الإثنين: 13/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف تتم عمليات الاعتقال في الضفه الغربية ؟

نشر بتاريخ: 06/12/2009 ( آخر تحديث: 07/12/2009 الساعة: 14:37 )
كيف تتم عمليات الاعتقال في الضفه الغربية ؟
بيت لحم- معا- تحولت عمليات الدهم والاعتقال الليلية التي تنفذها قوات الاحتلال الاسرائيلي في مدن وقرى ومخيمات الضفه الغربية الى نوع من العمليات الروتينية يجملها صبيحة اليوم التالي خبرا صغيرا في زاوية خجولة على صفحات الصحف الصباحية.

مراسلة موقع الجيش الاسرائيلي الالكتروني، "رونيت افرات" رافقت وحدة اسرائيلية في عملية اعتقال اطلقت عليها المراسلة اسم "ليلية بيضاء" ورسمت الصورة القلمية التالية التي توثق وترصد تسلسل عمليات الاعتقال والدهم من زاوية قوات الاحتلال وكتبت:

فور وصولي الى معسكر "كتيبة عتصيون اللوائية" مرتدية حذاءا عسكريا، استدعي الجنود، فباشروا بالركض الخفيف نحو عرباتهم المدرعه من نوع "دافيد" فيما اسرت لي الناطقة بلسان الكتيبة بالاسم المشفر للعملية "نقفز"، والقت على المصور الذي يرافقني ملاحظة اشادت فيها بارتدائه قبعه عسكرية تعود لجنود "النحال".

حاولت ان افهم سر قفز ورقص الجنود، ولكن امرونا بسرعة ارتداء غطاء مموه للحماية يشتمل على سترة واقية امامية وخوذة عسكرية ما اثار شك مرافقيه بان الامر يتعلق بعملية تسلل فلسطينية الى داخل مستوطنة "اليعازر"، حيث لاحظت فرار شاب يبدو من ملاحه بانه ليس من سكان المكان وبعد نصف ساعة من البحث عن مسلحين ببعض الاوصاف "يرتدي بنطال جينز وقميصا اسود وقبعة صوفية ويحمل حقيبة حمراء كما اكدت اجهزة اللاسلكي التي لم تكف عن المناداة.

وفجأة اضاءت اشارات التنوير المكان وبهذا استيقظ رويدا رويدا سكان المستوطنة وافاقوا من نومهم، وحاول قائد اللواء تهدئة احدى سكان المستوطنه، مؤكدا لها بان كافة جنود اللواء يقفون على اقدامهم في اشارة لمستوى الاستعداد وفي محاولته للتخفيف عن الجنود والسكان اخذ يلقي بالنكات عن "المخربين" الفلسطينيين قائلا "انهم يركضون بسرعه كبيرة وفي احدى المرات لم اظفر سوى بقطعة من قميص احدهم كنت اطارده وفي طريق العودة وجدنا شخصا يحمل حقيبة حمراء وبعد التفتيش تبين بانه لا يخفي شيئا وحينها جلس قائد اللواء والجنود يحتسون القهوة السمراء ليتضح بعد ذلك ان الهدوء الذي اعقب العاصفه ما هو في الحقيقة غير الهدوء الذي يسبقها.

واستمرت المراسلة في رسم صورتها القلمية مضيفه: في تمام الثانية ليلا وقد اخذ البرد منا كل مأخذ لا زلت حبيسة المدرعة "ديفيد" وتحركنا لحصار بيت المطلوب البالغ من العمر 15 عاما والمتهم بالقاء الحجارة باتجاه سيارات اسرائيلية بالقرب من بلدته "بيت امر" وذلك بناء على معلومات استخبارية وهدفنا اعتقاله واخضاعه للتحقيق.

وطلب مني احد الجنود المدعو "يوسي " من باب النكته ان اتلو صلاة السفر وهنا صرخ به جندي اخر يدعى "سطاس" طالبا منه عدم توتير المراسلة الخائفه بما يكفي، وحين سألت عن وجود سبب يدعوني للخوف انفجر الجنود الثلاثة المتواجدين معي في المدرعه بالضحك قائلين اقصى ما يمكن ان نتلقاه من الحجارة وانفتحت ابواب المدرعه الثقيلة في ثانية لتطلق الضحكات العالية الى عنان السماء المتلبدة خارج المدرعه.

الطرق مشوشة والخوذ من على رؤوس الجنود وللغرابة لا يختلف الجو في بيت امر عنه في مستوطنة اليعازر وفجأة توقفت مركباتنا على الطريق المغطى بالحصى وانفتحت الشبابيك وفي هذه المرحلة توقفت الكلمات او نضبت وخرج الجنود الى المنزل ودوت ثلاث طرقات على الباب سمع هديرها من مسافة بعيده لنشاهد اشتعال الاضواء ، مين هناك؟ سألوا بالعبرية فجاءهم الجواب باللغة العبرية "جيش" فاخذ والد المطلوب يفرك عينيه قبل ان يفتح الباب فيما اخذت الام تسترق النظر من شباك ينقصه الزجاج وغابت عنه الحمايات الحديديه لتكتشف ان بيتها محاصر بشكل تام.

ودخل الجنود بقيادة قائد الوحدة ونائبه الى البيت الذي غطت جدرانه بصورة العائلة التي تضم اربعة افراد تم جمعهم في الغرفة الشمالية وهي عبارة عن صالون صغير مغطى بالبرادي الحمراء وجلس على احدى الكبات فتيان يبلغان من العمر 14 عاما بدا على وجيهيهما حالة تشبة "التجمد" فيما غرق الوالد في سعال لا يتوقف وارسلت الام نظراتها نحو نائب قائد الوحدة الذي يتحدث العربية فيما تواجد في ذات الصالون خمسة جنود اخرين يتفحصون ما يجري ويتابعون اية نظرة قد ترشد على مكان المطلوب.

طلب الرائد "د" ابراز بطاقة الوالدين وابراز بطاقات الهوية وشهادات الميلاد للاولاد الذين لم يستصدروا بطاقات هوية بعد، وبعد عدة اتصالات عبر اللاسلكي تأكد ان المطلوب هو احد الفتية فأبلغ قيادة "المطلوب موجود" وهنا تردد العبارة "يلا بسرعه" مطالبة الاب الاستعجال بتسليم ابنه ووضعه تحت تصرف القوة ووضع قائد الوحدة شهادة الميلاد في يد الفتى المطلوب وامره بوضعها في جيبه لاستخدامه كبطاقة هوية وقت الحاجة.

وجمع الرائد "د" جنوده في الصالون واخذ يشرح لهم الخطوات القادمة قائلا "انتهى الجزء الخطير من العملية ويجب علينا ابداء الحذر خشية ان يتلقى احدنا طعنه من احد سكان المنزل ولا تقيدوا الولد امام ذويه فقط حين نصل المدرعه".

وحين سأل والد الفتى عن سبب اعتقال ابنه سمع اجابة تؤكد بان هذا اعتقال روتيني وعلق الرائد "د" "نخاف ان يضرب ابنه حين يعلم الحقيقة" وانفجر الفتى بالبكاء وبدأت القوة بالانسحاب.

هيا هيا لنعود الى المدرعه، صاح احد الجنود بدلا من العودة للمعسكر واصلت القوى طريقها باتجاه منزل اخر حيث تلقت تقريرا عن وجود وسائل قتالية، وهنا اعرب الجندي "يوسي" عن استغرابه متسائلا، عملية تمشيط ؟! لماذا لم يحضروا الكلاب ؟! فأجابه جندي اخر يدعى " لف" مازحا، نحن بدل الكلاب وفجأة صمتت محركات المدرعات بأمر من الرائد "د " مرة ثانية وشقت الاضواء المثبته على فوهات البنادق ظلمة الليل البهيم وسار الجنود باتجاه باب المنزل الذي يضم بين جدرانه عشرة انفس ثلاثة رجال وسيدة وولدان وطفل وفي هذا المنزل كانت الجدران بيضاء وقد غطتها اقمشة بالوان فاتحه ما يعطي جوا من الراحة النسبية.

هذه المرة العملية مختلفه عما جرى في المنزل الاول، تم تجميع افراد العائلة في غرفة واحدة وضعت تحت رقابة الجنود فيما انتشر بقية الجنود في جنبات المنزل بحثا عن الوسائل القتالية وصاح الرائد "د " الذي يشرف على عمليات التفتيش قائلا" لنفتش كل شيئ اقلبوا كما يجب" فاخذ الجنود باخراج كل شيئ من خزانات الملابس الى رفوف الالعاب والسيارات البلاستيكية التي لهى بها الاطفال وصولا الى اكياس الارز والسكر والطحين الموجودة في المطبخ وجرى تجميع كل شيئ تقريبا وسط الغرفه على شكل كومة كبيرة وانتشرت الفرشات والاغطية والملاءات والاسرة في ارجاء المنزل الي ضاق من الفوضى وفحص الجنود كل شيئ حتى الحمام وكان كل صوت قوي او ضجة تجعلهم يقفون على ارجلهم من شدة التاهب واخيرا ثارت ضحكاتهم حين شاهدوا غنيمتهم من هذه الحملة، سكينا صغيره قبعة عسكرية قبعه صوفيه وعصا تحولت الى نكته بعد ان انضمت الى كومة العصي في خزائن جنود الوحدة.

وفي تمام الخامسة صباحا غادر الجنود المنزل الاخير وشرعوا بالمسير البطيئ نحو مدرعاتهم وهنا سأل الرائد "د" المراسلة متى كانت اخر جولة لك في قرية عربية في هذا الوقت المبكر ؟ واستمر بالسير دون ان ينتظر جوابا وكأنه قصد اظهار اعجابه بمنظر الصباح فقط .