الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

خرافة طالبان الفلسطينية

نشر بتاريخ: 14/12/2005 ( آخر تحديث: 14/12/2005 الساعة: 14:55 )
معا- لم أكن أحب الخوض في هذا الأمر مخافة أن يحسب كلامي على أنه دعاية واضحة لطرف ما أو تحيزا أو غير ذلك ،لكن الأمر تجاوز حد تفضيل الصمت على الكلام.

بعض الذين يؤيدون الاحتلال الأنجلو-أمريكي للعراق يحلو لهم دائما وبشكل بات ممجوجا ويدعو للضجر والقرف توجيه نفس الكلمات والتهم لمن يرفض الاحتلال ولمن يقاومه ،فمن يرفض الاحتلال هو -حسب زعمهم- يريد عودة صدام حسين إلى السلطة، وهو ومن يقاومونه ليسوا إلا "بعثيين صداميين تكفيريين زرقاويين..!"

كلمات باتوا يرددونها في كل محفل وبمناسبة وبدون مناسبة ،فإما ان تكون مؤيدا للاحتلال راضيا بوجود المارينز على أرض وطن الأنبياء وموئل العلماء والأولياء وإما انك صدامي تكفيري وهابي ..إلخ ،على كل سأتحدث بتفصيل أكثر عن هذا في مقال لاحق،إلا أنني فضلت ضرب هذا المثال لوجود شبيه بهذا موجود عندنا في فلسطين فالبعض إما أن يراك ضد كل القيم والأخلاق محاربا للدين نابذا للمروءة مصفقا للتطبيع مع الأعداء مشجعا لكل ما يمت "للهشك بشك" بصلة،وإما أنك من مؤيدي نسخة طالبان الفلسطينية وتريد أن تحكم فلسطين على النمط الطالباني والويل لك إن كنت لا هذا ولا ذاك فأنت متعامل بالتقية أو منافق ..! ومما يزيد الطين بلة أن تصدر هذه النظرية أو الخرافة عن شاعر كبير هو محمود درويش والذي تحول بقدرة قادر من شاعر للشعب وصموده وثورته إلى شاعر للحزب وسلطته وثروته ولله في خلقه شئون! لقد ازداد انتشار هذه الخرافة الغريبة بعد قيام المجلس البلدي في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية بمنع إقامة مهرجان للرقص والغناء في استاد رياضي تابع للبلدية ،علما أن المجلس البلدي هناك تسيطر عليه حركة حماس ،وقد علمت من صديق لي من حركة فتح أن الجبهة الشعبية هي المشرفة والمنظمة لذاك الاحتفال ،رغم أن أكثر منصات انطلاق نظرية الحكم الطالباني في فلسطين هي من أوساط فتحاوية،هذا كما هو واضح يندرج في إطار المنافسة الشديدة على مقاعد البلديات ومقاعد المجلس التشريعي بين الحركتين الكبيرتين(فتح وحماس) لا سيما في الفترة الأخيرة والأيام القادمة. لكن الأمر بدأ يأخذ شكل الحكم المطلق على الأمور وكأن طالبان باتت على أبوابنا وعلينا في سبيل منع وصولها إلينا انتخاب طرف معين دون الآخر وإلا وقعنا في براثن الحكم الطالباني وحيث أن العبد الفقير اتهم من الشيعة بأنه وهابي ومن الوهابيين بأنه متشيع ومن اليمينيين بأن يساري وبالعكس ،فهو مضطر لإكمال القصة وأن يجلب لنفسه تهمة جديدة اسمها "طالباني" وعلى قول المثل الشعبي "خربانة خربانة" ... عن طالبان لا بد من وضع النقاط على الحروف وتوضيح العديد من المسائل عند الخوض في موضوع طالبان لأنه ومع الأسف هناك ببغاوات يرددون الكلمات دون فهم مدلولاتها ولا تجشم قليل من التعب في البحث عن خلفياتها؛طالبان هي الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية ومعنى الكلمة بلغتهم "الطلبة" والمقصود هنا الطلبة الأفغان في المدارس الدينية في باكستان،وهي حركة تتبع المذهب الحنفي اتباعا مطلقا غير قابل للنقاش والرد وتعتبر أن الشورى ليست ملزمة للأمير،وأهم ما برز في وسائل الإعلام حول هذه الحركة هو موضوع تعاملها مع الفنون والمرأة،فطالبان ترى بحرمة الصور الفوتوغرافية والتلفزيونية لأن التصوير محرم وكذلك تحريم كافة أنواع الموسيقا بما فيها الدف،وترى أن تتعلم المرأة شئون دينها في منزلها على يد محرم وأن لا تخرج من بيتها إلا للضرورة القصوى،وتقوم طالبان على العرق البشتوني ...هذه لمحة موجزة والآن دعونا نجري مقارنة سريعة بينها وبين الحركة الإسلامية الفلسطينية،وأيضا كلمة حق ننصف بها أمنا الغولة..طالبان:-

1) الحركة الإسلامية الفلسطينية لا تقوم على المدارس أو المعاهد الدينية بل إن معظم القادة والمؤسسين هم من الأطباء والمهندسين وخريجي مختلف كليات العلوم التطبيقية ولا يلاحظ سيطرة تذكر لمتخصصي العلوم الدينية كما هو الحال لدى طالبان.

2) الحركة الإسلامية الفلسطينية تؤمن بمشاركة المرأة في الحياة العامة والجامعات تعج بفتيات مؤيدات أو منتميات للحركة يشاركن في الفعاليات المختلفة ،ولقد رشحت حركة حماس نساء للانتخابات المحلية والعامة،ولا تختلف نظرة حركة الجهاد الإسلامي للمرأة كثيرا عن نظرة حركة حماس، وتنظر طالبان لأي حركة تجديدية بعين الريبة بما فيها حركة الإخوان المسلمين الأم الشرعية لحماس،وهي(الإخوان) الحركة التي احتوت على القادة الذين أثروا كثيرا بفكر حركة الجهاد الإسلامي مثل حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي والأخير مبغوض من قبل طالبان.

3) لا تلتزم الحركة الإسلامية الفلسطينية برأي واحد تقف عنده،بل إن من أكثر من يؤثر فيها هو د.يوسف القرضاوي المعروف بآرائه المثيرة لانتقادات السلفيين،ولقد لوحظ أن الإخوان في فلسطين وخارجها انتقدوا بشدة قيام طالبان بهدم تماثيل "بوذا" بل شكّل وفد ضم القرضاوي توجه لمحاولة إقناعها بالعدول عن رأيها ولم تستجب طالبان.

4) لا تحرم الحركة الإسلامية الفلسطينية التصوير بمختلف أنواعه ما دام لا يخدش الحياء بل تستخدمه بإتقان يشهد به لها الجميع ولا تحرم الموسيقا عموما،وترى أن تغطية المرأة لوجهها هو أمر اختياري وليس إجباريا وهي ترى أن المرأة يجب أن تغطي كل جسمها باستثناء الوجه والكفين حسب رأي أغلب الفقهاء،وتؤمن أن الدعوة إلى ذلك تكون بالاقناع لا الإجبار،ولهذا تجد أحيانا نساء متبرجات مؤيدات للحركات الإسلامية الفلسطينية في الانتخابات أو غيرها،لكننا لاحظنا ظهور قادة طالبان على شاشات الفضائيات باستثناء الملا عمر.

5) إيران وطالبان على عداء شديد جدا،بينما الحركة الإسلامية الفلسطينية تلتقي مع إيران في كثير من الأمور ،ورغم الاختلاف المذهبي إلا أن التعاون والاستفادة من التجربة والحصول على الدعم والمناصرة هما عنوان العلاقة بين حماس والجهاد الإسلامي وإيران.

6) ثقافة المجتمع الفلسطيني تختلف عن الأفغاني،فالمجتمع الفلسطيني محافظ لكنه ليس متشددا لدرجة حبس المرأة،والغالبية العظمى من الأفغان أميون لا يعرفون القراءة والكتابة بعكسنا نحن في فلسطين،فنسبة الأمية تقارب الصفر،ثم أن المجتمع الأفغاني عرقي وقبلي،وهذا انعكس على طالبان وهي حركة بشتونية ،أما هنا فلا يمكن أن تصف أي حركة إلا بأنها فلسطينية،لأنه ببساطة ليس لدينا عرقيات وقوميات غير العربية.

7) طالبان استولت على السلطة باستخدام القوة العسكرية وليس عبر صناديق الاقتراع لأنها لا تؤمن بالديموقراطية ولا البرلمانات،أما هنا فالحركة الإسلامية تؤمن بالتداول السلمي للسلطة.

8) الملا محمد عمر زعيم طالبان لا يظهر على الملأ بينما قادة الحركة الإسلامية يغلب عليهم الطابع الشعبي ومخالطة الناس،بالمناسبة الملا عمر كالسيستاني في مسألة عدم الظهور رغم الاختلاف المذهبي ونهج التعامل مع الغزاة. هذه معالم الفروق والاختلافات الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار،ورغم ذلك تجد جوقة تعزف معزوفة سخيفة وتحذر من "طالبان فلسطينية"،ولكن يجب أن ننصف طالبان لأن الحق أحق أن يتبع... كلمة حق لقد وفرت طالبان الأمن والاستقرار في أفغانستان وحتى بدايات ظهورها كقوة كان سببه منع المسلحين واللصوص من الاستيلاء على القوافل وقطع الطرق؛ وحاصرت طالبان تجارة المخدرات ويؤكد المراقبون المحايدون أن طالبان عالجت هذا الأمر بحزم وشدة وأنه بعد رحيلها عادت أفغانستان لتصبح مرتعا خصبا لزراعة الأفيون وتهريبه؛ ورغم تشدد طالبان في مسألة المرأة إلا أنهم أعادوا لها جانبا هاما من كرامتها وحفظوا حقها في الحياة،فقد كانت المرأة المتوفي عنها زوجها تنتقل تلقائيا لبيت الزوج الجديد وهو شقيق زوجها وإن لم تكن راضية وهذا حدث لوالدة الملا محمد عمر وقد أوقف هذه العادة السيئة،و تمكنت طالبان من وضع حد للفساد الإداري والمالي الذي استشرى قبل وصولها للحكم،وأوقفت "لوردات الحرب" عند حدهم ومنعت ابتزاز الناس الذين كانوا يجبرون على دفع الأتاوات للمليشيات المسلحة ،وتمكنت طالبان من ضبط ما يعرف عندنا "بفوضى السلاح" لا سيما في العاصمة كابول.

والأهم من كل هذا أن طالبان أسقطت بأيد أمريكية ولو أنها قبلت تسليم بن لادن ،ولعبت اللعبة المعتادة مع العم سام لبقيت حتى اليوم في السلطة ولغضت واشنطن الطرف عن طريقة تعاملها مع النساء أو الرجال أو التماثيل أو رؤيتها للفن والموسيقا،فالقضية مواقف سياسية بالدرجة الأولى. أفلا يخجل من ينتقدون طالبان من أنفسهم؟ وذلك لأن زاوية نقدهم هي أمريكية النكهة،ووضع أفغانستان ليس كوضعنا ،ولكل بلد خصوصياته وخصائصه،المنهج العلمي والبحث المنطقي ضد الخرافة والأسطورة..بناء عليه فإن كل من يتحدثون محذرين من "طالبان الفلسطينية" ويزمجرون وينهقون ويردحون وبالتعبير البلدي "يزعبرون" يروجون للخرافة في زمن العلم والمعرفة..فليعيشوا في خرافاتهم وليغرقوا في أساطيرهم،وفقط أحب أن أذكّر أن مدينة قلقيلية محافظة وتختلف عن أريحا وبيت لحم ورام الله،وطبيعة شعبنا ترفض تشابك أيدي الشباب والبنات لتأدية رقصات لأغنية وطنية أو عاطفية ولو حدث هذا فهو محل انتقاد من المواطن العادي قبل المسيس،وحتى غير المتدينين عموما يرفضون هذا..وقبل أن نعرف طالبان أو نسمع بها نحن شعب هكذا شيمتنا ،ومن يريد هز القناني والبطون فالأمر سهل ودولارات أمريكا جاهزة كي يسافر إلى الخارج ويفعل هذا،ولكن ليخجل من نفسه ولا يعمم خرافاته علينا محاولا تسويقها على أنها حقيقة!

بقلم:سري سمور