الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نطاق التحرش بالصحافيات في نسق متصاعد

نشر بتاريخ: 26/12/2020 ( آخر تحديث: 26/12/2020 الساعة: 22:44 )
نطاق التحرش بالصحافيات في نسق متصاعد

معا- لم تحد قوانين حقوق المرأة والاتفاقات وحتى المعاهدات الدولية من التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء في مختلف مواقعهن، حيث تشير أغلب الإحصائيات إلى اتساع نطاق التحرش بالنساء الصحافيات ما يجعل المؤسسات الإعلامية بيئات غير آمنة للعمل.
وبحسب دراسة عالمية، تتعرض 48 في المئة من الصحافيات لأحد أشكال التحرش. وبحسب الاستطلاع الذي أجري في 9 دول بأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، فإنه بين 59 و64 في المئة من الصحافيات يتعرضن لتحرش لفظي، وبين 17 و24 في المئة منهن يتعرضن لتحرش جسدي، وبين 3 و10 في المئة يتعرضن لاعتداء جنسي. وتؤكد الدراسة أيضا أن 29 في المئة من النساء اللواتي تعرضن لاعتداء جسدي بلَّغن عن الحادثة.
ولا تزال معوقات عديدة تحول دون تحقيق التنوع الجندري في العمل الصحافي، لعل أهمها المجتمع الذي يشكل ضغوطا على الصحافيين عامة والنساء خاصة، فمناطق النزاع مثلا تمثل تهديدا على حياة الصحافية، كما تعرضها إلى ضرر جسدي وعنف جنسي وأعمال انتقامية ضد أفراد عائلتها.
وتؤكد صحافية سورية رفضت الكشف عن اسمها، شاركت في ورشة حول الصحافة الاستقصائية، في ديسمبر 2015، بالعاصمة الأردنية عمّان إن هناك صحافيا استغل منصبه المهني ليستدرجها إلى غرفته، ثم يحاول الاعتداء عليها جنسيا.
وفي ظروف لا تختلف كثيرا، وفي سبتمبر من العام 2018، لاحقت صحافيا عربيا مشهورا عمل مدربا ومقدم برامج في عدة قنوات، اتهامات بالتحرش، من صحافيات قد وعدهن بعقود عمل في مؤسسة دولية يعمل بها ثم حاول استغلالهن جنسيا، لتتوالى بعدها شهادات من أخريات قلن إن الصحافي سبق له أن تحرش بهن في أكثر من مؤسسة عمل بها على مدار السنوات الخمس الأخيرة.
وتقول صحافيات إنهن كما يعددن أسئلتهن وبحثهن حول أي موضوع، كذلك يحضرن أنفسهن نفسيا لسماع عبارات لا يرغبن في سماعها، أو رفض عروض للقاءات خارج الإطار المهني.
ويصعب على الصحافية الشابة عموما الاكتفاء بسرد قصّة واحدة، أو إحصاء عدد المرّات التي تعرّضت فيها لتحرّش باللفظ أو الإيماء. إذ يرافقها الشعور بالانتهاك يوميا.
صمت أو انسحاب
وتشير دراسة صدرت عن الجامعة الأميركية في بيروت عام 2015 بعنوان “مواجهة التمييز والتحرّش الجنسي المتفشي في الإعلام اللبناني” إلى أنّ التحرّش يؤثّر على المستقبل المهني لنحو 82 في المئة من الصحافيات في لبنان.
واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 250 صحافية قالت 10 في المئة منهنّ إنّهن فكّرن في الاستقالة من العمل بسبب التحرّش اللفظي أو الجسدي، أو بسبب التهديد الناتج عن رفض تقديم خدمات جنسية. وأظهر الاستطلاع أنّ نصف المشاركات فيه تعرّضن للتحرّش مرّة واحدة على الأقلّ خلال عملهنّ.
وقالت 60 في المئة منهنّ إنّهن يتعرّضن للتحرّش اللفظي المتمثل في التعليقات الجنسية والشتائم والقصص ذات الطابع الجنسي، و48 في المئة منهنّ يتعرّضن للتحرّش الإيمائي مثل التحديق، والغمز، والحركات الجسديّة.
ومعظم العاملين في مجال الصحافة في لبنان، يعرفون صحافيات تعرّضن للمس بطرق غير لائقة، أو تلقيْن رسائل في أوقات متأخرة من الليل من شخصيات سياسية.
بدورها أظهرت نتائج دراسة قام بها منتدى الإعلاميات العراقيات على عينة من الصحافيات في مناطق مختلفة. أنّ 68 في المئة من الصحافيات تعرضنَ للتحرش خلال العمل وأنّ النسبة الأغلب منهن لم يقمن بالإبلاغ عن المتحرش، بحسب رئيسة المنتدى نبراس المعموري.
وبحسب صحافيات عراقيات، فإنّ التحرش والمساومة والابتزاز والإغراء من أبرز التحديات التي تواجههن في أغلب المؤسسات الإعلامية، إذ أن نسبة لا يستهان بها من الصحافيات يتعرضن لمختلف أنواع التحرش ولا يوجد أمامهن أي سبيل لمواجهته سوى الصمت والانسحاب من العمل أو الرضوخ والاستمرار خوفا من فقدان العمل.
وتقول أسماء عبيد إعلامية عراقية “كثيرا ما تتعرض الصحافيات العربيات إلى التحرش إما من رئيس التحرير وإما من مديرها في العمل وإما من زميل لها. وهناك حالات شهدناها وأخرى سمعنا عنها”.
وتضيف، “من المفترض أن يكون الصحافي الرجل قائدا في المجتمع ولسان حال الناس والضامن لحقوقهم والحريص على سلامة زميلاته في العمل، إلا أن هناك فئة منهم ترى أن الصحافية التي تعمل في المجال ربما تكون متحررة ومتاحة”.
وتشير عبيد إلى أن هناك صحافيات تركن العمل بسبب التحرش ذلك أنهن وجدن أنفسهن في وضعيات صعبة ومحرجة، فإن لم يستجبن للمتحرش قد يتهمهن أو يُضيّق عليهن الخناق أو يُتلسنُ عليهن بكلمات غير لائقة في مكان العمل.
أما في تونس فلا تزال قضايا التحرش تشغل مساحة كبيرة من الاهتمام، رغم صدور قانون في العام 2017 ينص على توقيع عقوبات على التحرش بجميع صوره. وجرى تسجيل ما يقرب من 65 ألف شكوى في العام 2019، بحسب أحدث إحصاءات وزارة المرأة.
وتتعرض صحافيات تونسيات إلى التحرش الجنسي وفق ما أكدته النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين.
و في مقاربة أولى لمسألة التحرش داخل مواقع العمل، أعلنت النقابة خلال شهر نوفمبر من العام الماضي تزامنا مع الأيام الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة، عن تعرض 80 في المئة من منخرطاتها من الصحافيات للتحرش على الأقل مرة واحدة أثناء أدائهن لمهامهن الصحافية خلال العام 2018، معتبرة أن فئة الصحافيات اللواتي يوجدن في وضعية هشة ويمثلن قرابة 20 في المئة من الجسم الصحافي في تونس، هن الأكثر عرضة للظاهرة.
وبينت دراسة النقابة أن التحرش لا يقتصر فقط على وسيلة إعلامية دون أخرى، بل ينتشر في كل المنصات، ففي تونس تجد الصحافية نفسها في مواجهة التحرش الجنسي اللفظي والجسدي داخل مؤسستها الإعلامية وفي مواقع العمل وخلال الحوارات واللقاءات والتغطيات الصحافية التي تؤمنها، وحتى خلال الزيارات الميدانية التي تقوم بها.
وتميل عدد من المتعرضات للتحرش إلى رفض الاعتراف بالظاهرة ومحاولة تبسيطها وإدراجها في خانة المعتاد والاعتيادي، لسببين يرتبط أولهما بالثقافة المجتمعية التي تطغى عليها العقلية الذكورية الرجالية وتنحو دائما إلى وضع المرأة في موضع الاتهام، إذ ترى في طريقة لباسها وكلامها أو مكان جلوسها أو طريقة تبرجها دافعا وراء إقدام الرجل بصفة عامة على التحرش بها. وبالتالي، وحتى ترفع المرأة الصحافية الحرج عنها وتدفع التهمة المجتمعية، تتسامح مع مختلف التجاوزات ومحاولات التحرش التي يمكن أن تتعرض لها خلال عملها، وتغض النظر عنها إلى درجة أن بعضهن يصنفن حالات وحوادث التحرش بالأمر العادي الذي يصنف ضمن مخاطر العمل الصحافي.
وتشير مسؤولة وحدة الدعم النفسي في مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ميرا مرقس، إلى أن دوافع الصمت في حالات التحرش الجنسي تعود إلى الشعور بالخزي والإنكار واليأس.
وتقول ميرا إن “الشعور بالخزي هو رد فعل تلقائي لمن تعرضن للإيذاء الجنسي، إذ تُسبب الواقعة إحساسا بالدونية يُضاف إلى تراكمات التربية التي تنزع ثقة النساء بأنفسهن من الأساس، وهو ما يجعل الضحية تنحو باللائمة على نفسها، وبالتالي تشعر بالخزي أكثر لتدور في حلقة مفرغة.
وتضيف أن هذه المشاعر السلبية تجعل النساء يملن إلى إنكار ما حدث أو التقليل منه كالتعامل مع الاعتداء على أنه مجرد تودد، أو التحرش على أنه “معاكسة”، وذلك لرفضها رؤية نفسها ضحية أو للهروب من جلد الذات. وهذا يقود إلى الشعور باليأس وقلة الحيلة.
وتؤكد على أن المجتمع الذي يلوم الضحية ويصفق للجاني بالضرورة لن يكون منصفا وبالتالي فالكلام لن يجدي نفعا بل سيستنزف قوى المرأة في الدفاع عن نفسها وهي مستنزفة أصلا ممّا تعرضت له من إيذاء.
كما ترى حياة مرشاد، الناشطة النسوية في لبنان أن الشعور بقلة الحيلة يعزز أيضا ثقافة التبرير الدائم للرجل، فضلا عن غياب دولة القانون إذ لا توجد قوانين تحمي النساء من العنف الجنسي في لبنان، الأمر الذي يجعل الوصم اللاحق على التحدث عن الواقعة بلا مقابل.
وبالرغم من وجود مثل هذا القانون في بلد كمصر إذ يعاقب القانون على جريمة التحرش بالسجن 6 أشهر تصل إلى عام إذا تكررت، إلا أن ثقافة الإفلات من العقوبة كما تقول مي صالح عضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة عرقلت فعالية هذا القانون لسنوات. إذ لا تُعطى الأولوية لقضايا العنف الجنسي ولا يُتعامل معها بجدية حتى عند تقديم البلاغات إلى الشرطة باعتبار قضايا السرقة والإرهاب أهم. كذلك إجراءات القبض على الجناة وملابساتها تسمح بالإفلات من العقوبة.
وأكدت دراسة أجرتها الدكتورة حنان الجندي أستاذة الإعلام بجامعة الأهرام الكندية أن المصريات العاملات في مجال الإعلام أكثر تعرضا للعنف من نظرائهن الرجال مشيرة إلى أن العاملين في مهنة الصحافة يتحملون مخاطر عدة، ولكن الصحافيات خصوصا -لكونهن نساء – يجعل من المشاق التي يواجهنها أثناء قيامهن بمهام عملهن مضاعفة. كما أكدت الشبكة العربية لدعم الإعلام أن أغلب الصحافيات المصريات تعرضن للتحرش الجسدي أو اللفظي كما تم تحديد التحرش الجنسي في أماكن العمل كواحد من أكثر الحواجز المدمرة للنجاح الوظيفي.
وفي سبتمبر الماضي أصدرت عشرات الصحافيات بيان تنديد بتجاهل مجلس نقابة الصحافيين المصريين لشكاواهن التي قدمنها في بيان سابق ومذكرة رسمية، بشأن تكرار التحرش في الوسط الصحافي.
وطالبت الصحافيات بـتشكيل لجنة مستدامة للمرأة داخل نقابة الصحافيين، تضمّ صحافيات عضوات في الجمعية العمومية للنقابة، تقوم على إقرار سياسة لمكافحة التحرش والعنف الجنسي ضد الصحافيات، سواء من عضوات النقابة أو العاملات في المجال من غير النقابيات.
وطالبت الصحافيات بأن تشمل سياسة مكافحة التحرش آليات واضحة للتحقيق وفرض العقوبات، بما يضمن حماية الشاكيات وإخفاء هوياتهن، وهو ما يستوجب أيضا تعديل قوانين تنظيم الصحافة والإعلام ولوائح تنظيم النقابة، لإلزام جميع المؤسسات الصحافية باتباعها”.
جهل بمفهوم التحرش
وتجهل المرأة الصحافية عموما مفهوم التحرش الذي يعرف على أنه إقدام شخص على تصرفات ذات طبيعة جنسية غير مرحب بها من الطرف الآخر، قد تشمل التحرش اللفظي أو الجسدي أو كليهما. ولا يشترط أن يكون المتحرش من الجنس الآخر، فقد يكون من نفس جنس الضحية. والشرط اللازم لتسمية التلميحات أو التصرفات الجنسية تحرشا هو عدم موافقة الطرف الآخر على هذه التصرفات أو التلميحات.
ويعرّف الفصل 226 ثالثا، من المجلة الجزائية التونسية التحرش الجنسي، بأنه الإمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته وأن تخدش حياءه، وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية، أو ممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات.
وتعتقد بعض الصحافيات والصحافيين أن المغازلة أو الملاطفة الصادرة عن زملاء أو من قبل رؤساء في العمل أو من قبل شخصية عامة أو حتى من قبل مواطن، لا تعتبر تحرشا جنسيا بالضرورة. في الوقت الذي تمثل فيه المغازلة أو الملاطفة أبرز مظاهر التحرش، فبمجرد أن تنظر “الضحية” إلى تلك المغازلة أو “الكلام الجميل” أو الملاطفة أو التعامل الجريء أو إقدام الآخر على وضع يده على كتفها أو مسكها من يدها؛ على أنه أمر مزعج وغير مقبول، عندها ودون أي تبرير أو تأويل، يدخل السلوك تحت مسمّى التحرش اللفظي أو الجسدي أو كليهما معا.
ويشير علماء الاجتماع إلى أنه رغم الاختلاف المسجل في المواقف التي تتصل بقضية التحرش الجنسي في مواقع العمل بقطاع الإعلام، فإن هذه الظاهرة بدأت تخرج تدريجيا من دائرة المسكوت عنه، حيث تحولت إلى مادة إعلامية يتم الاشتغال عليها في مختلف الوسائل الإعلامية، ويقع تناولها في شكل قصص حقيقية للتحرش.
كما أن جرأة عدد من الضحايا قد ساهم في نقل موضوع التحرش الجنسي في مواقع العمل خاصة، من مجرد مادة يتم عرضها وتناولها في برامج إعلامية هدفها خلق الإثارة وتحقيق أعلى نسب مشاهدة، إلى قضية تخضع للبحث السوسيولوجي والإحصائي حتى في المؤسسات الصحافية.
وتبقى المشكلة الكبرى في ما يتعلق بموضوع التحرش بوسائل الإعلام والجمعيات هي مسألة الإثبات، حيث إن التحرش الجنسي ليس من الجرائم العادية التي تثبت عبر أدوات الإثبات المنصوص عليها في المجلة الجزائية والنصوص القانونية على غرار شهادة الشهود والاعتراف وغيرها.
وتمثل المعاييرُ الثقافية تحدّيا آخر يعزّز التحيّزَ الجندري في المؤسسات الإعلامية، بالنظر إلى وجود تصورات مجتمعية ترسخ صورة نمطية عن المرأة، والمتمثلة في سنّ زواج المرأة ودورها في العناية بالأولاد وأفراد العائلة.

المصدر: وكالة أخبار المرأة