الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

تقنيات الرد بالكتابة في سرود سعيد عياد ((المهمشون))

نشر بتاريخ: 12/07/2021 ( آخر تحديث: 12/07/2021 الساعة: 19:47 )
تقنيات الرد بالكتابة في سرود سعيد عياد ((المهمشون))

أ.م.د إحسان محمد التميمي

جامعة بغداد / العراق

تنتمي مجموعة القاص (( سعيد عياد )) القصصية الموسومة ب(( المهمشون))، إلى مجال التجريب أكثر من انتمائها إلى القص التقليدي، فهي تنعتق من القوالب الجاهزة للقص لتؤسس منحاها الخاص المنبثق من مضامينها الإنسانية، فهي تزخر بأصوات متعددة تمثل الصراع بين الذات الإنسانية المهمشة بالقمع والمصادرة للحقوق ، وبين الذات الإنسانية المتعالية والمستحوذة على مقادير السلطة ، وهذا الصراع يتجلى أيضا في الشخصيات الرئيسة والثانوية ، المتحركة في مساحة السرد. ولهذا تظهر لنا أصوات القمع الكامنة في (( الوزير ، الباشا ، الشنفري ، الإمام، الجلاد صاحب العمامة السوداء )) يضاف إليهم أدواتهم الذين يصنعون لهم القيادة : إمام الجامع (واعظ السلطان)، الجهل الجمعي وهو بديل الوعي الجمعي، يقابل ذلك ( الفلاح ، المرأة العجوز القوية ، الديك ، نبيلة الطموحة ، خديجة، يوسف المتمرد(الثائر) على تقاليد الأسلاف. ويلحظ القارئ للمجموعة القصصية ترابطها ونسجها المتواصل والمتداعي ، إذ تعج قصصها بأصوات تمثل الصراع بين هاتين الطبقتين، كما تمثل نقدا وإعادة قراءة للذات المهمشة وفهم معمق لجذورها التاريخية والفكرية والاجتماعية فضلا عن النفسية. ولهذا تعد مجموعة ((المهمشون )) القصصية ، تمثيلا حيا للكينونة العربية على نحو عام والكينونة الفلسطينية على نحو خاص. وبخلاف ما عرفناه عن القصة القصيرة التي تحمل صورة أو لقطة عن الحياة، وما تمثله من اختزال في الأحداث والشخوص، والشفافية التي تحملها في حناياها. استطاع الأديب القاص ( سعيد عياد) أن يحمل قصصه لقطات مكثفة من الحياة على نحو احترافي، لا يسمح للقارئ أن يخرج هذه القصص من ربقة فن القصة القصيرة بكونها تحمل قضايا كبرى قد لا تحتملها القصة القصيرة. لكن القاص ( سعيد عياد) استطاع أن يجترح كيانا خاصا لمجموعته القصصية بجعلها (ميسرة أليفة ) على سبيل (السهل الممتنع) ، مع ما تتضمنه من ترميز عالٍ ، وما تمتلكه من جيولوجيا كتابات على حد وصف الناقد الغربي (رولان بارت). استطيع أن أضع ما كتبه القاص ( سعيد عياد) ضمن ما اجترحته في بحوث سابقة كنت قد نشرتها عن الأدب العراقي ، وهو مفهوم ( أدب الحرائق) .

تخوم المصطلح:

يعد مصطلح أدب الحرائق من المصطلحات الجديدة الخاصة بالخطاب الأدبي العراقي على نحو خاص والأدب العربي على نحو عام، فالمصطلح كنت قد اجترحته من قراءات ومتابعات للخطاب الشعري والسردي ، إذ وجدتُ – من خلال هذه المتابعات- أن عددا غير قليل من المتون الادبية هي أدب يؤثث ذاته خارج تلك المؤسسة الثقافية المؤدلجة . فضلاً عن أنها أدبٌ مختلف عن أدب الحرب الخارج من رحم مؤسسة السلطة، ويسعى مصطلح ادب الحرائق لترسيخ قيمة ثابتة وجوهرية وهي انسنة الادب، كما يتضمن ادب الحرائق انساقا جديدة، واساليب وآليات نابعة من صميم التجارب الانسانية (الانفعالية) من خلال رؤية شمولية غائرة في العمق الفكري والتاريخي والادبي للامة، فضلا عن الرؤية الاستشرافية (الرمزية) مما يجعل منه ادبا يحمل الصبغة (التاريخانية الزمانية) فهو الادب الذي يحمل الخصيصتين الحرب وما بعدها، فضلا عن حمله سمة المعارضة والتمرد والمغايرة للسائد والمألوف، وربما يتماس هذا المفهوم مع مفهوم آخر قريب منه ومتضاد معه في الآن نفسه، وربما كانت علاقة العموم والخصوص هي المهيمنة في علاقتهما، وهو (أدب الحرب) الذي يطلق على جملة من المدونات الأدبية أو السرود أو الأشعار الشفاهية التي قيلت ارتجالاً في ساحة الحرب والقتال على نحو مباشر أو على نحو غير مباشر لكنه يتناول موضوعة الحرب أُسّاً له .وربما ينطبق هذا الاتجاه على كثير النصوص الأدبية التي أعقبت الحرب ولكنها تحدثت عن تجربة الحرب على نحو التماس والمشاركة و المشاهدة في الفعل.

وتعد مجموعة ((المهمشون)) انموذجا حياً وحافزاً لذلك المنحى من الادب ،فقد وجد القاص ( سعيد عياد) نفسه محكوما بتجاربه وقراءاته المعمقة التاريخية والدينية ومحنته وصراعه مع سلطات الاحتلال التي تدفعه مع أبناء جيله في أتون الحرب والموت. ولهذا صارت الكتابة السردية الخطاب المضاد الذي استطاع أن يرد به على الحيف والقمع والإقصاء الذي لحق به وبقومه. وقد سعى إلى أن يتوسل بتقنيات عدة تسهم في جعل بنائه السردي متماسكا وملبياً لحاجة المنحى الذي قرر أن يخوض فيه، إذ سعى لتقديم التحولات التي طرأت على المجتمع العربي في مرحلة طويلة ومحتدمة بالصراعات والحروب والتناقضات، ورسوخ مفاهيم بالية ترجح المظاهر الدينية الزائفة على الجوهر الديني الحقيقي الذي يدعو إلى الثورة على مظاهر الظلم والقمع، ولهذا نجح (سعيد عياد) بتوظيف تقنيات جديدة من مثل ( التهكم والسخرية ، والمعادلات البصرية ، وتعدد الاصوات) لرصد تلك الأحداث وفهم التقلبات التي نخرت جسد المجتمع. فكانت مجموعته القصصية بحق تمثيلا حيا لذلك المجتمع بسلبياته ومحاسنه.