السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

موظفون في 'السلطة' ينتظرون الرواتب ويحذرون من 'ثورة الجياع'

نشر بتاريخ: 22/02/2006 ( آخر تحديث: 22/02/2006 الساعة: 17:27 )
رام الله -يوسف الشايب- تعيش آلاف العائلات الفلسطينية، منذ أسابيع، حالة من القلق إزاء القدرة على تلبية متطلبات المعيشة، بعد أن أصبح الراتب الحكومي الذي كان مضمونا آخر كل شهر أمرا خاضعا للظروف.

تأخر راتب الشهر الماضي، ويتوقع الكثيرون أن يتأخر صرف راتب الشهر الحالي أيضا، والقلق يسيطر على أرباب الأسر، وأكثرهم من صغار الموظفين، رغم تطمينات حركة حماس التي ستشكل الحكومة الجديدة. فانقطاع الرواتب، بحسب العديد من العاملين في وزارات السلطة ومؤسساتها يعني "خراب ديار".

يعمل في السلطة حوالي 150 ألف موظف يتقاضون شهرياً قرابة 110 ملايين دولار يتم توفير معظمها من الإيرادات الضريبية والجمركية التي تُحصّلها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية وتستخدمها حالياً كورقة ضغط على الحكومة الفلسطينية وأداة عقاب جماعي ضد الشعب الفلسطيني، وخصوصا الفئات المرتبطة وظيفيا، وبالتالي حياتيا، بالسلطة الوطنية.

كثيرون من هؤلاء، من بينهم الشرطي مجدي أبو زايد، نجحوا في تأمين مبلغ قد يكفيهم لعدة أشهر، عبر قروض بنكية، لكن البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية بدأت تضع شروطاً معقدة للقروض في الأسابيع الأخيرة، في حين قررت بعض هذه البنوك إلغاء القروض نهائياً، وخاصة لموظفي الأمن والقطاع العام، على عكس ما كان يحدث قبل الانتخابات، حيث كانت البنوك ذاتها تفضل منح القروض لهؤلاء الموظفين، على اعتبار أن "أوضاعهم المالية والوظيفية أكثر استقراراً من غيرهم".

ويقول أبو زايد: إذا انقطعت الرواتب لأكثر من شهرين، لن نجد ما نأكله. أنا أعيل أسرة من تسعة أفراد، والراتب الذي لا يزيد عن 1500 شيكل (370 دولارا تقريباً)، هو مصدر دخلنا الوحيد. الكارثة ستحل إذا لم أتصرف. لقد وفقت في الحصول على قرض بنكي مقداره عشرة أضعاف الراتب، لكن أشقائي الذين يعملون في مؤسسات حكومية أيضاً، لم يوفقوا في ذلك بسبب القرارات الجديدة التي اتخذتها العديد من البنوك بتجميد القروض لفترة غير محددة.

ويجاهر أبو زايد بمخاوفه "من خلال حديثي مع أقاربي وزملائي، بدأت أخشى من ثورة حقيقية في حال توقفت هذه الرواتب. أنا أخشى "ثورة الجياع"، التي لن تحرق الحكومة الجديدة فحسب، بل الجميع، بما في ذلك إسرائيل".

من جهته يشير منتصر الأكحل (موظف في إحدى الوزارات) إلى أن الاحتجاجات لن تكون ضد حكومة حماس، بل ضد الرئاسة وإسرائيل والجميع، فمن يرى أولاده جياعاً سيفعل أي شيء لإطعامهم. سيسرق، سيقتل، وليس مستبعداً أن يفجر نفسه.

ويضيف الأكحل: لا أعتقد أن العالم، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، معني بمثل هذه الحالة من الفوضى، التي لن تسقط حكومة حماس فحسب، بل ستقلب الطاولة فوق رأس الجميع. الشهر الماضي، وبمجرد تأخر الرواتب لبضعة أيام، كان بإمكان الجميع الشعور بحالة الشلل والغليان التي اجتاحت الشارع الفلسطيني، فما بالك لو توقفت هذه الرواتب لعدة أشهر.

ويطالب ناصر شرابي (موظف حكومي) بشيء من الصبر، "كي لا تنجح المخططات الإسرائيلية في إسقاط حماس"، مؤكداً أن حماس بالتأكيد لن تقف مكتوفة الأيدي، ثم إن مسؤولية تأمين الرواتب لا تقع على كاهل حماس فقط، بل على الرئيس، وفتح، والجميع. ويقول: دعونا لا نستبق الأمور. أنا متفائل من تحقيق "حلحلة" ما بخصوص الرواتب.

ويعود شرابي ليشكك في تهاون العالم بأسره بهذه القضية، خاصة أنها المظهر الوحيد المتبقي من السلطة الوطنية الفلسطينية، ووقف الرواتب يعني انتهاء السلطة، وهذا خيار غير وارد في الحسابات السياسية لجميع الدول، بما في ذلك إسرائيل.

ويؤكد شرابي أنه بدأ يلمس نوعاً من التقشف لدى الكثير من الفلسطينيين من باب "القرش الأبيض لليوم الأسود"، مشيراً إلى أن حالة الرعب منتشرة، لكنها ليست قاتلة.

ويميل محمد أبو تايه (50عاماً) الذي يعمل مدرسا في غزة إلى الطمأنينة أيضا، ويقول انه "لا يشعر بالقلق" من تأخير صرف رواتب الموظفين، ففي النهاية "سيتلقون رواتبهم حتى لو تأخرت لشهر أو شهرين فلم تكن حياتهم تتميز بالرفاهية في أي وقت مضى وقد يضطرون إلى تقنين مصروفاتهم إلى أبعد الحدود حتى انفراج هذه الأزمة واتضاح الأمر".

أما اعتماد نصرالله وهي موظفة حكومية فإنها تعتقد أن حركة حماس "ستتجنب كلياً أي مخاطر قد تلحق بقطاع الموظفين وستعمل ما بوسعها من اجل تأمين هذا الجانب الذي يضمن بحد ذاته الحد الأكبر من الاستقرار الداخلي، وستلتفت حماس إلى معالجة ما هو مرتبط بعلاقاتها مع العالم الخارجي وبالتالي فإنه من المبكر الحكم على المرحلة المقبلة".

لكن النقيب صلاح الفرا (40عاماً) ويعمل في جهاز الأمن الوطني يرى ان "فوز حماس جعل الجميع متخوفين من المرحلة المقبلة فليس هناك أي ضمانات حقيقية لاستقرار الوضع خصوصا ان أميركا هددت بقطع مساعداتها للسلطة وتضغط على المجتمع الدولي لوقف تلك المساعدات".

يضيف النقيب الفرا أن "حماس ستتمكن من معالجة هذا الأمر لشهر أو شهرين كحد أقصى ولكن لن تستطيع الاستمرار في تغطية الرواتب طالما المساعدات الخارجة توقفت وواصلت إسرائيل حجب المخصصات الجمركية الخاصة بالمعابر للسلطة الفلسطينية".

ويوضح الفرا ان "الموظفين العسكريين يسددون أقساطاً شهرية لقروض تلقوها من البنوك أو جمعيات شهرية يشاركون فيها" ما يجعل وضعهم مقلقا.

ويجد الفلسطينيون أنفسهم أمام تحد جديد فرضه هذه المرة، وعلى غير المتوقع، نجاحهم في تنظيم انتخابات تعد بشهادة الجميع الأكثر ديمقراطية في المنطقة، وعليهم الآن أن يدفعوا ثمن نزاهتهم بمواجهة قد لا تحمد عقباها مع أفواه أطفالهم الجائعة.