الخميس: 24/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

سوبرمان في غزة!

نشر بتاريخ: 23/07/2025 ( آخر تحديث: 23/07/2025 الساعة: 10:05 )
سوبرمان في غزة!

بقلم: د. صبري صيدم

وأخيراً وبعد مخاض عسير تجاوز العشر سنوات، أنتجت هوليوود نسخة جديدة من فيلم سوبرمان الجديد للمخرج جيمس غان، وبمدة عرض وصلت إلى 129 دقيقة مليئة بالمفاجآت. مفاجآت تجاوزت حدود المتوقع لأنها وصفت، حسب النقاد، صورة قطاع غزة وبشكل يكاد أن يصل حد التطابق، دون تسمية غزة بعينها.

الفيلم الذي عرض لأول مرة في الصين قبل أسبوعين، عرض في دول المال قبل أيام بما يشمل أمريكا وبريطانيا وكندا وباريس، وغيرها وصولاً إلى انتشاره الواسع حول العالم مع كتابة هذا المقال.

وفي تقييمه للفيلم كتب أحد الأصدقاء: «ذهبت قبل يومين إلى السينما لمشاهدة فيلم سوبرمان الجديد، خاصة بعد أن شجعني الكثيرون على مشاهدته. بصراحة لم أصدق عينيّ، الفيلم بمثابة توصيف واضح لما يحدث في غزة، وإن لم يذكرها بعينها، لكن تفاصيله كلها تشير إلى المشهد الغزي برمته. ما رأيته لم يحصل في تاريخ هوليوود، فالفيلم يشكل انعطافة قوية في مواقف هوليوود التقليدية التي تمنعت عن دعم فلسطين. أنصح الجميع بمشاهدته».

هذا بالتأكيد ليس دعاية للفيلم، وإنما دليل جديد على تعاظم واضح في مدارس التفكير الإنساني الداعم لفلسطين، حتى لو بالإيحاء، خاصة في مواقع اعتادت على نصرة الرواية الإسرائيلية، بينما يتصاعد التعاطف البشري مع غزة بكامل تفاصيله.

المواقف على تعددها باتت تعبر عن حالة ضيق بحكومة اليمين في إسرائيل، التي ربما تستمر بالاعتقاد بأنها ستتحمل ملامة البشر المتزايدة والمكّثفة وغير المسبوقة، ولمرة واحدة في الحياة في مقابل تحقيق رؤيتها في تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى، القائم على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ونسف وجودهم، وتغيير خريطة الحكم في الشرق الأوسط، والاستيلاء على طرقٍ استراتيجية لتجارتها المستقبلية. طرق تمتد من المتوسط إلى حوران ومعظم الجنوب السوري، وصولاً إلى قاعدة التنف الأمريكية، ومنها إلى الخليج العربي.

كل هذا يقوم على قاعدة أن من لا يستسلم لنزوات حكومة الاحتلال بالتطبيع سيقتلع بقوة السلاح المدعوم بإرادة رسمية أمريكية تسيّد إسرائيل على العالم. وبهذا تتحقق الرؤية الصهيونية القائمة على عقيدة: دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل.

أصحاب هذا المشروع يتسلحون بالقناعة الكامنة في أن تشوّه وجه وسمعة إسرائيل في العالم، جراء جرائمها المتواصلة، يمكن ترميمه عبر جولة علاقات عامة تتبع الحرب، مدعومة بترليونات الدولارات. هؤلاء لا يعرفون، أو أنهم لا يريدون أن يقتنعوا، بأن ظاهرة سوبرمان إيحائية كانت أم فعلية، إنما تعززت أكثر فأكثر في صدور البشرية قاطبة، وهو ما سيزيد من تراكم الأحقاد والضغائن حول العالم، وبصورة خرافية لن ينفع معها مال قارون برمته.

سوبرمان لن يكون وحيداً في تحليقه، فقد يتبعه الرجل الوطواط، والرجل العنكبوت، وطرزان، والرجل الخارق، والقائمة تطول من أباطرة الشهامة الخياليين والحقيقيين.

سوبرمان لن يحل عقدة غزة لوحده، لكنه حتماً سيعزز الطرق على الخزان، ومضاعفة الضغط البشري نحو إنهاء المحرقة والمجزرة والمقتلة والإبادة المرتبطة بحق فلسطين والفلسطينيين والمنطقة برمتها. لقد هبت جموع اليهود المتنورين حول العالم لرفض الحرب وجرائم إسرائيل، وعبّروا عن مواقفهم ومساهماتهم وخطواتهم، بإجراءات عدة عرفها الجميع، إلا أن تحركهم يحتاج إلى التصاعد والتزايد أكثر فأكثر، رغم وصف المتطرفين في دولة الاحتلال وخارجها لهم: باليهود الكارهين لأنفسهم.

الكاره لنفسه هو من يقتل النساء والأطفال والأبرياء، والذي يسحق الكنائس والمساجد، والمدارس والمشافي والجامعات، ويدمر البيوت ويجرفها على رأس ساكنيها، ويقتلع الناس من أرضها، ويزور عواصم العالم ليقنعها بتهجيره المنشود لسكان الوطن الأصليين، ويسوّق لها فكرة استيعابهم ضمن مشروعه الإزاحي الكبير.. فهل يساهم سوبرمان وغيره من الظواهر في تبديل المشهد؟ ننتظر ونرى!

[email protected]