الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

طاسة وضايعة..سبحانك ربي/ بقلم : محمد عبد النبي اللحام

نشر بتاريخ: 21/03/2006 ( آخر تحديث: 21/03/2006 الساعة: 17:03 )
في العهد التركي اعتاد الناس رؤية رجال الدولة وهم يعتمرون طاقية حديدية تسمى الطاسة عند الناس في بلادنا ويجبون منهم الضرائب ونسبة الدولة من المحصول ,وياخذون الشبان للعسكرية, ويصادرون الاغنام والمواشي, ويقومون بالعديد من الاجراءات وبعد حين اصبح يصل للقرى رجال يدعون انهم من الدولة ولكنهم لا يعتمرون ( الطاسة ) وعندما يتجرأ البعض ويسألهم اين (الطاسة) فإن اجابتهم تكون ( ضاعت الطاسة ) ويأخذون الضريبة ومحاصيل الناس رغم غياب الطاسة !!! ....

ويبدو ان الطاسة ضاعت في العهد التركي وعادت لتضيع في يومنا هذا حين اختلطت الاوراق وتداخلت الالوان حتى اصبح المشهد ضبابي والرؤية محدودة.

منذ عام 1994 وحتى الانتخابات الاخيرة كانت حركة فتح تحكم البلاد بلا حسيب او رقيب وكان لها نجاحات ومثلها اخفاقات ومن يمتلك الميزان له الحق ان يرجح الكفة التي يريد، وفي 25 - 1 - 2006 قام الجمهور الفلسطيني بجلد حركة فتح بكرباج صناديق الاقتراع التي علٌمت على جلدها حتى اسقطتها من الحكم وجاءت حركة حماس المنتشية بنصر كبير وبمقاعد تشارف على الثمانين.

والى هنا فالحكاية طبيعية ..... ولكن غير المفهوم كان اصرار حركة حماس على الابحار وسط امواج متلاطمة ورياح عاتية تشهدها الساحة فإذا كانت خطة فتح للحوار تكتيك وهي حاسمة امرها مسبقاً بعدم المشاركة في الحكومة الا ان الجبهة الشعبية لم تكن كذلك بل كانت قاب قوسين او ادنى وعديده هي الايماءات والايحاءات التي اشارت لامكانية مشاركتها وكالمثل مصطفى البرغوثي وحتى البديل والطريق الثالث، فإذا كانت فتح تناور فقط فهل البقية كذلك ؟؟ واذا كانت امريكا ضغطت على كتلة معينة فهل جميع كتل الشعب الفلسطيني امريكية ؟؟ ...

اسئلة كثيرة تدفع الكرة بإتجاه ملعب حماس للاجابة على هذه التساؤلات التي قد توصلنا لاستنتاج ان حماس هي التي كانت تناور وتتكتك مع موقف مسبق بتشكيل حكومه منفرده ، فالمطالب الاربعة التي كانت حجر الزاوية في الحوار بين حماس والفصائل لم تكن لتشكل عائق حقيقي وكان بالامكان تجاوزها لولا العقلية السائدة حتى اللحظة في المنهجية الفكرية لدى حماس والمتمثلة في الغاء الآخر وكتابة التاريخ من حيث هي فقط دون الآخرين .

فكيف لحماس ان لا تعترف بمنظمة التحرير بعد ان قدمت المنظمة عشرات الآلاف من الشهداء في سبيل اعتراف العالم العربي والغربي بها كممثل للشعب الفلسطيني ، فالمنظمة موجودة قبل فتح والشعبية وكل الفصائل الموجودة على ساحة الفعل الوطني والتي عملت على تعزيز دورها في قيادة الشعب الفلسطيني في الوطن واللجوء .

وفيما يتعلق بوثيقة الاستقلال ورفضها من قبل حماس فانه يعني رفض حماس لانجاز وطني وحدوي كان ثمرة الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 حين اجمعت الفصائل الفلسطينية على هذه الوثيقة التي خطها الشاعر الكبير محمود درويش لتكون مرجعية سياسية لاي حالة تفاوضية لما تحتوي من ثوابت ومفاهيم وتأكيدات على حقوق شعبنا في دولته واستقلاله وسيادته وحريته .

والامر الثالث الذي رفضته حماس كان الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية التي تصون حقوق الشعب الفلسطيني ونحن الذين نطالب دوماً بتطبيق قرار 194 و 181 وغيرها من القرارات والغريب ان موضوع الاتفاقيات السابقة لم يشكل حالة خلاف كما صرح صلاح البردويل الناطق بلسان كتلة حماس في التشريعي حين قال سنجد صيغة مناسبة لتجاوز هذه النقطة !! ....

كل هذا يدفع المتتبع للاستغراب والاستهجان من ادارة حماس للحالة الداخلية والتي تدل على عدم استيعابها للآخر رغم ان العكس اصبح امراً واقعاً فقد استوعب الجميع وجود حماس في دفة القيادة رغب في ذلك ام لا .

وحاولت حماس تسويق مطالبة البعض لها بالاعتراف باسرائيل مع ان عزام الاحمد نفى ذلك ومثله فعل الطيب عبد الرحيم والذي يرفضه ايضا المنطق السياسي ولنشد على يدها في ذلك لمحاولت تحقيق مكاسب سياسية للجولات القادمة.

واظهرت حماس فلسفتها في الالغاء حين حاولت ان تظهر خروج الجيش الاسرائيلي من غزة على انه انجازها لوحدها وذهبت للاستعراضات التي راح ضحيتها العشرات من الضحايا واكتظت مواقعها الالكترونية بعدد العمليات وعدد الشهداء اوهي لا تدري ان عدد العمليات اليومية التي شهدتها الارض الفلسطينية عام 1970 و 1971 كان حوالي 270 عملية فدائية لحركة فتح لوحدها !! ومئات العمليات للجبهة الشعبية بقيادة محمد الاسود (جيفاره غزة)-
في قطاع غزة والم تسمع في عمليات الجبهة الديمقراطية و القيادة العامة والنضال الشعبي وجبهة التحرير العربية والفلسطينية ونضالات فدا وحزب الشعب وغيرها من الفصائل .

... كما ان تصوير زيارة رئيس مكتبها السياسي السيد خالد مشعل لموسكو على انه انجاز سياسي دبلوماسي لا يجاريه انجاز او هي لا تدري ان الرئيس الراحل ياسر عرفات كان هناك قبل 37 عاما وعندما كانت موسكو موسكو ...وما الاكثر الحاحا الان تسويق القضية الفلسطينية ام تسويق فصيل!!

فهل الموقف من منظمة التحرير سيتغير عندما تسيطر عليها حماس ؟؟ فالسلطة الفلسطينية كانت خيانة وعار حين رفعت حماس شعار صوتك خيانة في انتخابات عام 1996 ليصبح صوتك امانة في عام 2006 وبقدرة قادر سبحانك ربي !! فهل كنا بحاجة لعشرة اعوام لاكتشاف الفرق ما بين ( الامانة والخيانة ) وهل عدم دخول فتح الحكومة هو استمرار لمسلسل مؤامراتها على الشعب الفلسطيني كما تدعي حماس وهل الشعبية وباقي الفصائل جزء من فصول المؤامرة ؟؟ وهل حماس بحاجة لفساد فتح ؟؟ ولماذا لا تترك فتح للملمة جراحها وتنظيفها من الاوساخ قبل وضع الادوية عليها ؟؟ وهي التي رفضة دعوات فتح المتكررة للشراكة فيما سبق.. سبحانك ربي.

وشاهدنا عبر مواقعها الالكترونية كيف خونت عبدالله الافرنجي ومحمد دحلان والرجوب واخيراً عزام الاحمد ، حتى طال ذلك ياسر عبدربه ووصل النقد الى الشعبية لانها لم تشارك في الحكومة وكذلك الاعلانات مدفوعة الاجر التي تخوٌن وتشكك في نزاهة لجنة الانتخابات المركزية التي كرمتها حماس قبل اسابيع على دورها الذي اصبح نزيها ومتميزا بعد ان فازت بها !! والملاحظ على اسلوب حركة حماس في الرد على الانتقادات الذي يصل حد التجريح والتخوين والطعن والتشكيك والاتهامات بالتزوير في صناديق القدس يوم الانتخابات وعند النتائج اصبحت العملية الانتخابية هي الافضل على مستوى العالم بالنسبة لحركة حماس ... سبحانك ربي !!

حتى البداية البرلمانية التي اصرت حماس على اظهار الاستقواء والاستعداء والاستعلاء من خلالها حين استعرضت العضلات وكأن تحرير فلسطين يبدأ بإبراهيم خريشة وموضوعه قابل للحل على فنجان قهوة في مكتب د. الدويك وتوفير تلك المعركة لامور اكثر تعقيداً واهمية.

مع الاحترام الشديد لسلوك نواب فتح الحضاري والمتمثل بالانسحاب والتوجه للقضاء والذي عابه البعض عليهم لنتساءل وما المطلوب منهم ؟ ان يصفقوا او يخرجوا ويرجموا الحجارة على المجلس !! ...

فحركة حماس خرجت كذراع مقاوم لحركة الاخوان المسلمين التي استكانت ستة عقود دون ان تحرك ساكن في طرد المحتلين عن ارضنا ، لتقف اليوم وهي تمتلك مقاليد الحكم مع الرئيس محمود عباس لما قدمته من شهداء وجرحى واسرى ومبعدين على درب المقاومة في سبيل التحرير ليجد الناخب الفلسطيني ضالته بها حين عجزت فتح في كسب صوته.

فهل الطاسة في غزة ام رام الله ام دمشق ام طهران ام واشنطن ؟؟ وقبل ان نجد الطاسة على حماس ان تدرك حجم المصيبة التي نحن بها كشعب فلسطيني وهي كقائدة لنا حين تعرف ان فتح انطلقت لتحرير فلسطين عام 1965 وحماس اليوم 2006 مطلوب منها تحرير المقاصة من اسرائيل .. .... فان التاريخ النضالي ليس قفزات في الهواء بل هو جملة تراكمات تستند الى التواصل حيث يكمل الواحد الآخر ولا يلغي الواحد الآخر.