الجمعة: 10/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

'نظرية المؤامرة' في تقدم حماس وتراجع فتح /بقلم : رشيد شاهين

نشر بتاريخ: 08/02/2006 ( آخر تحديث: 08/02/2006 الساعة: 20:17 )

النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الفلسطينية من فوز لم يكن يتوقعه احد لحركة حماس، وتراجع مريع لحركة فتح, ظلت مثار جدل خلال الفترة التي تلت أعلان تلك النتائج, بشكل ربما لم يكن مسبوقاً في الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية، إلا في أحداث " جسيمة" قد تكون بنفس الأهمية أو أكثر.

لم يتوقف المراقبون والمحللون السياسيون عن التحليل, ومحاولات استقراء وإيجاد المبررات لهذه النتيجة, التي كانت بمثابة الصدمة أو الحدث غير المتوقع للجميع، وامتلأت الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى " بضجيج" قل نظيره، وأصاب من أصاب في رؤيته وتحليله, وخاب من خاب، وإقترب هذا من طرق باب الحقيقة, وابتعد ذاك عن الموضوعية في الطرح والتحليل, لانه لا يستطيع استيعاب ما جرى, او انه ربما لا يزال تحت هول " صدمة" الواقع الجديد، " "على اعتبار ما سيكون".

وفي خضم كل تلك المحاولات الجادة أو البائسة كان الجميع يقترب حينا ويبتعد احيانا عما أصبح يطلق عليه في السنوات الأخيرة وبشكل لافت تحليلات مستندة الى " نظرية المؤامرة".

هذه المقولة التي صارت تتردد كثيراً في وسائل الاعلام ويلجأ اليها الكثير من النقاد والمحللين، في وصفهم لمحاولات التحليل التي قد لا تتفق مع رؤاهم ونظرتهم أو فهمهم للأحداث، وإذا ما أردنا الغوص قليلاً في محاولات استقراء نجاح حماس وتراجع فتح ضمن هذه النظرة الى الامور, فإنه لا بد من العودة قليلاً الى الوراء لمتابعة ما جرى خلال الفترة القليلة الماضية والتي تعود الى ما يقارب العام.

منذ أن نجحت حركة حماس في الانتخابات المحلية, وفازت ببعض المجالس القروية والبلدية, بدأت " الماكينة" الاعلامية الاسرائيلية ومن خلفها الاميركية, بالعويل والصراخ من أن حماس سوف تسيطر على الأراضي الفلسطينية, ومن ثم الحكم في فلسطين، وامعن الكتاب والمحللون السياسيون الاسرائيليون في" ضخ" تحذيراتهم وهلعهم من دولة حماس القادمة على " تخوم اسرائيل".

وصار السياسيون المعارضون لخطوة شارون الاحادية بالانسحاب من قطاع غزة, يحذرونه من أنه يرتكب خطأ تاريخياً, وأن عليه التراجع في ظل تقدم حركة حماس و تم وصف الفوز ب " الكارثي" لحماس, و بأنه مقدمة لاقامة دولة "إرهابية" تهدد وجود الدولة العبرية.

كما أسهب المسؤولون الأمنيون السابقون والحاليون في الأجهزة الأمنية الأسرائيلية, من شين بيت و موساد وغيرهما, في الحديث عن بداية لنقل تجربة حماس العسكرية في قطاع غزة, وقصف المدن الاسرائيلية " بالصواريخ محلية الصنع" للعمق الاسرائيلي, وكذلك عن عمليات نقل تتم ل "خبراء" تصنيع القسام "وتكنولوجيا هذه الصواريخ" الى الضفة الغربية، وكان الحديث في هذا السياق يتم بصورة تتسم بالكثير من الاقناع " والحبكة" التي لا يمكن التشكيك في صحتها, وكان يتم ذلك بصورة تشي بان التهديد حقيقي , وان اسرائيل اصبحت قاب قوسين او ادنى من الزوال عن الخارطة السياسية ,ومن الجغرافية , وانها ستصبح تاريخا يحكى.

ويتابع المروجون لهذه "الرؤيا التحليلية"، بأن الانتخابات التشريعية التي كان يجب إجراؤها في شهر تموز, تم تأجيلها على أرضية " الشعور بالرعب" من فوز ساحق لحماس في تلك الانتخابات لو جرت في حينه, وبدات الوفود السياسية والدبلوماسية من دول الاتحاد الاوروبي واميركا، في زيارات لا منتهية الى المنطقة.

وتصاعد الحديث ضمن هذا السياق, و بدا التلويح بالتهديد يعلو بوقف الدعم عن السلطة في حالة فوز حماس، كل هذا يعتقد اصحاب هذه الرؤية أنه ساعد في "تلميع حماس"، (إذا كانت تحتاج الى هذا التلميع)، وإن هذا ما رفع أسهم الحركة في الشارع الفلسطيني وبالتالي كانت النتيجة كما ظهرت في الانتخابات التشريعية في 25/1/ 2006 كانت هذه الرؤية وهذا التحليل فيما يتعلق بحركة حماس واسباب فوزها الساحق.

ويستمر هؤلاء في "نظريتهم" التحليلية هذه, عند الحديث عن تهاوي حركة فتح, وهذا التراجع المروع للحركة في تلك الانتخابات, وأنه انما أتى ضمن ذلك الإطار, فهم يعتقدون أن حركة فتح التي تسيدت العمل السياسي والنضالي الفلسطيني على مدى أربعة عقود ، بدأت وكانها تشعر بالوهن والترهل, وانه وما ان اخذت "الماكينة" الأعلامية الأسرائيلية بالعمل والترويج و الحديث عن عدم وجود شريك فلسطيني حتى بدأ الشعور بالرعب يدب في اوصال هؤلاء, وتم تصويرهم وكأنهم حديثي العهد بالعمل السياسي والنضالي وأن أسنانهم بدأت "تصطك" رعباً من بداية هذه الهجمة " الشرسة".

عندئذ قرروا إعادة بناء الصفوف, بالطريقة التي لاحظها الجميع من خلال البرايمريز, وما رافقها من حالة فوضى وفلتان وعدم التزام, وإن ذلك كان مفتعلاً من أجل استبعاد بعض أو كثير من الأسماء، وإن فتح التي استطاعت أن توحد القائمتين الفتحاويتين للانتخابات التشريعية, كان بامكانها أن تقنع المرشحين من ابناء فتح الذين رغبوا في خوض الانتخابات بشكل مستقل، بالتراجع وعدم خوض تلك الانتخابات, لأنهم سوف يكونون سبباً مباشراً ورئيساً في تراجعها أن لم يكونوا سبباً في خسارتها وضياعها.

ويقول هؤلاء أنه ليس دقيقاً أن فتح لم تستطع اقناع هؤلاء بالانسحاب, وأن هنالك وجهة نظر داخل الحركة تقول, كان لا بد لما حدث أن يحدث حتى يتم اتخاذ اجراءات تصحيحية داخل الحركة, وكان لا بد لما حدث ان يتم بطريقة تبدو وكأنها اجراءات قانونية وضمن سقف اللوائح الداخلية للحركة.

المستغرب في هذا الطرح, أن اصحاب هذه النظرية يعتقدون بيقين أن كل ما حدث خلال الفترة الماضية إنما كان من أجل " عيون حماس" ولرفع اسهمها وبالتالي انجاحها، وكذلك هم واثقون ان حركة فتح تآمرت على ذاتها وأنها دفعت بهذا الاتجاه لكي " تسقط نفسها" من أجل اعادة تنظيم صفوفها وتجديد نفسها.

على كل حال، سواء كان الذي حدث من أجل " تلميع" حماس، أو إعادة تنظيم " الصفوف" في فتح، فإن ما حدث كان حدثاً سيفعل فعله في الوضع الفلسطيني، وهو انجاز ديمقراطي يتم تنظيمه للمرة الاولى, بهذا الشكل الديمقراطي الشفاف من قبل حزب حاكم في إحدى دول العالم الثالث، وعلى فتح أن تفخر به، وعلى حماس ان تستمر به، وهو انجاز كان الشعب الفلسطيني المستفيد الاكبر منه, لانه لم يعد هناك مجال لاحتكار السلطة، بل لا بد من تداول للسلطة, ينعم في ظلها الشعب الفلسطيني ويستطيع أن يحدد من سيحكمه من خلال إدائه وخدمته لقضيته كل أربع سنوات.