الثلاثاء: 29/07/2025 بتوقيت القدس الشريف

الزراعة في غزة تحت الحصار: سلة الغذاء في مهب الدمار والتجويع

نشر بتاريخ: 29/07/2025 ( آخر تحديث: 29/07/2025 الساعة: 21:31 )
الزراعة في غزة تحت الحصار: سلة الغذاء في مهب الدمار والتجويع

غزة- معا- سعدية عبيد- في ظل حرب شرسة، لا يبدو أن الأرض في قطاع غزة قادرة على التنفس، إذ تواجه الزراعة – العمود الفقري للأمن الغذائي الفلسطيني – تدميراً ممنهجاً جعل من لقمة العيش حلماً، ومن البذور أمنية بعيدة المنال.

يقول محمود فؤاد مصبح، رئيس مجلس إدارة الجمعية الزراعية التنموية ورئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة الوسطى: "نحن على استعداد للتعاون مع أي جهة محلية أو دولية تقدم يد العون لدعم القطاع الزراعي، الذي يُعد سلة الغذاء الفلسطينية، وحجر الزاوية في صمود الإنسان الفلسطيني في وجه سياسات التجويع والحصار".

ورغم الجهود التي تبذلها الجمعية الزراعية في قطاع غزة لتحديد احتياجات المزارعين ووضع الخطط للنهوض بهذا القطاع، إلا أن التحديات الكارثية ما زالت تعصف بكل ما تبقى من أمل. فإغلاق المعابر ومنع دخول الموارد، إضافة إلى السيطرة الإسرائيلية على مساحات واسعة من الأراضي، كلها عوامل عمّقت الأزمة.

كارثة زراعية شاملة

الوضع الراهن يصفه المهندس ياسر العويدات، رئيس لجنة طوارئ المحافظات الجنوبية في وزارة الزراعة، بـ"النكبة الزراعية"، مشيرًا إلى أن غزة كانت تضم قبل الحرب نحو 70 إلى 80% من مساحتها كمناطق زراعية. لكن اليوم، لم تتبقَ سوى 6% من تلك الأراضي صالحة للزراعة، وفق تقارير منظمات دولية.

وقال العويدات إن الاحتلال دمّر المحررات الزراعية والمزارع الحدودية، مما أفقد القطاع الاكتفاء الذاتي، وأجبره على استيراد الخضروات لتلبية الطلب المحلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

وأضاف: "الاحتلال لم يكتفِ بالدمار، بل يحاصرنا عبر منع إدخال البذور والأسمدة وأغطية البيوت البلاستيكية، مما يهدد بفشل الموسم الزراعي الجديد".

دمار في قطاع الإنتاج الحيواني

وفي سياق متصل، يؤكد المهندس عادل عبد الحميد البلبيسي، من قسم الإنتاج الحيواني، أن قطاع الدواجن تعرض لانهيار تام، حيث اختفت اللحوم البيضاء والبيض من الأسواق بعد استهداف الفقاسات والمزارع.

وقال البلبيسي: "كنا ننتج ما يكفينا من لحوم وبيض، أما الآن فكل شيء دُمر. حتى مشاريع لم تُفتتح بعد، دُمّرت بالكامل".

محاولات للنهوض رغم الرماد

وفي ظل هذا الدمار، تواصل الجمعية الزراعية جهودها لإعادة إنعاش القطاع. وقال الدكتور ناهض حماد، مدير برامج المشاريع في الجمعية، إن الجمعية وقّعت عدة اتفاقيات شراكة مع مؤسسات دولية لتقديم دعم مباشر للمزارعين، خاصة من يملكون حيازات صغيرة.

وأوضح أن من بين المشاريع إنشاء مشتل زراعي، وتنفيذ مبادرات للزراعة المنزلية، تهدف إلى مساعدة الأسر المتضررة على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

شهادة من أرض الواقع

المزارع سعيد سليم أبو سليم، من دير البلح، يُجسّد مأساة المزارعين الغزيين. فقد أرضه الزراعية البالغة 40 دونماً مرتين، آخرها خلال العدوان الأخير، حيث تحولت بيوت البلاستيك المزروعة إلى ركام، بعد أن كانت مصدر دخله الوحيد.

وقال بحسرة: "تكبّدت خسائر تفوق 20 ألف دينار، ولم أتلقَ أي دعم، لا من الجهات الرسمية ولا الدولية. انتظرت عشرين سنة بعد دمار 2000، ولا يزال الانتظار مستمراً".

وأشار إلى أنه اضطر في وقت سابق لبيع جزء من أرضه الخاصة لتمويل إعادة تأهيل ما تم تجريفه وتدميره ، وحفر بئر جديد، وبناء البيوت البلاستيكية، لكنه اليوم عاجز تمامًا عن إعادة الإعمار في ظل ارتفاع التكاليف وانعدام المساعدات.

واختتم قائلاً: "أحيوا المزارع لا تميتوه.. من دون دعمكم لا يمكنني النهوض مجددًا".

الزراعة تُحتضر والأمن الغذائي في مهب الريح

ما يحدث في قطاع غزة ليس مجرد تدمير لمزارع أو أراضٍ زراعية، بل هو استهداف ممنهج للأمن الغذائي الفلسطيني الغذائي، إن ما تتعرض له الزراعة اليوم هو محاولة لتجفيف منابع البقاء، وتفكيك قدرة الفلسطينيين على الاستمرار و الصمود.

وختم المهندس محمود مصبح حديثه: "ما يجري اليوم هو شهادة وفاة للقطاع الزراعي، تتحمل مسؤوليتها آلة الحرب والقتل الإسرائيلية. نحن بحاجة ماسة إلى تدخل عاجل يعيد الحياة إلى هذا القطاع قبل فوات الأوان، وبحاجة إلى تضافر كل الجهود كي نعيد للزراعة نبضها من جديد."