الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

المدّعي العام .. ومعركة الفئران/بقلم :خالد منصور

نشر بتاريخ: 13/02/2006 ( آخر تحديث: 13/02/2006 الساعة: 20:57 )

كانت جدتي تردد على مسامعي دوما مقولة شعبية، تحمل في طياتها سخرية عظيمة من حال الفقر، الذي كان وما زال معظم شعبنا يعيشه.. حيث كانت تقول:( يا ستّي الفار ما بعيش في بيت واحد فقير )..( والفيران لو دخلت في بيت أسرة فقيرة ما راح يطيبلها العيش فيه..وراح تخرج بسرعة منه لأنها ما راح تلاقي هناك اشي توكله ).

كنت في عقلي اصدّق تلك المقولة، لأنني كنت وعن قرب اعرف وارى أن بيوت الفقراء تخلو من كل المغريات، التي تجعل الفئران تستوطن فيها.. ولكنني وعلى ارض الواقع أيضا كنت أرى جماعات الفئران تدخل وتخرج من بيتنا الصغير الكائن في المخيم.. وكانت تتسبب لنا بخسائر فادحة لأنها كانت تقرض ملابسنا القليلة، أو فراشنا البسيط الذي كنا نحشوه بالعادة بالقطن الناتج عن طحن الملابس القديمة..

مسكينة جدتي ماتت قبل أن ترى كيف تغوّلت وتوحّشت الفئران البشرية في بلادنا، حتى أصبحت جرذان عملاقة.. لم تنهش فقط قوت أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ومرضانا وعمالنا ومزارعينا وطلابنا واسر أسرانا وشهدائنا.. بل وقرضت حتى لحومنا... ومسكين هذا الوطن وهذا الشعب كم تألم من نهش فئرانه الملعونة لجسده النحيل الذي يشبه إلى حد كبير بيت الفقير.

كنا نظن أن حياتنا تحت الاحتلال، وانخراطنا في النضال ضده، سيجعل الفئران تخجل من نفسها وتتركنا لبلاوينا.. وكنا نعتقد أن فقر سلطتنا سيجعلها بمنأى عن الجرذان العملاقة وغير مغرية لها للتوطّن فيها.. لكننا اكتشفنا أن فئرانا صغار ، بعضها جاءنا من الخارج كالمفجوع يلتهم بشراهة كل ما يجده.. وبعضها كان يعيش فينا ويقتات على بعض ما يتيسر له أو يستغفلنا ويأخذه --- اكتشفنا أن هذه الفئران الصغيرة قد نمت وترعرعت في ربوع بلادنا الحزينة.. حتى وصلت بها الجرأة لتتبختر علنا ودون خوف، بل إن قططنا الهزيلة المقلمة الأظافر، صارت تتمنى لو تقبل تلك الجرذان صداقتها، وتحن عليها فتعطيها ما يسد جوعها ويرويها، أو في أحسن الأحوال صارت تتجنبها وتتحاشى لقاءها، كي لا يصيبها منها ما يؤذيها.

والفئران في بلادنا اليوم أشكال وأنواع.. فمنها الأبيض المتأنق ومنها الرمادي المتحذلق.. ومنها الصغير الذي يسرق ويختبئ في الجحور حتى لا تراه الأعين.. ومنها الجرذان الكبيرة المتوحشة التي تستوطن في المجاري ( تأكل اللحم وتشرب الدم )... وما فعله نائبنا العام المبجّل ليس أكثر من إعلان عن شيء كنا جميعا نعرف انه موجود، ولطالما قلنا انه موجود، وطالبنا باجتثاثه من جذوره.

ونائبنا العام هو اليوم مطالب بان يواصل معركة اجتثاث الجرذان، التي تسببت بأخطر من وباء الطاعون لشعبنا... مطالب بأن يواصل حملته على الجرذان التي عاثت في السلطة فسادا ونهبت أو أهدرت مئات ملايين الدولارات من أموال الشعب واستنزفت حجما كبيرا من مقدرات الشعب.. كما وانه أيضا مطالب بأن يوسع حملته ليصل سريعا إلى الفئران المتأنقة، التي تستوطن أجساد بعض الأحزاب والتنظيمات، ومؤسسات العمل الأهلي والاتحادات الشعبية، وتستحوذ على جزء كبير من أموال الشعب، وتلتهمه بهدوء وسكينة ظنا منها أنها بمأمن بعيدا عن أعين القانون.

"كاتب المقال عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني"