الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

محاولة فهم: لماذا انفردت حماس بالحكومة/د. سلمان محمد سلمان

نشر بتاريخ: 21/03/2006 ( آخر تحديث: 21/03/2006 الساعة: 20:31 )
كل يدعى الحرص على الوحدة وان الآخر من أفشلها - والسؤال من افشل الوحدة وهل من الممكن تحقيقها أصلا. محاولة لفهم المواقف الحزبية المختلفة.

مواقف حماس:

كما تصرح طوال الوقت- تعتبر حماس ان موقفها المتمسك بالثوابت المدرجة ضمن برنامجها الانتخابي يلزمها عدم التنازل عنها أو تعديلها لان ذلك خيانة لعقد الناخبين وفي هذا حماس على حق: فلا يعقل ان تعترف حماس بقضايا تتناقض مع صلب برنامجها السياسي أو الانتخابي أو الايدولوجي- وإذا تبين ان الشعب لم يقصد إعطاء الثقة لحماس لتمسكها بالموقف السياسي وإنما لإصلاح الفساد في السلطة كما يطرح الآخرون يستطيع الشعب إسقاطها في المرة القادمة. وهذا اساس معنى تداول السلطة بالانتخابات.

من الصعب مطالبة حماس بتغيير جوهري في مواقفها الأساسية: وهذا يشمل الاعتراف بإسرائيل أو الالتزام بالقرارات الدولية أو الاتفاقات الموقعة سابقا مع ان ذلك يبدو متناقضا مع مبدأ الالتزام بالقائم.

لكن من قال ان الحكومات تلتزم عادة باحترام القائم فعلا. ان الحكومات في العالم تغير مواقفها الداخلية من خلال سن قوانين جديدة ربما تقلب القائم. وبخصوص الخارج تعمل على التنصل من الاتفاقات السابقة التي لا تخدم مصالحها العليا ولكن عليها دفع الثمن لذلك.

ببساطة يمكن لحماس ان ترفض القائم وعليها ان تبرر لماذا لا تريد الالتزام وأن تتحمل نتيجة ذلك هي والشعب الذي انتخبها.

لكن السؤال هل موقف حماس رافض فعلا لهذه الدرجة:

في الحقيقة لا يبدو كذلك. فهي تقول ان إسرائيل فرضت اتفاقات مجحفة بالشعب الفلسطيني ونحن ندفع ثمن الالتزام بهذه الاتفاقات وليس ثمن عدم الالتزام فوق ان إسرائيل غير ملتزمة بها.

وحماس تقدر ان الالتزام الشامل والمسبق برزمة الاتفاقات كمبدأ يمثل تنازلا جوهريا في الدفاع عن الثوابت الفلسطينية التي يطرحها الجميع. ويبدو ان حماس محقة في مواقفها المتعلقة بالاعتراف بالقائم أو العلاقة بإسرائيل.

القضية الأخرى التي تثار ضد حماس تتعلق بالشرعية الفلسطينية. من المرجعية؟ وما دامت حماس قد وصلت للحكم بناء على نظام قائم فعليها الالتزام به ولا يحق لها عدم الاعتراف به.

والأمر يتعلق بالقانون الأساسي للسلطة وبمرجعية منظمة التحرير أو وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني. وفي هذا لا يحق لحماس رفض المبدأ ولكن لنحاول فهم الموقف الفعلي لحماس.

بخصوص النظام الأساس:

يجب الالتزام بالنظام ويبدو ان حماس ملتزمة به فهي تجتمع في التشريعي وتشكل الحكومة حسب التعليمات وعليها الاستمرار بذلك - السؤال هل الالتزام بالقانون الأساس يعني فقدان الحق في النقد لهذا النظام أو في محاولة تغييره باليات التغيير المندرجة ضمنه. الأصل ان من حق أي فصيل العمل على تغيير النظام ولكن بالوسائل القانونية.

ويبدو ان حماس تريد فعلا تغيير الكثير من البنود في النظام ولكنها ان مارست ذلك حسب النظام فلا يمكن رفض موقفها. وقتها يصبح رفض موقفها ناجم عن رفض موقفها السياسي( وليس التزامها القانوني).

ما هي الأسس التي لا تريد حماس الالتزام بها. ربما اوسلو نفسه والرد عادة هو ما دامت اوسلو شرعية السلطة فلا يمكن لأحد رفضها. وهذا منتهى الهراء.

السلطة كما تم تأسيسها كانت دخيلا على الشعب الفلسطيني وفرضت عليه الى درجة كبيرة بسبب ظروف دولية وداخلية ولم يستفت الشعب الفلسطيني عليها فعلا. وتم تجاوز الكثير من الأصول لجعلها شرعية وليس هناك شرعية وطنية أو نضالية لأسلو- ولا يجوز حتى للموقف الدولي ان يعطيها الشرعية (مع العلم ان العالم لم يعترف باوسلو قرارا دوليا وإنما قبل اوسلو اتفاقا ثنائيا بين طرفين). وهذا يبقي اصل الشرعية بحق الشعب في الرفض أو القبول. وحماس رفضت اوسلو أصلا ومن حقها ان تعمل على إلغائه ان استطاعت.

لكن السؤال الأهم وماذا عن الاعتراف بالمنظمة:

المنظمة اكتسبت شرعية دولية نضالية على مر العقود الماضية والسلطة ناتج عن اتفاق جائر فرض عليها. والسلطة تمثل نوعا من الناتج المشوه ويحمل ضمن تركيبته إمكانية العقوق لمنتجه.

وقد كان الهدف الأساس من قيام السلطة من وجهة نظر إسرائيل على الأقل - ان تكون بديلا للمنظمة لان كونها بديلا سوف يلغي حقوق الشعب الفلسطيني في الشتات ويلغي حق العودة ووحدة الشعب الفلسطيني.

لذلك فان شرعية المنظمة تحمل صفة الشرعية النضالية والتاريخية والسياسية والقانونية ولا يعقل ان يتم الطعن بها.

ما الذي تطرحه حماس إذن: هل تريد حماس فعلا إلغاء شرعية المنظمة- إذا كانت كذلك فليس من حقها أبدا وان عملت عليه تكون متساوقة مع أهم هدف إسرائيلي للحل السياسي وهو شطب حق العودة. بذلك تكون حماس قد تخلت عن ثابتها الأساس فهل يعقل ذلك.

ريما التفسير ان حماس لا تعترف بشرعية القائم من المنظمة لان كافة اطر المنظمة قد فقدت شرعيتها فعلا منذ سنوات. فالمجلس الوطني والمركزي والتنفيذية لا تحمل الصلاحيات وفقدت حقها بالحكم.

ومن أوصل المنظمة لهذه النقطة هو نفس السياسية القائمة على شطب المنظمة بهدف قيام السلطة القابلة للاستمرار مع إسرائيل.

إذا كان مطلب حماس هو إعادة الشرعية لأطر المنظمة من اجل الاعتراف بها فذلك جيد ولكن هذا لا يمنع ان ينص برنامجها عليه بصراحة. ويمكن لحماس ان تعلن أنها مع شرعية كيان المنظمة ولكنها تربط اعترافها بالأطر القائمة بإعادة انتخابها دون فقدان شرعية المنظمة نفسها. ان رفضنا لشرعية حكومة منتهية المدة القانونية لا يلغي شرعية القوانين والشعب.

أما إذا كان المقصود رفض قوانين المنظمة لأنها لا تتناسب مع مبادئ حماس فهذا ليس من حقها لان الطريق القانوني للتغيير الداخلي هو الاعتراف بالمنظمة إطارا قانونيا والنجاح في ان تدخل ضمنه وتحصل على وزنها الحقيقي به ومن ثم يمكنها العمل على تغيير ما تستطيع حسب النظام.

ربما حماس تجيب ان هذا ما تريد فعلا لكنها لا ترى أية آلية ممكنة لإعادة التشكيل تضمن به وزنها. وتبرر ذلك بان ما يطرح للمجلس الوطني القادم سيكون مكونا من الأعضاء الحاليين بعد استبدال أعضاء التشريعي المنتخبين مع إبقاء الآخرين وهذا يجعل حصة حماس اقل من وزنها الفعلي.

إذا كانت هذه المشكلة فالحل مختلف ويمكنها وضع تصورات واليات لكيفية إعادة التشكيل ويمكنها التحفظ على شرعية قرارات الأطر القائمة في المنظمة قبل إعادة التشكيل ولكن ذلك لا يطعن في شرعية المنظمة كيانا معنويا اعتباريا أو قانونيا.

على حماس ان تكون أكثر وضوحا بهذا الأمر وإذا ظنت حماس أنها تستطيع إعادة تشكيل منظمة جديدة بأسس جديدة ترتكب خطيئة مميتة لها ولحقوق الشعب الفلسطيني. من حق حماس ان ترفض ما تريد ضمن قانون المنظمة لكن عليها ان تلتزم به ما دام المرجعية.

الطرح الآخر من حماس ربما كيف يمكن مطالبة حماس بالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا بينما هي حماس لا تمثل به وكيف تصبح شرعية حماس إذن - هذا التحفظ غير مبرر لسبب بسيط وهو ان عدم تمثيل فصيل من الناحية المبدئية في حكومة ما أو مجلس ما لا يلغي عضوية التنظيم أو الفرد من الشعب. فعدم تمثيل الجهاد الإسلامي مثلا ضمن التشريعي أو عدم تمثيل حماس في مجلس 1996 لم يلغ مواطنتهم وهذا هو المستوى في شرعية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني.

وأذن تبقي نقطة الاعتراف بالمنظمة الأساس الرئيس الذي على حماس توضيح موقفها منه للشعب بلغة غير قابلة للتأويل.

موقف فتح:

معظم ما طرحته كتلة فتح تعلق بالاتفاقات القائمة ووثيقة الاستقلال ومستوى المشاركة.

ومن تحليلنا السابق لا يبدو ان لفتح نقطة قوية غير تمثيل المنظمة. وما عدا ذلك تعتبر معظم النقاط التي طرحتها فتح منافية لموقفها التاريخي أو للمنطق الديموقراطي في الاداء.

يبدو ان موقف فتح متأثر بالصدمة الناجمة عن الهزيمة وعدم القدرة على الاعتراف أنها لا تمثل الأكثرية. فقد تعودت فتح ان تكون الأغلبية وفي معظم الأحيان الأغلبية القادرة على وضع وسن وتغيير القوانين.

وتعودت على شمولية تمثيلها وعلى سيطرتها على المال والسلاح وهي أسس حقيقية للشرعية تتجاوز الشرعية القانونية.

وتعتقد فتح ربما أنها لم تفقد الكثير من هذه الأسس أصلا بل ان خسارتها للتشريعي لا تعني فعلا أنها لا تملك الأغلبية لأنك لو أضفت المستقلين ففتح تملك الأغلبية. وهذا يفسر التمسك الشديد داخل قيادة فتح بتحميل مسئولية الفشل على المستقلين.

المشكلة ليست هكذا:

مشكلة فتح الرئيسة هي في انقسامها من الناحية السياسية بشكل غير قابل للتأويل أو الجسر- هناك تيار رئيسي في فتح له قواعد واسعة لم يعترف باوسلو أصلا وموقفه السياسي رفض السلطة وهو اقرب لمواقف حماس السياسية من مواقف فتح الحاكمة.

وكان ذلك واضحا على المستويات العليا والدنيا. ولعل أهم أسباب تمزق فتح وصراعاتها الداخلية ترجع لهذه المسالة.

فمهما كان مستوى المصالح الخاصة إلا أنها لا تكفي لتفسير الاصطفافات الصراعية داخل فتح. وعليه فهزيمة فتح هي تعبير عن عدم قدرتها على حسم نفسها بحجمها الكامل باتجاه تيار الحل أو التيار المقاوم.

وقد استطاعت قيادات تيار الحل في المرحلة السابقة التحكم بالشرعية القانونية لأنها لم تخض أية انتخابات بالمعنى الشعبي الحقيقي إلا عام 2006

لو حاولنا تقييم تيارات فتح فهناك تيار يتبنى اوسلو وما يتبعه وهو مدعوم بالامكانات المادية والدولية لكنه يفتقد الدعم الشعبي الكافي أو الالتفاف الحقيقي والواسع من فتح نفسها.

وقد حاول بعض متنفذي هذا التيار إقصاء المخالفين داخل فتح ونجحوا في ذلك الى درجة كبيرة. وهزيمة الانتخابات هي تعبير عن مقدار نجاحه في إقصاء التيارات الأخرى. وكلما استطاع تأصيل نفسه وطرد التيارات الأخرى داخل فتح فسوف يصبح اقل حجما حتى يصبح تيارا ثانويا صغيرا.

ويدرك بعض دهاقنة هذا التيار ان الإصرار على الإقصاء الشديد ستكون نتيجته انكشاف حجم هذا التيار لذلك يفضلون ان تظل المسالة عائمة وغير محسومة.

مشكلة فتح تتمثل في تعريف موقفها الحقيقي ولا يمكن لفتح الاستمرار في حمل النقيضين. وعليها ان تحسم موقفها بوضوح وان يتم الحسم الديموقراطي داخلها بناء على طرح واضح للمواقف المتباينة. ولا يعقل ان يستمر التخفي بشعارات وحدة فتح بينما يتم التدمير الداخلي لكل ما تمثل.

لن تنجح فتح في حسم المستقبل الفلسطيني طالما لم تحسم موقفها السياسي.

مواقف القوى الأخرى:

مع ان تمثيلها التشريعي قليل ولبعضها غير موجود إلا أنها تمثل طبقات وشرائح اجتماعية نشطة وفعالة. ومن المعروف تاريخيا ان هذه القوى تمتلك مهارات وعلاقات تجعل وزنها الحقيقي اكبر من وزنها الجماهيري.

ومع الاحترام الكامل للوزن الانتخابي إلا ان مراعاة هذه الأطر النخبوية في طبيعتها يتطلب إعادة تقدير لحجمها التاثيري.

التقدير ان موقف الجبهة الشعبية يمثل أكثر المواقف جذرية واستقلالية ويمثل موقفا مدروسا بعناية. وطرحها المعلن في تبرير رفضها الانضمام لا يمكن رفضه وهذا يتطلب عودة لتنسيق اشمل بين الشعبية وحماس.

المخرج من الموقف الفلسطيني الصعب الآن يمكن ان يشمل بنودا ومبادئ:

1-ان يقبل كل طرف بالآخر ولا داعي للبحث عن القواسم وان تتم المشاركة بناء على الرغبة أو عدمها في إدارة السلطة ولا داعي لتحميل الأمور أكثر مما تحتمل.

2-ان يعمل كل طرف حسب القانون ويلتزم به مع الاعتراف بخطر الانسداد في الموقف الدستوري بسبب تداخل صلاحية الرئاسة مع الوزارة.

3-ان يتم تسريع إعادة تشكيل منظمة التحرير لتكون المرجعية الفعلية لكل مواقف السلطة ولتكون الحكم على أي أزمات تمر بها.

4-أن يتم تمثيل الخارج الفلسطيني بنسبة تمثيل عدده ويتم الاختيار حسب نظام المنظمة نفسه مع مراعاة لنتائج الانتخابات في الداخل لتكون مؤشرا لكن ليس دليلا وحيدا في اختيار مندوبي الخارج.

5-الإصرار الفلسطيني على رفض تجاوز مؤسسات الشعب الشرعية أيا كان من يشغلها ورفض الالتفاف عليها بشعارات الحرص على الشعب الفلسطيني.

ومع ان من حق الدول ان ترفض التعامل مع الحكومة إلا ان واجب الأطر والسلطة ومنظمة التحرير المحافظة على شرعية مؤسساتها.

أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية - قلقيلية