن حزنا على فراقها فلسطين ارض الرباط وإبعادها عن كل من أحبت وعرفت...

لم يهمها أبداً ذلك الأسر أو ذكريات الزنازين او العذاب ...بقدر ما همها وآلمها البعد والتغريب عن الوطن..فعاشت وذاقت الأمرين حقاً....سلبت حريتها....وحرمت العيش في وطنها...وأي مرّ اكبر وأشد بلاء من هذا؟

وحتى وهي بطريق النفي الذي جاء كصدمة لها عندما خرجت من المعتقل تظن أنها سترجع إلى بيتها هناك في قرية حواره ..وتفاجئت أن الطريق يأخذها إلى المنفى...والقهر فيها بلغ أشده ولكنها وفي ذروة هذا الموقف المحزن ما انفكت عن الدعاء وهي تقول مع ذاتها": أحلام الحمد لله على كل شي أوعك تنهزي وقلت سريعا اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .."

واليوم ..كالشمس الساطعة تبزغ احلام بجلدها واحتسابها عند رب العالمين ...وتحليها بالصبر والأيمان بالله عز وجل ان الحق سيعود ..وان الظلام زائل...وأن الفجر لا بد آت مهما طال الليل ومهما زادت حلكته... وهي مقتنعة تماماً أن الله تعالى لن يخيب ظنها وظن كافة الشعب الفلسطيني...بأن النصر قريب ..وأن موعد الفرج سيأتي رغم انف المحتل وظلمه....ولن يطول زمن الظلم إن شاء الله...


أحلام الآن تعيش في الأردن ..وذكريات الوطن ما زالت تعشش فيها وتحلق بالأجواء...وما تزال بحنينها وشوقها كسحابة ممتدة بلا حدود تشتاق لمدينتها التي احبت نابلس ، ولرفيقات عملها وصديقات عمرها ...تحن الى امها وابيها الى بيتها الصغير ، واخوانها وكل من عرفت

وبحروف سرمدية وأمل هادر تقول أحلام :

"الآن انا في الاردن جسدا ولكن صدقا روحي تحلق في سماء فلسطين ... كل من يتعامل معي يدرك تماما معنوياتي العالية وهمتي الكبيرة بفضل الله ولكن صدقا لا احد يستشعر مقدار الالم الذي اشعر به لفقداني وابتعادي عن وطني واهلي واحبابي ... ولا احد يدرك مقدار الوجع الذي بداخلي .. ومع ذلك فاني سأحتفظ بمعنوياتي عالية لأني على يقين بأن عودتي ستكون قريبة ان شاء الله ...."
عظيمة أنتي يا أحلام ..يا درة من درر الوطن الرائع...برغم محنة وقساوة الموقف ...إلا أنها رسمت وخطت بصبرها وصمودها قصة خالدة من قصص الأحرار والشرفاء
لله درك يا أحلام...فأنتِ أهزوجة عز ومجد ...ووسام شرف وتاج فخر لكل مسلم عربي...ونحن معكِ بقلوبنا وبدعائنا يا زهرة نبتت في زمان اليأس ..ويا درباً رسم أن الفلسطينية ليست كغيرها من النساء..