السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

مستشفى الشفاء حيث يقبع آخر الشهداء والجرحى والطفلين ابراهيم وراني حجاج

نشر بتاريخ: 10/07/2006 ( آخر تحديث: 10/07/2006 الساعة: 13:40 )
غزة -معا- هكذا بدت مستشفى الشفاء مكتظة عن بكرة أبيها وفارغة، افترش ذوو الشهداء والجرحى فيها الارض ولم يجد بعضهم مكانا فظل ملتصقاً بالباب والجدار وبعض أشياء الشهداء وودائعهم، وفارغة أيضاً فكل من فيها لم يجد مواسياً إلا الصمت والتفكير العميق والأسئلة الدائرة في حلقة واحدة هل استشهد وماذا سأفعل ومن أين سأجلب الغذاء وهل أعود لمنزلي في تلك المنطقة وأتعرض لمزيد من قذائف الاحتلال.

ساحة صغيرة لم تتسع لأحد، ثم باب الاستقبال، المصعد الكهربائي لا يتسع لكثير فيأخذ الشباب بالصعود على السلم العادي ويتركون المصاعد الكهربائية لأمهات وزوجات الشهداء وبعض حالات يصعب الصعود بها محمولة على الأكف سوى بالأسرة ويبقى المحلول معلقاً بالذراع ينتظر نقطة النهاية.

الطابق الأول القسم الرجالي عظام، الردهة مكتظة للغاية أقارب وأطباء وممرضون، مكتب الحكيم:" هل تعرف اين نجد عائلة حجاج"؟ الحكيم: نعم الصبيان المصابان؟ نعم هم تقريباً، الحكيم:" في الغرفة رقم 2 آخر سريرين بالجهة الشمالية الغربية".

صبيان أحدهما لم يستطع النظر يدعى راني عشر أعوام كان في إجازته الصيفية، الآخر بدا متماسكاً أكثر قال اسمي ابراهيم، هل انت بخير، رفع صوته متسائلاً: ماذا تقولين؟ قلت كيف حالك، قال: الحمد لله بخير، قلت هل تذكر ماذا حدث لك؟ قال:" كنت جالساً أنا وأخوتي مع أمي في الارض الزراعية خلف المنزل نشرب الشاي ونشوي الذرة وفجأة ضرب اليهود صاروخ فرايت أختي واخي واخي الثاني مصابين، وبدأ يهذي بعض الشيء أخي وأختي وأخي وتقريباً أمي.

قلت له محاولة الخروج من حزنه:" ماذا تحلم ان تكون غداً:" قال بعصبية بعض الشيء شو؟ قلت له بماذا تحلم أن تكون : قال أنا لا احلم".

ابراهيم فقط ثمانية أعوام بدا في عينيه الذكاء حاول بعض القريبين منه أن ينذروني من قول ان أمه شهيدة ظانين أنه لا يعرف ولكنه قال فجأة:" أمي استشهدت وأختي روان وأخي وبدأ ينظر إلى لا شيء دون حديث.

كشفت لي خالته عن ساقيه ملفوفتان بالشاش الأبيض وأصابع يديه أيضاً أخفتها لفافات بيضاء قلت له أنت بخير الحمد لله، قال:" لا اشعر بأي ألم".

بجانبه رقد اخوه راني أقدامه ملفوفة ورأسه ويديه وعينه اليسرى بدت مغمضة والندوب في كامل الوجه, أما القدمين والساقين فكانت مختفية بالبياض، بدأ بالبكاء فجأة قائلاً:"عيان" فبدت أخته منار بالتخفيف عنه ببعض الكلمات.

عائلة حجاج قتل الاحتلال الأم آمنة يوسف حجاج وكانت تشوي الذرة لأطفالها، والابنة السعيدة بنصيبها من الذرة الجميلة روان فقط ستة أعوام كانت على وشك الالتحاق بالصف الأول الابتدائي والابن محمد فريد حجاج 22 عاماً كان موشكاً على إنهاء سنته الرابعة بالجامعة حيث يدرس الحقوق والقانون الدولي عله يجد سبباً قانونياً يدفع اليهود وإسرائيل لقتل الفلسطينيين فقتل هو قبل أن يعثر على السبب أو العقاب القانوني للقاتل معلقاً السؤال الدائم عن دور القانون الدولي في الحفاظ على حياة المدنيين الذين احتلت أراضيهم بالقوة.

الشهيد محمد سيحتفل اليوم زملاؤه في كلية الحقوق بجامعة الأزهر بتخرجهم بعد اربع سنوات دراسية شاقة وسيكون غائباً ومكانه فارغاً يحمل الشهادة.

العائلة التي منيت بقتل ثلاثة من أبنائها وجرح أربعة آخرين منهم خالد 12 عاماً أصيب بشظية في رأسه تقبع الآن في مخه وحالته خطرة حسب المصادر الطبية، والآخر شعبان 26 عاماً مصاب بجروح وحروق وكسور، وهم جميعاً كانوا بجانب سور جانبي للمنزل وآخرين كانوا على الجانب الآخر والصاروخ انطلق مخترقاً إحدى تلك الجدران فتقل الأم وابنها وابنتها وجرح الباقين أما الآخرون فكادوا لا يصدقون ما رأت أعينهم فكأس الشاي لأحد الشهداء امتلأ لأحد الشهداء بدمائه.