الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة من اسير لوكالة معا تكشف حجم الاحباط الذي يسببه الانقسام للاسرى

نشر بتاريخ: 28/10/2009 ( آخر تحديث: 29/10/2009 الساعة: 14:06 )
بيت لحم- تقرير معا- بعد ارسال الاسير ثائر حماد منفذ عملية وادي الحرامية الشهيرة رسالة الى وكالة معا ونشرها قبل اسبوعين ، كشفت رسالة ارسلها اسير فلسطيني من سجن مجدو عن حجم الالم والاحباط الذي ينتشر وسط الاسرى جراء الانقسام والتشرذم السياسي في المجتمع الفلسطيني .

وقال رئيس تحرير وكالة معا ( لقد اذهلني حجم الالم والمعاناة والاحباط الموجود في الرسالة التي وصلتني بالبريد من الاسير هشام الكرنز من سجن مجدو وارتأيت نشر بعض المقاطع منها لاهمية ذلك ولنقل معاناة هؤلاء الاسرى الى اصحاب القرار السياسي ) >

واضاف " لقد اعتاد غالبية الصحافيين ان يتحدثوا عن الشعارات الكبيرة والاكتفاء بذكر الايجابيات لكنني ارى ان الحديث عن الوجع هو الطريق الاقصر للتخلص منه وان المكابرة والمبالغة مجرد اسفاف لا لزوم له لا سيما ونحن نتحدث عن فئة طاهرة جرى تقديمها كقرابين على مذبح الشعارات السياسية التي بات القادة يغيرونها كما يغيرون قمصانهم بينما الاسرى لا يزالون في السجون قابضين على الجمر " .

وجاء في نص الرسالة من الاسير هشام الكرنز : أتذكر رسالتي السابقة - تلك اليتيمة - التي ارسلتها لك ما يجعلني قادرا مرة اخرى على الكتابة مجددا وقطعا كل ما فيها -اليتيمة- يدفعني لاستكمال خيوطها وتهذيب شوائبها وحتما هي لافكار لم استكملها ولحديث اشعره متصلا لا يزال رغم كل شيئ : ابدا ستبقى دائما شيئ من الانسان واسير رسالة تفضح ما بقلبه وتعري افكاره تماما كما هي، بالضبط كما لو كانت جثة على طاولة التشريح: اعذرني قبل كل شيئ فإنا لم اقل لك تحية ثورية وبعد..

ثوريا اصيلا، صلبا ووفيا، مؤمنا وعنيدا، منتميا لافكارك بعنف ومتجذرا بمبادئك حتى النخاع، شجاعا وجريئا متفائلا لقطرة الندى التي تنبئ ورقة الشجر بيوم صاف وجديد بعد ليل طويل..

عليك ان تكون كل شيئ كل ذلك واكثر بكثير لتبقى وفيا لكل شيئ، لتبقى انسانا، لتحاول على الثوري والمناضل في ذاتك ابدا، لكي لا يتسسل اليك التشاؤوم حينا، لكي لا تخون دماء زكية روت كل جذور شعبنا في ارض لا تزال تريد المزيد من اجل حريتها حين اخر، عليك ان تكون كذلك لكي تستطيع النظر في عيني طفل ينتظر أباه محررا من الاسر، في حين ام شهيد وكل اخت مناضل ومناضلة تستطيع ان تسترخي في شوارع عرفت كل تلك البطولات والتضحيات، عرفت كل تلك المعاناة والالام .. صدقني عليك ان تكون استثنائيا كيلا تقع في مستنقع الحالة ومربع الازمات المتواصلة، كيلا تكون رقما، مجرد رقم يمكن ان يضاف الي طرفي المعادلة.. " قد كذبنا عندما قلنا اننا استثناء" .

لك ما تشاء من الاوصاف، لك ما تشاء من الخيال واحلام اليقظة، لك كل حروف الدنيا، لك كل لغاتها، لك قلما والاف من الصفحات، لك كل ما لك ولك كل ما تريد، فرشاة رسم لترسم كل معالم الصور، اختر أداتك واطلق العنان لذاتك، ولا تنسى ان تجعل البياض استثنائيا وتذكر ان الصورة مهما تجملت لن تفي بالغرض تماما، فالحقيقة من لحم ودم، فهي جارحة، حادة .. حارقة وحتى انها دامعة.. باكية..

لك ان تتخيل تصنيفات لا حصر لها، سجون للشمال، سجون للجنوب، سجون للغزيين واخرى لابناء الضفة ثالثة لـ 48 ورابعة للقدس وخامسا كذلك للتنظيم واخرى لذاك الاخر، ذاك القسم لذاك المخيم، وذاك لتلك المدينة، انتظر لحظه فتلك الغرفه لابناء تلك القرية لن تستطيع ان تعيش فيها فأنت من الجنوب او ابن مخيم، احدهما يحذرك؟ اخر يبدو ودودا يأتي ليعطيك نصيحة رجلا او اسير مجرب يعرف دهاليز السجن الذي نحن فية، يشرح لك كل المعادلات، كل شيئ فهذا قسم واحد لتلك المنطقة حتى يصل بك لاخر قسم بالسجن فيبدا بوصف غرف السجن ليشرّحها تشريحا، يفصلها ككتاب مفتوح، تنسى انك في حضرته ولا تسمع ما يقول كأنه شريط صامت تمر احداثه مثل الخيال، تجول بأفكارك وتخرج من تلك الدائره التي حاول وضعك فيها، تخرج من الجدران تجتاز كل الاسلاك الشائكه ، تتجاوز الحاضرين امامك تجتاز نفسك كأنك تنجر من كل شيئ حتى ذاتك ايضا، .. فجأة تباغت محدثك بسؤال كالصاعقة دفعة واحدة، بلا مقدمات وتقاطع حديثه الذي لم تكن تستمع له: أتحب وطنك وشعبك؟ ماذا ؟ يتردد الصوت وفيه رجفة الم اكن قد ذكرتها من قبل! يعاود المحاولة، شو قلت؟ اخبره مرة اخرى بصوت مبحوح يميل الي الحزن الغامق ، اتحب وطنك؟؟

يحاول الاجابة لا ينجح، فالفواصل والتقسيمات التي عشعشت في رأسه لا تدعه يجيب بدون تلك الحواجز والحدود ومناطق النفوذ، هو يعرف كيف الوطن المقسم، يعرف كيف شعبنا مشردم ومشتت، يعرف ولا يعرف لماذا وكيف؟ يعرف ولا يعرف الى متى والى اين؟ يعرف ولا يعرف كيف لنا من عودة؟ "

فلسطين تزال من الارحام " وفلسطين اليوم تُزال من العقل والوجدان .. اي شيئ هو وطن غزة ووطن الضفة، اي شيئ هو مناطق أ،ب،ج، اي شيئ هو شعبنا في 48 ضفة، غزة،شتات، مخيمات، قرى، مدن ، شوارع وزقاق، ليلعن الله الجنوب والشمال والوسط، ليسحق كل تقسيم وحدود وحواجز، اللعنة كل شيئ، حتى نحن..وحتى هم..

" لن نكون ملكيين اكثر من الملك !!! هل توقعت ان يكون فلسطينيين اكثر من الفلسطيني؟ وكيف توجة السهام للخارج قبل ان تقتل من هو عندك ؟ هو خالقها، هو صانعها، هو من فجرها قبل كل شيئ.. فكيف الوطن نوصله لهذا الحد كيف نطعنه في خاصرته كيف نقتله ونذهب في جنازته ونودعه ونبكي عليه نذرف ما تبقى من دمائنا لعنة عليه..

استطيع ان اخبرك بكم نحن بؤساء، استطيع ان اصارحك كم من الاعاصير تحتاحنا يوميا، لا بل كل لحظة كل يوم، .. اصبحنا باذخي الخزن بهذا الجو البائس، استطيع ان اصدقك بأننا تحولنا أيتام لوطن لا زال حيا فينا.

فمن قال " ان الوطن قد مات" من يجرؤ على ان ييتمنا من وطننا الحي في حدقات عيوننا في صميم قلوبنا، في عقولنا وافكارنا ومبادئنا، حي هو لا نزال في انفسنا في اعماقنا وسرنا في صباحنا وليلنا في كل نهارا يطل علينا، لا زال ابانا وامنا وحبنا الاكبر .. وأنتمائنا الباذخ..

من يجرؤ على هذا الالحاد لذالك الحد، من يكفر، من يعاند حركة التاريخ فينا، في ارادتنا في صمودنا في انتمائنا، فنحن هنا لا زلنا، نحنا كما انتم الابناء الشرعيين للوطن الحر فلسطين..

نعم، تسلل الكثير من ذلك الى حدودنا، الى الخندق الاول،.. فقد اصاب الكثير منا عدوى الانقسام، شل تفكيرنا جزئيا الاعظم وعاد بدائيا كما كان لانه لم يخرج من جلدة ذاك ابدا، عاد الى طبيعتة التي لم يغادرها، فأية عقلية واية افكار تلك التي تجيزو اقتسام الوطن وخصخصتة، اي اخلاق تلك التي تجيز للكثيرين الدفاع عنه بعد تمزيقه قطعا اخرى بعد كل تلك القطع التي افقنا عليها يوما بعد يوم..

اي انتماءات تلك التي تفعل ذلك،.. هي صدقا انتماءات وهمية لم تكن يوما سوى عشائرية قبلية بدوية متخلفة، هي لم تتجاوز مها علت سقف وهمنا بأننا استثناء، بأعلاها لم تصل حد التراب الذي يحملنا..

كان كل شيئ يفرقنا، ولا زال.. يحيلنا جثثا هامدة بأنفاس متقطعة، يحيلنا صمتا مطبقا، فلا كلمات وكل حروف الدنيا قادرة على فعل شيئ بنا فنحن نقتل من داخلنا لان" القلاع لا تقتحم الا من الداخل" يقتلنا ذاك من يخرج علينا مهددا ومتوعدا، لمن، هو سؤال يطرقنا بأستمرار، يقتلنا ذاك الهزير المستأسد على جماهير شعبنا ... يقتلنا الشتم، دماء ودموع أهلنا التي تسفك يوميا، فكم كان صعبا حتى حارقا علينا كل ذلك..

يقتلنا كل شيء، يقتلنا اكثر من كل شيئ ذالك الخداع العلني، تلك "الفهلوة" والديماغوجيا والغوغاء، يقتلنا شيئان بالتحديد .........

الاول، من يأتيك ويداه ووجهه وكل معالم جسده ملطخة بدماء ابناء شعبنا ويقول لك الوحده الوطنية، يهزنا شعارات كبرى عن المصير الواحد والشعب الواحد والدم الواحد، يبدع باللغة العربية ليحرفها، يطوع حروفها في مصلحتة السياسية ، يقتلنا من يفعل ذلك وليس من يرى، فالسياسة عندما تتجرد من الاخلاق تصبح هوجاء قاتلة،.. ألذالك الحد وصل الامر لتتفية عقولنا وعقول شعبنا ؟ الهذا الحد وصل الاستخفاف لشعبنا؟ صدقني يقتلنا ذلك لابعد حد، .... معنيون بالحوار وفي صلاة جمعة لله وبين قسمين لا يفصلها سلك شائك يصلي الجماعتين والمضمون هجوم احدهم على الاخر ودعوات لا تسمعها تجاه عدوك ، دعوات تشلك، تتجمد مكانك وينزف قلبك بشدة، تكاد تموت...

معنيون بالوحدة، نرفض كل الممارسات تلك التي تحدث في القطاع فهي لا انسانية وتحد من الحريات وتقمع وتقتل وتوجه الرصاص لكل من يعارضها، لكننا معنيون بالحوار حتى تكاد تصدق محدثك على احدى القنوات التي تنهش بنا، وربما تمازحنا في دماءنا ، وترقص طربا عليها، ..

ذاك الوجه البشوش تحاول صديقه كأنك ابدا ودائما تصطدم بكل تلك الحواجز والممارسات التي يفعلها، هو ضدها في القطاع ومعها هنا، ألسنا وطنا واحدا، او اننا صرنا اثنان، هو مجرم ايضا، اتجري ليس لانه يفعل كل ما يفعل بل لانه يحاول الاستهزاء بشعبنا والاخير هو من تعرض لكل شيئ.. مثل من يحاول اقناع الضحية بأنه لم يتعرض لشيئ..

اليوم ، بات الرصيد النضالي هوية تمكنك من العبور على جسر كل ما تفعل، لانك سجين سابق تملك ان تعتقل مناضلا وتعذب لحد الموت او الشلل ..قائلا له" مفش حد بزاود علينا احنا واحنا واحنا واحنا قبل حتى ما تنخلق؟".. لانك أبعدت يوما لك ان تقتل لك ان تعتقل، لك كل شيئ الهذا وصلنا ... كلهم مجرمون.

الثاني ان لا تجد من يجرؤ على قول الحقيقة كما هي، من يجرؤ على قراءة افكار شعبنا واسئلته وتجربها في وجوههم ... لا تجد الا تلاعبا بالالفاظ، والاتفاف على الاسئله الصعبة ، لا تجد من يعرفهم تماما ليخجلوا من انفسهم... وليعودوا ولو لمرة التفكير بشعبنا لاجل شعبنا، بقضيتنا لاجل قضيتنا..

ايها الغالي، يقتلنا ذاك تقتلنا تلك الدوامة التي ما عدنا نطيقها، الم يكف ؟ الم يشبعوا من دمنا؟ من الامنا؟ من همومنا؟ من بؤسنا وشقائنا ؟ من دمعنا ومعانتنا؟ الم يكف كل ذالك ؟ .. الم تتحرك فيهم للان دماء الشهداء؟ كل تلك التضحيات؟ الم تلههم ضحكات العالم والعدو والصديق على اوضاعنا.. ؟ الم يكتفوا من اللعب بنا ومصائر شعبنا وقضيتنا ووطننا واحلامنا التي دفع كل شعبنا من اجلها الغالي والنفيس على مدار عشرات السنين ولا زال.. الم يكف !

العزيز اللحام،

كلنا في الجريمة شركاء، كلنا ، كلّ بمقدار حجمه ووزنه ومسؤولياته، كل في مكانه وموقعه، وشعبنا، وحده شعبنا الغائب الحاضر في تحمل كل مأسينا وأخطائنا وحملنا الثقيل، غائب حاضر بقوة ، كان دائما في صف قضيتنا وربما كان الاقدر منا على قيادة نفسه وحتى اخراجنا من الازامات، حاضر في تضحياته العظيمة، حاضر في صموده في تماسكه بحقوقة حاضر في الشهادة ولكنه الغائب الاكبر كذلك في حصد نتائج نضالاته،..

اظننا لم ننصفه، لم نتعامل حتى هذه اللحظه معه بقدر دوره التاريخي والوطن الذي لا زال متأججا في صدره، لم نتعلم ولا علمناه شيئا يستحق الذكر الا رتوشا كان قادر على تعلمها بنفسه..

هو شعبنا الذي يزخر بكل تلك الطاقات والامكانيات ، انظر حولك ستجد كل ذلك استجد كل ما تتوقعه انما انظر بصدق وسيصدقك شعبنا حتما...
هذا ليش شعارا ، هو حقيقة فعلا وحتما، يقتلنا ان نكون كذالك حتى يخرج عليك احدهم" يهديك كلمات ثورية انما جوفاء" وهو فعلا وعملا عكس كل ذلك، عكس كل شعاراتة عكس حتى ذاته.....

احقا لم يسمعوا بأن لا تنهى عن خلق وتاتي مثلة عار عليك اذ فعلت عظيم ؟

اتكون ضدد الاعتقال السياسي وسجونك زاخرة بهم ؟ اكنت مع الوحده وانت اول من مارس حالة الانقسام والتقسيم؟ كل ذالك يقتلنا...

بعد كل ذلك، بعد ان تسلل ما تسلل الينا حتى هنا ، لا نزال نؤمن كما كل شرفاء شعبنا وقواه الثورية بالمستقبل المشرف" لاننا نؤمن بتجربة التاريخ، نؤمن و لا زلنا بالانتصار الحتمي فلا زلنا نملك خصائص الثورين لا زلنا نملك الايمان والاستعداد للتضحية، لا زلنا اقوياء بشعبنا، لا زلنا احياء هما في قبورنا..

هي صرخة مخنوقة متعثلمة، لاكنها كذلك، هي صرخة تقول بأن لا زال حلمنا الصغير حاضرا فينا، هو الوطن بكل تجلياتة وبكل حاضره ومستقبله لنا حلما اسمه فلسطين، سيكون يوما، حتما...

اصافحك بحراره