الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحديث ذو شجون *** قواعد اللعبة ! بقلم - فايز نصار

نشر بتاريخ: 24/06/2008 ( آخر تحديث: 24/06/2008 الساعة: 17:33 )
بيت لحم - معا - "احلوت" السهرات الصيفية الفلسطينية على موائد اليورو الأوروبية ، التي تقدم لجمهورنا الرياضي أطيب الوجبات الكروية ، بمشاركة نخبة نجوم الطبخ المهاري ، من مختلف أصقاع القارة العجوز ، من الدول التي نالت قصب السبق في التصفيات ، وساقتها مقاديرها الباسمة ، لتكون ضمن نخبة ال 16 المؤهلة "للميني مونديال"على أرض سويسرا والنمسا .

والى جانب المنتخبات ال 16 ، التي تأهلت للعرس الأوروبي الكبير ، يستطيع الفاهمون إحصاء أكثر من عشرة منتخبات أخرى ، لا تقلّ تألقا في عالم الكرة العجيب ... وكان يمكن لهذه المنتخبات أن تكون ضمن منشطي اليورو ، ولكن قواعد اللعبة ، وحاجات الانتخاب ، التي تدنو من روح القرعة أحيانا ، غيبت منتخبات انكلترا وبلجيكا والدنمرك والمجر واسكتلندا وايرلندا (بشمالها وجنوبها) والنرويج وبلغاريا وصربيا وسلوفاكيا واكرانيا ... وغيرها من الدول التي لها باع متفاوت على مسرح المستطيل الأخضر ... وكل هذه المنتخبات مؤهلة لصناعة الحدث ، والخروج بنتائج لا تقل عن نتائج تركيا وروسيا .

قواعد اللعبة أبعدت كل هذه المنتخبات عن العرس الكبير ، ولا يختلف اثنان في أن كل المنتخبات المذكورة قد لا تجد صعوبة في الفوز على جميع المنتخبات العربية ، التي أصبح التكبيل والتزمير ديدنها ، وأصبحت نتائجها تحسب بعدد صور الزعيم المفدى في المدرجات ، وصارت كرة القدم فيها مجرد تنفيس للجماهير الغاضبة ، حتى لا ينفجر غضب الجائعين ، والتواقين للانعتاق والحرية ، ودعم المعذبين في الأرض ، وخاصة شعب فلسطيبن !

أما في أوروبا ، التي لا تتوقف عن التخطيط ، فكرة القدم عند شعوبها طاولة للحوار بين المختلفين ، ومنتدى يجمع المتخاصمين ،وموسما يتسابق في ميادينه النجوم لعرض دررهم النفيسة .

لذلك يفرح الأوروبيون كثيرا لنتائج منتخباتهم ، ولكنهم لا يتوقفون عند الخسارة ، لأنها لن تكون نهاية العالم ، عند من يعترفون بزلاتاتهم ، ويتحمولون المسؤولية لتجاوز الزلات... ولذلك لم يُحدث غياب مخترعي قوانين الكرة الحديثة الانجليز عن الحدث أية قلاقل ، لأن أيام الملاعب علمتهم أن الفوز لن يكون للجميع ، وان هناك من سيخسرون بسبب تفاوت المستوى ، أو بسبب عدم التوفيق ، وان هناك من سيخسرون بزلات تحكيمية قد تكون قاتلة ، ولكن الفاهمين أصبحوا يتجاوزون بسلاسة زلات الحكام ، التي تزيد في إثارة اللعبة الأكثر شعبية .

ولذلك أيضا يتقبل النجوم ، ومن ورائهم الجماهير النتائج ، أيا كانت كمرارتها ، ويقبل اللاعبون على تبادل الأقمصة في مشاهد ، تجسد الأهداف النبيلة للتنافس ، وتعكس الدور الحضاري للعبة الملايين !

نعم لقد فشل 12 منتخبا في التأهل لمونديال الأوربيين ، ولكن الأمر لم يكن سببا لحدوث قلاقل شعبية ، كما حدث في مدينة وهران الجزائرية ، بعد سقوط فريق المولودية لأول مرة إلى القسم الثاني ، ولم يكن سببا لحملات القدح والردح على أعمدة الصحف ، كما نقرأ في الصحف العربية ، وخاصة في صحافة أم الكنانة ، حيث يصل الأمر إلى التخوين والتكفير ، ولم يتطلب الأمر تدخلا من الحكومة ، وتعليق المشانق للمدربين واللاعبين ، كما حصل في العراق ، التي كاد تدخل الوزير الأول المالكي يعصف بفرص تأهل أسود الرافدين مبكرا ، بل أن القرار يكون قد ساهم في إحباط المنتخب ، الذي أقصي من التصفيات المونديالية .

ولأن منافسات البطولة ، تشكل انتخابا طبيعيا ، نتائجه ليست فيزيائية ، لا تضمن تفوق الأفضل في كل الحالات ، بالنظر لتحرك المعطيات فوق الميدان ، وتدخلات الحسم لعنصر التوفيق ، الذي يحسبه البعض حظا ، فان المنتخبات ال 16 التي صيفت في النمسا وسويسرا تعرضت لحملة غربلة كروية ، كانت عادلة حينا ، وغابت عنها العدالة أحيانا ... لذلك انسحب المنظمان سويسرا والنمسا بهدوء في الدور الأول ، الذي انسحبت فيه أيضا منتخبات التشيك وبولندا وفرنسا ورومانيا والسويد ، وبطلة النسخة السابقة اليونان .

وجاء دور الثمانية ليؤكد أن التحضير للعبة يمثل علما ومنهجا ، ولكن النتائج ليست علوما دقيقة ، ففازت ألمانيا الخاسرة في الدور الأول أمام كرواتيا ، على البرتغال الجاهزة ... وتجاوزت تركيا التي تأهلت "بطلوع الروح" كرواتيا المتكاملة... وحاربت روسيا التي طبخت على النار الهادئة بأسلحة هولندية ، عمادها الكرة الشاملة ، فأصابت البرتقاليين في المقتل ... لتأتي ركلات الحظ ، وتنصف ثيران اسبانيا أمام الطليان من عذابات 120 دقيقة ، في مباراة كانت وحدها متوافقة مع التوقعات المسبقة .

دروس كثيرة يجب أن يتعلمها العاملون في مجال اللعبة الأكثر شعبية ، ومرتادو الملاعب ، ومن لا يملكون قلوبا واسعة ، تتحمل تخبط نتائج اللعبة ، فننصحهم بمغادرة الملاعب فورا ، ولكن الدرس الأهم الذي يجب أن نتعلمه أن كل الجماهير في أوروبا ، لا ترفع إلا أعلام بلادها ، حتى على خدود الحسناوات ، رغم الخلافات الكثيرة بين تلك الجماهير في كل شيء ، مما يضاعف حالة التضامن بين الجماهير ، وبين اللاعبين فوق الميدان ، بعيدا عن كل الحسابات ، وبعيدا عن حساسيات التنافس بين الأندية في بطولة الدوري !

والحديث ذو شجون

[email protected]