الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

حل السلطة الفلسطينية ام إعلان الاستسلام؟! /بقلم: محمد مشارقة - لندن -

نشر بتاريخ: 20/03/2006 ( آخر تحديث: 20/03/2006 الساعة: 16:57 )
بنزق وانفعال طالب بعض السياسيين والاكاديميين الفلسطينيين باستقالة الرئيس المنتخب محمود عباس ، وزاد بيان لنشطاء وقادة ميدانيين من حركة فتح بالمطالبة بحل السلطة وعودة الاحتلال ليواجه الشعب قدره دون واجهة وهمية تدعى السلطة الوطنية ، التي تحولت بنظرهم الى مايشبه" خيال المآتا".

ودون دخول في تحليل اسباب وتداعيات المشهد المذل المريع لرجال الامن في مقاطعة اريحا وطريقة اختطاف احمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية ورفاقه ، ينبغي الذهاب الى ما ابعد من الصورة والبحث العميق في سؤال ، هل قررت اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا انهاء السلطة ، هل ما جرى هو الترجمة الواضحة لحديث كونداليزا رايس حول استراتيجية الفوضى البناءة التي باتت براي بعض المحللين الاستراتيجية الامريكية الحالية للمنطقة .

وامتدادا لذلك ينبغي الانتباه جيدا الى ما يقوله علنا احد مستشاري البيت الابيض لشؤون الشرق الاوسط , روبرت ساتلوف الذي يتحدث صراحة ومنذ ما يزيد على عقدين من الزمن عن أولوية الخيار الاردني ،وعدم اهلية الفلسطنيين لبناء دولة .

ونضيف لدعاة حل السلطة ان خطة ايهود اولمرت ضم ما يزيد على ستين بالمئة من مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل ، تعني تماما ترك الكتل السكانية الكبرى لكيان يضبط الامن ويمنع الارهاب ، واذا ما عجز عن هذه المهمة الامنية فان الضم الى الاردن هو الحل المثالي للدولة العبرية ومستقبلها.

من يرغب من الفلسطنيين بحل السلطة يقول صراحة ان الفلسطينيين شعب غير مؤهل لحكم نفسه ، ويجب ان يبحث عن وكيل لاسرائيل ليحكمه . ويغلف هؤلاء دعواهم بستار من الافكار فوق العروبية وفوق القومية وتارة اخرى باسم الدين الواحد ، وكاننا مرة اخرى امام مؤتمر اريحا جديد ، الذي استكمل المشروع الصهيوني باقامة الدولة اليهودية والحاق ما تبقي من الارض الفلسطينية بامارة شرق الاردن ، حين امطرنا فرسان تلك المرحلة مطلع الخمسينات بذات العدة السياسية والفكرية.

لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا لاستعادة هويته الوطنية واستقلالية قراره ، ونحو نصف قرن من المقاومة ، والصراع مع النظام العربي العاجز والتابع والمتواطيء مع المشروع الاستعماري الصهيوني.

من الغرابة بمكان ان تعود بعض الاصوات التي تتلحف بالشعار القومي والتقدمي ، الى المطالبة بالتخلي عن انجاز تاريخي يتصل بالمشروع الوطني والهوية على ضآلة هذا الانجاز ، والعودة الى التشكيك بحق الشعب الفلسطني في تحديد خياراته ومستقبله في الاستقلال وبناء دولته المستقلة ، وكأن المدن الخليجية التي تتحول الى دول مستقلة في العصر المعولم حلال عليها اما فلسطين فحرام عليها الحرية ولا يليق بها الاستقلال.

لن يفرح فرسان الجملة الثورية دعاة حل السطة ، باحراج اسرائيل وتوريطها في شرور ولا أخلاقية الاحتلال ، لان ما ترغب اسرائيل في رؤيته هو مقاول يتسلم مهام أمنها ويوافق على ابتلاع اكثر من نصف الضفة الغربية والحوض المائي ونسيان القدس وقضية اللاجئين ,مقاول محلي من عصابات الشوارع والازقة او اقليمي لا فرق ، المهم ان ينجح فيما عجزت عنه السلطة.

المطلوب هو التمسك بالسلطة بعد اعادتها الى الشعب ، واعادة النظر في مفهوم الوزارة والادارة الحكومية ، واعادة الاعتبار للمناضلين في الاجهزة الامنية والشرطية و العسكرية ، وتحويل دورها وامرها اليومي الى حماية الشعب ومصالحة وممتلكاته ، وكذا اعادة بناء الحركة الوطنية على اسس القواسم المشتركة التي تؤمن صمود الشعب والتوافق على اساليب المقاومة العنيفة والسلمية ,استنادا الى قدرة الشعب على الاحتمال وحتى لا يكون عرضة لبطش الاحتلال وتغول آلته العسكرية .

المطلوب ليس حل السلطة بل تحويل مفهوم السلطة من ادارة بيرقراطية فاسدة الى ادارة شعبية مبدعة ، لان سلطتنا العتيدة لم تبدع غير تقليد نموذج السلطة العربية الرديئة ,وانشأت هياكل ادارية لدولة مستقلة فعلا وليست تحت الاحتلال الفعلي.

مطلوب اعادة بناء السلطة تحت الاحتلال بكل ما يتطلبه ذلك من اجراءات وادوات وآليات عمل وسلوك وبنية قيمية واخلاقية منظمة بقوانين وتشريعات تعيدها الى الارض ومن عليها من بشر ،بنية تبدا ولا ينتهي عند تغيير مفهوم ودور الموظف الحكومي وطرائق وامكنة العمل ، وتحرم استخدام الموقع الوظيفي والمال العام لاغراض شخصية ، وفي السياق تخفيض رواتب الوزراء والمدراء العامين وكبار الضباط وسحب كل امتيازاتهم من سيارات وبيوت فارهة ، بما في ذلك التنسيق الامني مع الاحتلال لتامين تنقل كبار رجال السلطة.

مطلوب اعطاء القدوة والمثال في العمل المنتج وتواضع الملبس والمسكن وطرائق العيش ،فالتجربة الحية دللت على ان احد الدوافع الاساسية التي حكمت طريقة التصويت لاختيار نواب الشعب في الخامس والعشرين من يناير الماضي ، كان تأييدا للتواضع والزهد والبساطة ، وعقابا للفجور والبذخ والفساد واصحاب الامتيازات.

ان مهمة القوى والاحزاب الفلسطينية اليوم واكثر من اي وقت مضى هو التمسك بالبوصلة الوطنية والانشغال الجدي لانقاذ القضية الفلسطينية من مخطط التصفية والالحاق والتذويب مجددا ، وذلك بالعمل ليس لحل السلطة بل تعديل مسارها واجبار فصائلها على التوحد والعمل المشترك.

فحماس كغيرها من حركات الاسلام السياسي لا تملك غير الاعتراض النبيل والشجاع على الغطرسة والظلم ،كما لا تملك غير مشروع الاستشهاد المحمل بالرموز ، لكن ذلك لا يصنع سياسة بمفرده ،خاصة اذا تعلق الامر بموضوع احتلال استيطاني ، والطريق الوحيد للنجاج كما دللت التجارب المشابهة تكمن في قدرته على صنع حلف وطني واسع يضم الجميع ، من الشيوعيين الى القوميين والليبراليين ،من اجل ازالة الاحتلال وتعزيز الصمود الوطني ،واعطاء الامل والنموذح على ان الوحدة والصمود يمكن ان تعبد الطريق نحو الانتصار ، فالاحتلال والتسيد الامريكي على العالم ليس ابديا او قدرا محتوما على العالم ، والصراع اليوم لم يعد على الحقوق الفلسطينية بل على مضمون هذه الحقوق ، وكما يقال " الفوز صبر ساعة ".