الخميس: 16/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تشكيل الحكومة الفلسطينية ليس المهمة الأصعب أمام «حماس»/بقلم:ماجد عزام*

نشر بتاريخ: 23/02/2006 ( آخر تحديث: 23/02/2006 الساعة: 16:51 )

قد يكون تشكيل حركة «حماس» الحكومة من أسهل المهمات والتحديات التي ستواجهها الحركة في الفترة المقبلة على عكس ما يعتقد كثيرون. اذ أن الصعوبات ستبدأ عمليا صباح اليوم التالي لتشكيل الحكومة لدى مواجهتها على أرض الواقع الملفات والقضايا الشائكة التي تنتظرها.

وبحسب تصريحات قادة «حماس»، ستكون الحكومة جاهزة بحلول الأول من آذار (مارس) المقبل، أي بعد أقل من عشرة أيام تقريبا على تكليف الرئيس محمود عباس كتلة «حماس»، رسمياً، تشكيل الحكومة. وهي فترة قصيرة تثير الانطباع بأن عملية التأليف لن تكون صعبة وأن التشكيلة الحكومية ستكون شبه جاهزة في ضوء المشاورات التي أجرتها قيادة الحركة، سواء في ما بينها أو مع الفصائل الفلسطينية المختلفة.

وهناك أسباب تبرر الاعتقاد بأن تشكيل الحكومة لن يكون مشكلة في معظم الأحوال، وانما سيمثل بداية المشوار الصعب والمرهق لـ»حماس» في قيادة السلطة، وربما المشروع الوطني الفلسطيني عموماً. ومن هذه الأسباب:

أولاً: أن «حماس» تملك غالبية برلمانية مريحة تمكنها من تمرير أي حكومة تشاء.

ثانياً: أن حركة «فتح»، حتى الآن، ليست في وارد وضع العراقيل أمام عملية التشكيل، بل ان هناك تياراً رئيسياً داخلها يريد أن تتحمل «حماس» المسؤولية في أسرع وقت ممكن، مراهناً على محاصرتها و تطويقها وصولا الى «كشفها» أمام الشارع الفلسطيني واظهارها عاجزة وسبباً في تعقيد المشاكل التي يعاني منها الجمهور الفلسطيني على مستويات عدة.

ثالثاً: أن ثمة أطيافاً واسعة في الحلبة السياسية الفلسطينية مستعدة للمشاركة في حكومة كهذه على قاعدة الثوابت الفلسطينية وعلى تفاهمات الحد الأدنى التي اعلن عنها، سواء في «اعلان القاهرة» أو «وثيقة مارس» في رام الله.

وحتى بعيدا عن هذه الثوابت وتعقيداتها، ثمة قوائم فازت في الانتخابات ستعود للمشاركة في الحكومة كتكنوقراط على قاعدة البرنامج الاصلاحي الداخلي الذي خاضت الانتخابات على أساسه، والذي شكل قاسماً مشتركاً بين البرامج الانتخابية المختلفة التي خيضت الانتخابات على أساسها.

رابعاً: أن ثمة أجواء اقليمية ودولية تريد اعطاء «حماس» مهلة زمنية أو وقتاً مستقطعاً للتأقلم مع الوضع الجديد بما يسمح لها بتشكيل الحكومة ضمن أجواء مريحة نسبياً، وباعتبار أن الضغوط الحقيقية ستبدأ بعد تشكيل الحكومة وليس قبله.

واذا كان تشكيل الحكومة المهمة الأسهل أمام «حماس»، فما هي المهمات والملفات الصعبة التي تنتظرها؟

بحسب تصريحات رئيس الحكومة المكلف اسماعيل هنية فان حكومته ستعالج أربعة ملفات اساسية، في السياسة والاقتصاد والأمن الداخلي والاصلاحات الشاملة في المؤسسة الفلسطينية.

وثمة ملفان من بين الأربعة يحظيان بشبه اجماع فلسطيني هما الأمن الداخلي و الاصلاخات الشاملة في المؤسسة الفلسطينية. وستجد «حماس» مناصرين كثيرين في الساحة الفلسطينية اذا ما أحسنت التعاطي مع هذين الملفين وأوجدت أوسع مساحة ممكنة من الحوار والنقاش حولهما، سواء داخل المجلس التشريعي أم في الساحة السياسية والحزبية والاجتماعية، وتجنيد أكبر دعم ممكن للخطوات الاصلاحية.

وبناء على ذلك فان الملفات الأصعب تتمثل في الشأنين السياسي والاقتصادي. فالأول يتضمن طبيعة العلاقة مع اسرائيل والاتفاقات الموقعة والخطط المطروحة اقليميا ودوليا للوصول الى تسوية نهائية للصراع في فلسطين. أما الثاني فيتعلق بالحال المرضية المتردية للاقتصاد الفلسطيني وتحوله اقتصاداً قائماً على المعونات والمساعدات الخارجية في ظل افتقار الكيان الفلسطيني الى أدنى مقومات الاستقلال والاكتفاء الذاتي، وكنتيجة طبيعية للممارسات الاسرائيلية التي قضت على أي فرصة لقيام كيان فلسطيني حر ومستقل وقابل للحياة، سواء من الناحية الجغرافية أو من الناحية الاقتصادية.

في الملف السياسي فان المهمة شاقة امام «حماس». واذا ما تمكنت الحركة من الوصول الى تسوية أو صياغة لغوية مع الفصائل الفلسطينية، خصوصا حركة «فتح»، حول العلاقة مع اسرائيل والاتفاقات الجائرة الموقعة معها، فان هذا الأمر لا يبدو متاحا مع المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا، ولن يكون هناك سوى تأجيل بت هذه الملفات تحت ستار التهدئة أو الهدنة لافساح المجال أمام النجاح في الملفات الأخرى، وامتلاك الثقة الشعبية الكفيلة بتحدي المجتمع الدولي صراحة والرفض المطلق لأي املاءات وشروط يطرحها على «حماس» للقبول بها وبسلطتها وقيادتها للشعب الفلسطيني.

وعموما فان الصدام في هذا الملف آت ولو بعد حين، وعندها لن يكون في الامكان المضي قدما في الملفات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وسيكون الانفجار سيد الموقف حتما.

أما الملف الآخر الشائك فيتمثل في كيفية ادارة الاقتصاد الفلسطيني في غياب المعونات والمساعدات الخارجية باستثناء وعود معسولة لبعض الدول العربية والاسلامية.

اذ ستدرك «حماس»، كما صرح أحد المسؤولين الاسرائيليين، معنى تأمين زهاء بليوني دولار بعيدا عن اسرائيل وجبروتها وبعيدا من المعونات الاسرائيلة المشروطة والمحكومة بالسقف الاسرائيلي.

ستجتهد «حماس» بالطبع لابتداع حلول خلاقة في مواجهة هذه المعضلات وستحاول فرض معادلة جديدة جديدة في العلاقات الفلسطينية - الدولية تتعدى المرور بالممر الاسرائيلي، وقد تسعى الى طرح قضايا الحل النهائي دفعة واحدة.

أما اقتصاديا فستكون هناك رسائل مبطنة وغير مبطنة بأن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية لن يكون انهيارا لسلطة «حماس» فقط، اذ انه في ظل الوضع المتردي لحركة «فتح»، سيؤدي الى المجهول من وجهة النظر الدولية.

أما من وجهة النظر الفلسطينية فسيؤدي الى المعلوم المتمثل بانتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الجدار الفاصل وضد الخطوات الأحادية الهادفة الى رسم حدود اسرائيل النهائية في شكل مجحف يمنع عمليا أي امكان لنشوء دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة تمثل الضمانة الأخيرة والوحيدة للاستقرار في المنطقة.

مدير «مركز شرق المتوسط للخدمات الصحافية والاعلامية» في بيروت