مؤتمر بدائل يبحث انحسار دور اليسار على الساحة الفلسطينية
نشر بتاريخ: 24/05/2010 ( آخر تحديث: 24/05/2010 الساعة: 20:16 )
رام الله-معا- شدد نائب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبد الرحيم ملوح على ضرورة تحديد ملامح المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر، مؤكدا ان الاولوية القصوى هي لبرنامج التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال.
واكد ملوح خلال الجلسة الخامسة من مؤتمر مركز بدائل الرابع والتي خصصت لليسار الفلسطيني، ان ما يشغل اهتمام اليسار هو، قضية التحرر الوطني، والتعددية السياسية الديمقراطية من خلال نظام سياسي تعددي يحترم الشراكة وتداول السلطة في اطار ديموقراطي.
وقال ملوح "ان هناك مسؤولية ملقاة على عاتق اليسار الفلسطيني كتبني الموضوع الاقتصادي والاجتماعي ، اضافة الى الحديث عن كافة القضايا ذات الاهمية كالتنسيق الامني مع الاحتلال، والذي يضر بحركة التحرر الوطني، وحالة الهيمنة على منظمة التحرير، مؤكدا اننا بحاجة الى منظمة على مقياس واحتياجات الشعب الفلسطيني، وليس على مقياس فئة بعينها."
واوضح ملوح" ان اليسار الفلسطيني لم يكن سببا في الانقسام السياسي الداخلي، ولم يلجأ الى السلاح من اجل حل الخلافات الداخلية ، والتي كنا حريصين دوما على مناقشتها وتداولها بالطرق المناسبة، انطلاقا من ان صراعنا وحربنا بالدرجة الاولى مع الاحتلال،" مشيرا الى "ان الانقسام الفلسطيني هو انقسام في المنهج وتتحكم به المصالح الفئوية الحزبية، والعوامل الاقليمية والدولية."
واضاف " ان الانقسام السياسي الحاصل الان هو بسبب هيمنة "فكرة البديل" عن منظمة التحرير في اذهان البعض، ومحاولة البعض الاخر الهيمنة عليها والاستئثار بمقدراتها، مما خلق حالة من التصادم نشهد نتائجها الان بانفصال سياسي وجغرافي بين شقي الوطن، مؤكدا انه لم يجرأ اي تنظيم سياسي في السابق على اعلان نفسه بديلا عن المنظمة والتي كانت هوية وبرنامج احتوى الشعب الفلسطيني بكافة فئاته."
وحول ماضي المنظمة ومستقبلها، قال ملوح" ان منظمة التحرير الفلسطينية التي انطلقت في العام 1965 شكلت نقلة نوعية للشعب الفلسطيني ، لانها اوجدت لاول مرة منذ العام 1948 اطار شرعي يمثل الشعب والقضية الفلسطينية، ووحدت كافة اطيافة واحزابه الوطنية باستثناء التيار الفلسطيني الاسلامي".
واضاف"حققت المنظمة انجازات كبيرة في الماضي، حيث ابرزت الهوية الفلسطينية، وبينت للعالم طبيعة وملامح القضية الوطنية، وحصلت على الاعتراف الدولي بها، على الرغم من وجود الاختلافات العميقة بين فصائلها الا انها بقيت داخل اطارها الى الان."
وبين ملوح" ان منظمة التحرير الفلسطينية دخلت في اشكاليات مختلفة ضمن علاقتها مع الانظمة العربية والاقليمية والدولية، حيث كانت جزءا من التحالف الدولي الصيني السوفياتي، وحركة التحرر العالمي، ومع هذا دافعت عن اهدافها ومصالحها."
وعن تجربة اليسار الفلسطيني، واسباب تراجعه على الساحة الفلسطينية اعتبر ملوح "ان الاستقطاب الفلسطيني، والوضع الذاتي لليسار (عبارة عن مجموعة من الفصائل والتنظيمات المختلفة)، والتي كانت تفضل مصالحها الفئوية الحزبية في كثير من الاوقات على المصالح الوطنية ساهم بأضعاف اليسار الفلسطيني، اضافة الى الانقسامات الذاتية وتغير الوضع الدولي والاقليمي، والانقسام السياسي الداخلي، والنزاع على السلطة ."
واضاف " ان السلطة لعبت دورا في رسم السياسة الفلسطينية، ومكوناتها ، وبالتالي اصبح هناك اهتماما بالسلطة والاستئثار بمناصبها على حساب الاهداف والمصالح الوطنية، مما همش دور المنظمة واضعف قوتها، وهذا الامر ساهم ايضا في تراجع اليسار ".
واشار ملوح" الى ان الاجتهادات حول الوطنية والقومية كانت وما زالت تتفاعل لدى المتابعين للقوى اليسارية، داعيا الى ضرورة المحافظة على الوطنية الفلسطينية ، مع الحرص على استمرار العلاقة القوية مع البعد القومي الوطني" موضحاً " انه مع ادراكنا اننا نعمل من خلال اطار فلسطيني لكن متيقنين ان ذاك الاطار غير قادر على تلبي مطالبنا واهدافنا."
ورأى ملوح " انه في ظل الانقسام الداخلي، والتمزق السياسي، والسلبية والانكفاء على المصالح الشخصية، وفقدان الثقة فيما بيننا، فأن اليسار بقياداته ومؤسساته الحزبية، وجمهوره ، مطالب بالتوحد والارتباط بالمصلحة الوطنية."
واعترف ملوح بوجود اشكاليات عميقة داخل اليسار الفلسطيني، كان من نتائجها ارتكاب اخطاء جسيمة، كعدم توحيد ادوات الفعل والعمل خلال مرحلة التحرر الوطني، وتعويل الجبهة الشعبية على الحل السياسي خلال سبعينات القرن الماضي، لكن ذلك الامر لم يمس موقفنا من القضية الفلسطينية، ومنظمة التحرير وحقوق الشعب الفلسطيني، واسرائيل كدولة احتلال."
واضاف ملوح" ان برنامج الجبهة الشعبية اخذ المتغيرات الفلسطينية، والدولية في عين الاعتبار، لكنه لم يتغير في الجوهر بأعتباره برنامج حركة يسارية تحررية، ديموقراطية تعددية".
بدوره اعرب عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، تيسير خالد عن اسفه من استئثار السلطة بالقرار السياسي الفلسطيني حاليا، في صورة تعيد التجربة السابقة ، معربا عن استنكاره لذهاب السلطة الفلسطينية لبحث موضوع المفاوضات غير المباشرة مع الدول العربية بعد زيارة جورج ميتشل للمنطقة ، وتجاهلها لرأي الفصائل والاحزاب الفلسطينية."
وقال خالد " البعض ظن خطأً ان السلطة هي اساس النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي، وهذا ادى الى تهميش دور منظمة التحرير واظهارها بصورة التابع للسلطة والعكس صحيح، مما نجم عن ذلك تنازع الصلاحيات والمهام بين السلطة والمنظمة."
وتابع خالد" السلطة والمفاوض الفلسطيني لبسا "ثوب الامبراطور" ، بعد ان حصروا نضالاتهم بالمفاوضات مع اسرائيل، دون توفير الاسس والظروف المناسبة لجعل تلك المفاوضات متكافئة، والمطبخ السياسي الفلسطيني زين ذلك الثوب التفاوضي في مشهد عبثي."
واعتبر خالد" المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت بين السلطة واسرائيل برعاية امريكية مضيعة للوقت، مشيرا الى ان الطاقم المفاوض يدرك ذلك، ولا يعولون عليها في تحقيق تقدم في العملية السياسية، مشيرا الى انه لا يمكن التوصل الى اتفاق لا تستند بنوده على حل مشكلة اللاجئين، واصرار اسرائيل على الاعتراف بيهودية الدولة."
واوضح خالد" ليس هناك اثمن من الوحدة الوطنية من اجل الخلاص من الاحتلال ، داعيا الى تحقيقها بأسرع وقت ممكن، وتنظيم المعركة الشعبية ودعم استمراريتها."
واضاف خالد" ان الحوارات الفصائلية الثنائية ساهمت في تعقيد الامور، ولا يمكن لها ان تشكل مدخلا للوحدة الوطنية، حيث ان الانقسام الوطني يتداخل بعوامل اقليمية ودولية."
واشار خالد اللى ضرورة وجود طرف فلسطيني ثالث يؤدي دورا في المصالحة الوطنية ، داعيا الى ايجاد خطة استراتيجية وطنية قومية ، تحدد سياساتنا واستراتيجيتنا للتعامل مع الوضع الداخلي، وملف المقاوضات، وتعمل لنقل القضية للجمعية العامة للامم المتحدة، ومجلس الامن، ومحكمة العدل الدولية لمساءلة اسرائيل ومحاسبتها.
من جانبه ارجع امين عام حزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي الاسباب التي تحول دون تحقيق اليسار الفلسطيني الوحده بين مختلف احزابه الى الفئوية العالية التي صبغت عمل احزاب اليسار بخلفياتها المتنوعه.
واضاف الصالحي " ان نظام (الكوتة) داخل منظمة التحرير، والمبني على المحاصصة وفق رغبة المانح والمسيطر الاكبر عليها ، وتحكمه في الاخرين، اضافة الى سيادة نظام (الزبانية) في السلطة الفلسطينية، والذي يحاول جعل قادة الفصائل والمنظمات واسطة بينها وبين الجمهور والقاعده الشعبية من اجل الحصول على بعض الامتيازات، وتحويل الاحزاب الى وكلاء وليس ندا ومعارضا لهم، ساهم في عدم تحقيق وحدة اليسار الفلسطيني."
وقال الصالحي" من اسباب عدم الوحدة كذلك، الارتباك الفكري الذي طرأ على فكر اليسار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وعدم القيام بتقييم للتجربة والفكر الماركسي الذي كان يحكم فكر الاحزاب اليسارية، والهروب الى الواقع السياسي بدلا من اجراء مناقشة واسعه لذلك."
وتابع" تم التعامل مع السلطة بأعتبارها كيانا عاجزا في السياسة الفلسطينية، في حين كانت هي منذ نشأتها اللاعب الاول في الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي مما ادى الى خلق تعارض مع عمل منظمة التحرير، مشيرا الى ان السلطة التهمت منظمة التحرير، دون ان تجد من يقف في وجهها، الامر الذي اضعف المنظمة وقوى السلطة الفلسطينية، التي لم تأخذ بعين الاهتمام نشاط القوى اليسارية ، التي عفت وتخلفت على ان تكون معارضا لسياساتها."
واشار الصالحي الى ان اهمال اليسار للبعد الجماهيري ، والقاعده الشعبية اضعفه كثيرا، وحوله الى انظمة ديموقراطية ومؤسسات توظيفية، ترتهن بأطر بيروقراطية مما افقده نقطة قوته كجامع للعمل الاهلي الجماهيري عبر الاتحادات النقابية والشبابية ولجان المرأة.
ورأى الصالحي" ان اليسار الفلسطيني بحاجة الى حل كافة اشكالياته، وابراز عنصر تميزه وابداعه في البرنامج الاجتماعي والاقتصادي والديموقراطي الذي تميز به، وتوضيح مبادئه وافكاره للرأي العام برغبته في قيام نظام سياسي علماني ، عبر هوية اجتماعية واقتصادية مختلفة."
واكد الصالحي" ان المستقبل الاقتصادي الفلسطيني الحالي في غاية الخطورة، حيث تبرز معالمه من خلال استيلاء البعض على مساحات كبيرة من الارض،وزيادة الاحتكارات ، بالتزامن مع تضخم نسبة الفقر ضمن فئات الشعب، ووصفات المؤسسات الاقتصادية الدولية، والتي سببت في دول اخرى انهيار وافلاس اقتصادي ومالي."
ودعا الصالحي اليسار الفلسطيني الى اعلان استراتيجيته المقترحة من اجل التحرر الوطني، وعدم الاكتفاء باجراء المراجعة للتجارب السابقة، وتوضيح نفسه امام الرأي العام الفلسطيني وتحديد تعريفه بشكل واضح .
وبين الصلحي ان تحقيق الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام يعتمد على مبدأين وهما توقيع الورقة المصرية التي نتمسك بها بأعتبارها مدخلا للوحدة، وتقديم ورقة ضمانات من حركة حماس تقبل من خلالها بمبدأ الشراكة السياسية.
وكان الاستاذ هاني المصري مدير المركز الفلسطيني للأعلام والابحاث والدراسات "بدائل" قد افتتح اعمال الجلسة الخامسة من اعمال المؤتمر الرابع بالتزامن مع قطاع غزة عبر نظام الفيديو كونفرانس والذي يحمل عنوان" صناع القرار بين مسؤولية الماضي وافاق المستقبل" بالتأكيد على اهمية الدور الذي لعبته الفصائل اليسارية في تاريخ النضال الوطني، والذي تعد مرتكزا اساسيا من مكوناته.
وطرح المصري تساؤلات جوهرية حول اسباب عدم وحدة اليسار الفلسطيني الى الان، واسباب تراجع دوره على الساحة الفلسطينية، والتحديات التي تقف امامه.