السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

فتح من الثورة إلى الدولة - من الحكم إلى المعارضة

نشر بتاريخ: 27/01/2006 ( آخر تحديث: 27/01/2006 الساعة: 11:29 )
معا - الغد - تواجه حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" واقعا جديدا يفرض عليها إعادة ترتيب بيتها الداخلي بعد أن خسرت معركة الانتخابات التشريعية أمام منافستها التقليدية حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وتجد "فتح" نفسها اليوم، في صفوف المعارضة كثاني قوة في البرلمان الفلسطيني، لتأخذ بذلك محل "حماس" التي تواجه بدورها تحديات تحمل أعباء السلطة وادارة الشؤون اليومية للفلسطينيين بعد ان فازت بأكثرية مقاعد المجلس التشريعي.

ومثلما احتار ناقدو حركة فتح ومعارضوها في فهم سر صدارتها، احتاروا أمس في تفسير هزيمتها أمام منافستها الرئيسة منذ قرابة عشر سنين. ليهيمن لون آخر، غير اللون الفتحاوي، ولأول مرة في تاريخ المقاومة، على المشهد الفلسطيني، دافعا قيادة فتح لمواجهة صدمتها بالبحث عن الأسباب.

عضو المجلس الثوري للحركة نبيل عمرو الذي فقد مقعده في المجلس التشريعي يعيد الأسباب إلى "الفساد الذي استشرى في السلطة ومؤسساتها"، ما أفقده، وأفقد فتح تعاطفا شعبيا كان يمثل رصيدا مهما للحركة في المراحل السابقة.

ويقول عمرو إن فتح استمدت قوتها من مجموعة من العوامل المهمة، في مقدمتها ريادة الحركة بإطلاق الرصاصة الأولى، وسلوك الواقعية السياسية، وامتلاك القوة المالية، واستثمار الجغرافيا بالانتشار في كل مناطق الشتات الفلسطيني، وشخصية الزعيم الراحل ياسر عرفات.

ويتفق مع عمرو في تشخيص سبب الهزيمة عضو اللجنة المركزية للحركة صخر حبش الذي ينتقد غياب المحاسبة في السلطة خلال السنوات الماضية، كما ينتقد هو وقيادات فتحاوية أخرى عدم عقد المؤتمر العام لفتح، ما يعني غياب المراجعة لمواقف الحركة وأدائها.

لكن الفساد ليس وحيدا في تفسير تراجع فتح وهزيمتها في صناديق الاقتراع، فهناك من يرى أن تردد الحركة وانقسامها السابق للانتخابات وتشكيل قوائم رسمية وأخرى موازية قبل إعادة توحيد قائمة مرشحي فتح أدى إلى فقدان ثقة قطاعات كبيرة من الناخبين بوحدة القرار الفتحاوي، ما أدى إلى الابتعاد عن التصويت لمرشحي الحركة.

وتأسست حركة فتح في العام 1959، في جهد بدأ في الكويت وامتد لاحقا إلى دمشق والقدس ليهيء لإطلاق الرصاصة الأولى في الثورة الفلسطينية. وتلا ذلك العام أحداث كبيرة امتدت طيلة قرابة نصف قرن من زمان الصراع العربي الإسرائيلي، أوصلت في نهايتها الحركة الى سدة السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1995، عقب توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993.

وفي الشارع الفلسطيني من يقول إنه حجب صوته عن فتح بعد أن مل من المماحكات الداخلية في الحركة، ومن تلكئها في محاسبة الفاسدين، وميلها لترسيخ ظاهرة "الخلود في المواقع". ويعبر هذا التوجه عن قناعة أعداد كبيرة من أعضاء فتح وأنصارها المنحازين إلى القيادات الشابة التي ظهرت في الانتفاضة الثانية، ومن أبرزها القيادي الأسير مروان البرغوثي، والقادة الميدانيين لكتائب الأقصى الذراع العسكري للحركة.

وإذا كانت قيادات فتح وكوادرها تعيد هزيمتها الانتخابية إلى سلبيات الممارسة السياسية، فإن فلسطينيين آخرين، كالحاجة "ام ابراهيم" من قرية "النبي صالح" القريبة من رام الله، والتي يقبع اثنان من أبنائها في السجون الاسرائيلية تعتقد أن غياب "ابو عمار" هو السبب في هذه الهزيمة. وتقول "لو كان الختيار عايش، لما وصلنا إلى ما نحن فيه".

لكن عضو المجلس الثوري لفتح وأحد مرشحيها عن دائرة خان يونس إبراهيم أبو النجا الذي خسر مقعده في المجلس التشريعي لصالح مرشح من حماس، لا يتحدث في تبرير خسارته عن ياسر عرفات، بل يدعو إلى مساءلة الرئيس محمود عباس "عن رفضه الانصياع لرؤية الحركة تجاه كافة القضايا التي تصب بمصلحتها".

ويتهم أبو النجا الناخب الفلسطيني بأنه تعامل بردة فعل "وبمساحة كبيرة من الجهل" لأنه احتكم إلى نتائج انتخابات البلديات وظن أن عجز السلطة عن معالجة الانفلات الأمني معيار لقوة حماس.

في المقابل يرى مجدي أبو شعبان في غزة أن التصويت اتخذ هذا المنحى للدلالة على رغبة الفلسطينيين بالتغيير، وطموحهم لتحريك الملفات الصعبة، وأهمها، حسب أبو شعبان، الفقر والبطالة، والفوضى الأمنية.

ومهما تكن القراءات متباينة، فإن حالة الحزن التي خيمت على فتح وشارعها أمس، مرشحة للتحول إلى مواقف داخلية تشير التصريحات إلى أنها تصب في سياق التوجه إلى خطوات اجرائية تشمل عقد المؤتمر الحركي العام، أو عقد المجلس الثوري، والبدء في عملية المراجعة التي طال انتظارها في حركة انتقلت من مشروع الثورة المتحققة إلى مشروع الدولة غير المكتملة، ثم انتقلت من الحكم إلى المعارضة في انتخابات شكلت نتائجها صدمة كبيرة لها.

وهناك طريقان للتعامل مع أزمة فتح الحالية يوضحهما نبيل عمرو بقوله "ان انتكاسات فتح ومع وجود تبريرات قوية ومنطقية لأسبابها تظل مجرد أزمات مؤقتة، الا انها من النوع الذي يمكن ان يستمر لسنوات طويلة. او لمدى اقل. وذلك يعتمد على جملة عوامل، ان احسنت فتح فهمها وتوظيفها فإن امد الأزمة قصير، واستعادة الدور والمكانة في متناول اليد، وان لم تحسن ذلك. فالمستقبل في أفضل الأوصاف، غامض أو ملبد بالغيوم".

يوسف الشايب وحامد جاد