الثلاثاء: 21/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

سياسيون ومحللون: خطة فياض لإقامة الدولة وإنهاء الاحتلال انجاز وطني

نشر بتاريخ: 02/09/2009 ( آخر تحديث: 02/09/2009 الساعة: 23:27 )
غزة - معا نظم تحالف السلام الفلسطيني في غزة لقاء سياسيا عنوان " إقامة الدولة خلال عامين : استكمال عملية البناء للتعجيل بإنهاء الاحتلال "بالشراكة مع مكتب التعاون الأسباني (The Spanish Cooperation Office)، وذلك في فندق السلام بمدينة غزة.

وتحدث في اللقاء كلا من الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل والدكتور مخيمر أبو سعده أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر والكاتب هاني حبيب، بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات السياسية و المهتمين والمعنيين و ممثلي مؤسسات المجتمع المدني.

من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل:" ليس معروفاً عن رئيس الحكومة الدكتور سلام فياض، أنه رجل حالم أو انه مولع بالخطابات الشعاراتية، أو اللغة الصلواتية التي تكثر من الدعاء، قافزة عن الواقع والوقائع الملموسة، مؤكداً أن الدكتور فياض معروف بواقعيته وبطبيعته العملية وبالمصداقية، فضلاً عن انه واسع الاطلاع على ما يدور في أروقة صناع القرار الدولي، التي يقيم معها علاقات مستمرة.

وحول برنامج حكومة فياض الثالثة عشر للعامين القادمين قال عوكل:" هذه الوثيقة لا تنتمي إلى المعروف من برامج الحكومات السابقة التي تحدد عمل الحكومة، وواجباتها التنفيذية في ضوء التوجهات السياسية التي يحددها الرئيس أو منظمة التحرير كخطوط عامة.

وأضاف عوكل:" من حق المعترضين أن يقولوا أن صياغة الأهداف السياسية، على هذا النحو المحدد جداً كما ورد في الوثيقة هو شأن يتصل بقرار وصلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية، لكن الدكتور فياض يستطيع أيضا أن يقول إن الوثيقة البرنامجة التي قدمها، لم تخرج عن السقف السياسي للمنظمة وهو سقف معروف منذ زمن فضلاً عن انه يقدمها لرئيس السلطة والمنظمة.

وتابع عوكل قائلاً:" ربما هذه هي المرة الأولى منذ قيام السلطة عام 94 التي يعلن خلالها برنامج الحكومة أن الدولة الفلسطينية سيتم انجازها أو إعلانها خلال سقف زمني محدد وقريب، أي خلال عامين، مشيراً إلى أن الإعلانات السابقة كانت ترتبط باتفاقية أوسلو، التي كان يفترض أن تشكل أساسا لقيام الدولة في العام 1999، ولم تكن أكثر من رغبات، أو تمنيات أو شعارات لم تجد سبيلها إلى الواقع.

وأكد عوكل أن الدكتور فياض قبل الإعلان عن خطته أنه قد حصل على ضمانات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بشأن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية خلال العامين القادمين، وأنه أيضا قد حصل على ضمانات بشأن تمويل وإقامة المشاريع الكبرى التي تحدث عنها.

وتساءل عوكل هل يستطيع فياض، أو السلطة، أو المنظمة تمويل مشاريع ضخمة مثل مطار فلسطين الدولي في الأغوار، وإعادة ترميم وتشغيل مطار ياسر عرفات في غزة، ومواصلة بناء ميناء غزة؟ وإذا كانت الدول المانحة هي التي ستساعد السلطة على إقامة هذه المشاريع، فهل ثمة لدى السلطة ضمانات بحمايتها، أو في الأصل القدرة على تنفيذها، لو أن إسرائيل رفضت ذلك، أم أن هذه المشاريع لا يمكن أن تنفذ أو تبقى في حال تم تنفيذها، او تشغيلها بدون ضمانات دولية، وأميركية على وجه التحديد. خصوصاً وأن الجميع يدرك أن إسرائيل واظبت خلال المرحلة السابقة، على تدمير الاقتصاد الفلسطيني وتدمير البنية التحتية والخدمية، التي جرى تمويلها دولياً وعربياً، وان تلك الدولة، لم تفلح، أو أنها لم تعمل ما يكفي لردع إسرائيل وحماية تلك المؤسسات التي كلفت المانحين مليارات الدولارات.

وقال :" إذا حاولنا أن نضع جانباً هذا الاحتمال، وأحلنا ما ورد في الوثيقة إلى التحليل السياسي، والمحاولات الأميركية والأوروبية الجارية منذ تولي الرئيس أوباما مسؤولياته في البيت الأبيض، فهل سنجد هناك جواباً يؤكد إنما قدمته الوثيقة تحت عنوان إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، هو أمر قابل للتحقيق؟

وأضاف منذ بعض الوقت ونحن كمراقبين ومحللين نرجح أن المجتمع الدولي، والمقصود بذلك الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة، قد حزم أمره باتجاه العمل بجدية من اجل حل ومعالجة ملف الصراع العربي وبضمنه الفلسطيني - الإسرائيلي، ويرجحون أيضا أن التحركات والمساعي الدولية، لا تصرف الوقت هباءً، وان كل ما مضى من أشهر وما انقضى من جهود إنما تعمل من أجل تهيئة الميدان والأطراف المعنية لمفاوضات جادة لا تستغرق وقتاً طويلاً، لكي تنتهي باتفاق سلام على أساس رؤية الدولتين إلى أن تنتهي العملية التحضيرية، خلال شهرين، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبدء المفاوضات.

وتابع :" من الطبيعي أن يسعى طرفا الصراع في المنطقة كل لتحسين شروطه، وفي هذا الإطار تقوم إسرائيل بعملية ابتزاز كبرى للمجتمع الدولي، وللعرب والفلسطينيين عبر التشدد وطرح المزيد من الاشتراطات التعجيزية. وفي هذا الإطار أيضاً تكثف إسرائيل عملياتها لتهويد القدس، حتى يأتي أي حل لها بمضمونه مستجيباً للهدف الذي يردده كل الإسرائيليين من أن القدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل. وأردف عوكل :" إذا افترضنا أن القدس ستكون عاصمة لدولتين، فان إسرائيل تكون قد قلصت فيها الوجود الفلسطيني بحيث تبقى الهيمنة لها، وإذا افترضنا أن حلاً ما يقوم على تقسيمها فان الوجود اليهودي والاستيطاني سيكون له أثر كبير في القسم الذي سيشكل عاصمة الدولة الفلسطينية.

وأوضح أن تصريح نتنياهو الذي يتحدث عن بدء مفاوضات جادة بعد شهرين يعني أن هذه الفترة لا تزال متاحة أمام الإسرائيليين وأمام الفلسطينيين المنقسمين لكي يعالجوا أوضاعهم، قبل أن تقدم الولايات المتحدة خطتها للسلام، لتضع الأطراف أمام محددات، وآليات، وواجبات، وجداول زمنية تنضبط المفاوضات في إطارها.

ووجه الكاتب والمحلل السياسي عوكل أسئلة مشروعة ومهمة بحاجة إلى إجابة من رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض أولاً، ما هي ضمانة أن تستمر حكومة الدكتور فياض لمدة عامين مقبلين، إذا كانت الوثيقة تشدد على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. هل يضمن أن تجرى الانتخابات أصلا، وإذا جرت وهذا أمر مشكوك فيه، فما الذي يجعله متأكداً أن حكومته ستبقى لتنفذ برنامجها؟ ثانياً: البرنامج يقدم مشاريع كبرى في الضفة وغزة، وهذا يعني أن الأمر مرتبط بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والسؤال من أين لنا أن نضمن ذلك فيما الوقائع تؤكد أن الانقسام مستمر، وان الاتفاق على إنهائه بالكامل أمر بعيد المنال؟ ثم ما هي الحلول التي تقدمها الوثيقة لهذه الأزمة عدا المراهنة على حوار، الكل يعرف الصعوبات التي تعترضه؟ ثالثاً: لو افترضنا أن الوضع الفلسطيني على ما يرام، فهل تكفي المدة الزمنية لانجاز هذه المشاريع؟ وأخيراً لم يرد في الوثيقة ما يفيد كيفية الربط بين غزة والضفة جغرافياً، ولا ما يفيد عن إعادة أعمار قطاع غزة المدمر، ولا عن كيفية معالجة الحصار المفروض على غزة، وهذه كلها عناوين لصراع محتدم فلسطينياً ومحتدم مع إسرائيل.

بدوره وصف الدكتور مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر خطة الدكتور سلام فياض بالايجابية والمهمة، مؤكداً في الوقت نفسه أنها تحتوي على نوع من الخيال والبعد عن الواقع متسائلاً كيف يمكن إقامة دولة فلسطينية في ظل الانقسام؟.

وقال أبو سعدة إن الخطة لم تتعرض للانتقاد إلا من جهتين إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، وبالنسبة للجهة الفلسطينية تمثلت في حركة حماس التي ترفض أي انجاز لفياض ولرام الله حتى لا يسجل عليهم وعلى حكومتهم مواقف، لذلك قالوا أن المهم هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وليس إقامة الدولة في الوقت الذي نصت فيه خطة فياض على إنهاء الاحتلال وقيام الدولة. مؤكداً أن انتقادات حماس لفياض في غير محلها وغير صائبة. وأما ليبرمان الذي يؤمن بعدم وجود شعب فلسطيني والذي لا زال يعيش في أحلام الماضي عندما كان الشعب الفلسطيني مشتت ومشرد.

وأعرب أبو سعدة عن تشاؤمه من حدوث مصالحة فلسطينية في القريب وقال:"من الواضح أنه من يعتقد بأن هناك مصالحة فهو واهم لأن الخطوات التي تجري على الأرض في الضفة والقطاع لا تبشر بخير نحوها، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن كيفية قيام دولة في ظل الانقسام. كما ان الدولة التي يتحدث عنها الدكتور فياض بحاجة لدعم عربي ودولي لأنه بدون هذا الدعم لا تستطيع الاستمرار طويلاً.

وفي السياق ذاته أكد الكاتب هاني حبيب أن مجمل الخطة هو عبارة عن أسلوب مواجهة مع الاحتلال المستمر والمتواصل من جهة ومواجهة مع أوضاعنا الداخلية من جهة أخرى، ومحاولة جدية للانتقال نحو مأسسة السلطة والإعداد لقيام دولتنا التي نتطلع إليها.

وقال حبيب لم تكن هذه الخطة لتفاجئ أحدا، ليس فقط لأن بنودها ذكرت فيما بات يعرف ببرنامج حكومة فياض الثانية والذي أعلن في خطاب فياض في جامعة القدس قبل حوالي شهرين، ولكن أيضا، لأن خطط التنمية التي أعدتها حكومته الأولى، كانت تتضمن روح وجوهر هذه الوثيقة التي أعلنت مؤخراً، والتي تعتمد على تحد للأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال من خلال "الفترة الانتقالية" التي لا يبدو أن لها نهاية، وذلك من خلال برنامج للتنمية البشرية والاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية والزراعية وكل مناحي الحياة، إلا يجب أن نتوقف إلى حين بزوغ اتفاق عمل الاحتلال وما زال في إعاقته، والإبقاء على وضعنا الاقتصادي والسياسي، رهن المبادرة الإسرائيلية.

وأوضح حبيب أنه من الطبيعي أن يقف الاحتلال في وجه هذه الخطة التي تشكل تحدياً من نوع مختلف لخططه ومساعيه، ولن يتوقف عن وضع الألغام في طريق تنفيذها، ولكننا لا نملك خياراً آخر، فكل خياراتنا لم تنجح لا في الوصول إلى دولتنا المستقلة، ولا في بناء مرتكزات المجتمع الفلسطيني اللاهث وراء المساعدات الدولية من دون أن يتمكن من أن يستقل مالياً واقتصادياً.

هذه الوثيقة، الصادرة عن الحكومة، قد يؤخذ عليها أن فحواها يجب أن يعود للسلطة العليا في فلسطين، منظمة التحرير الفلسطينية، وهي كذلك بالفعل، إذ أنها وضعت بمعرفة رئيس المنظمة ورئيس السلطة محمود عباس، الذي بدوره سيطرحها على اللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإذا كانت هناك أصوات قد ارتفعت من هنا ومن هناك، من دون أن تناقش مضمون الوثيقة أو فحواها، والاكتفاء بالإدانة والشجب، فإن هذه الأطراف في واقع الأمر، غير ذات صلة، فهناك من يعمل ويكد ويتعب ويجتهد ويخطط وينفذ، وهناك من يتصيد ويتربص، وهذا هو حالنا في الساحة الفلسطينية، التي تحاول الوثيقة تخطيه لصالح رأب الصدع والتوجه الفعلي نحو بناء مؤسسة قادرة على الصمود وتحقيق بناء الدولة الفلسطينية والديمقراطية المستقلة عندما يكون ذلك ممكناً، فالواقع على الأرض بات مهيئاً، ولن ننتظر!!