معا تكشف - سفير اسرائيل في جنوب افريقيا يوجه رسالة قاسية لاسرائيل
نشر بتاريخ: 04/03/2011 ( آخر تحديث: 04/03/2011 الساعة: 16:37 )
بيت لحم- معا- قدم سفير اسرائيل في جنوب افريقيا "ايلان باروخ" استقالته من منصبه احتجاجاً على سياسة بلاده التي بات من المستحيل بالنسبة له تبررها او الدفاع عنها.
ووجه السفير المستقيل رسالة مؤرخة في الثاني من آذار 2011 وصفت بـ"القاسية" لزملائه في الخارجية الاسرائيلية شرح فيها أسباب استقالته. وفيما يلي نص الرسالة دون تصرف، كما وردت لوكالة "معا" الاخبارية:
زملائي الأعزاء السلام عليكم
اليوم اُنهي عملي في وزارة الخارجية وأخرج للتقاعد بعد ان اخترت الاعتزال المبكر لذلك وددت توديعكم من خلال رسالتي هذه.
لقد انضممت للعمل في صفوف الخارجية عام 1974 فيما كانت ظلال كارثة حرب الغفران تؤثر على خطوات وخطط الكثير من الشبان بما في ذلك انا وعلى خلفية الثمن الرهيب الذي جبته الحرب والمخاوف من تأثيراتها على مستقبل اسرائيل خلق لدي الاحساس والتوجه بضرورة عمل شيء ما، وحين لاحت الفرصة انضممت للخدمة في وزارة الخارجية على حساب تحصيلي الاكاديمي، في البداية تجندت ضمن هؤلاء المتخصصون في تعزيز قسم الابحاث.
بعد ثلاث سنوات ونصف من الحرب فاز السيد مناحم بيغن في الانتخابات العامة وعشية الانقلاب السياسي دشن رئيس الوزراء سياسة خارجية بامكانها اختراق الطريق تقوم على اساس قرار الامم المتحدة رقم 242 " اراض مقابل السلام" ولا يوجد أي شك بان مبادرة السلام المشتركة ودعوة الرئيس المصري لزيارة تاريخية في القدس وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد شكلت تحولا غير مسبوق في المستقبل الامن القومي الاسرائيلي ووضعها الامني/ السياسي ولا زلت اذكر الشعور "المكهرب" الذي ساد في اروقة الوزارة رغم الشكوك التي راودت قدامى مراقبي الشرق الاوسط الذين فوجئوا هم ايضا.
ان التطورات الاخيرة التي تشهدها مصر تثبت بان تلك اللحظة كانت لحظة تاريخية ومن المشكوك في قدرتنا على تحقيق ذخر سياسي امني بهذا الحجم في هذه الايام.
لهذه الأحداث كانت أهمية خاصة بالنسبة لي شخصياً خاصةً وان خدمتي العسكرية تزامنت مع حرب الإستنزاف على طول قناة السويس لقد كانت حربا قاسية تم خوضها في ظل روحا قتالية آخذة بالتصاعد آخذ سحره من اجواء ونتائج حرب الايام الستة هذه الروح جرى تعزيزها على يد ربابنة السياسة في ذلك الوقت ما غذّى استعداد الشبان وانا من ضمنهم وشجعهم على التضحية بحياتهم من أجل الدفاع عن خط التعزيزات "خط بارليف" وعزز فكرة ان الانسحاب العسكري اعتبر تراجعا سياسيا تحت مقولة "نفضل شرم الشيخ دون سلام على سلام دون شرم".
ان تفوقنا العسكري على طول قناة السويس إختفى بعد الحرب القاسية التي فرضت علينا وفاجأتنا عام 73 لذلك خلق السلام مع مصر أمام أعيننا واقعا جديدا: لقد خرجت اسرائيل من عزلتها السياسية في المنطقة ووفت مصر بكافة التزاماتها رغم العزلة السياسية التي فرضت عليها من جانب الدول العربية اضافة الى الغيلان الداخلي الذي انتهى بمقتل الرئيس السادات.
من وجهة نظر كثيرين، وضَع الانقلاب النفسي هذا مسلمات وقدسية الردع العسكري موضع الشك وعزز افضليات المبادرات السياسية التي تفتح آفاق التعاون الاستراتيجي ولهذا بدت لي حرب الاستنزاف كثيرة الاصابات والخسائر امرا زائدا عن الحاجة ولا مبررا لها.
ان الابتعاث للخارج ضمن صفوف الخارجية تضع الموظفين في حالة من ضرورة مواجهة الفجوة بين موقفهم الشخصي المتعلق بالمواضيع السياسية ومواقف الحكومة الرسمية التي تمثلها في كل لحظة وساعة اننا نضع في خدمة الدولة إمكانياتنا وقدراتنا اضافة الى ولائنا وأحاسيسنا.
ومن خلال عملنا في مجال الدعاية نضع افضل ما لدينا من خبرات اعلامية من اجل الدفاع عن صحة وعدالة السياسة الخارجية وامننا في مختلف المجالات التي نعمل فيها ونكلف بها.
ومع مرور سنوات العمل والتخبط وجد لنفسي الطريق القويم الذي مكنني من من شق طريقي بين الولاء والصدق بين تطلعاتي الشخصية والتزامي المهني اتجاه من انتدبوني والرسائل السياسية التي طلبوا منا ايصالها لجمهور محدثينا ووقف الزامي المهني في مقدمة هذه الاعتبارات.
خلال العامين الماضيين تحدد لدى صانعي السياسة رسائل سياسية اغضبتني واثارتني ولم تترك لي مجالا للراحة ولقد وجدت صعوبة في تمثيل هذه السياسات وتبريرها بشكل صادق.
ان اهم فصول عملي الممتدة على مدار 36 عاما مرتبط بالعملية السلمية: في البداية كانت المفاوضات متعددت الاطراف التي فتحت امام اسرائيل ابواب الخليج والمغرب العربي وبعد ذلك طلب مني اقامة" ديسك الشؤون الفلسطينية" ومن خلالها الشروع بحوار دبلوماسي كان حينها غير مسبوق مع السلطة الفلسطينية التي جرى تأسيسها في غزة واريحا.
لقد عينت ضمن طاقم المفاوضات الخاصة باتفاقية اوسلو وشكلت الصخرة الاسرائيلي من مثلث العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل- السلطة - الدول المانحة ومع مرور الوقت اتيحت لي فرصة اجراء حوار منظم ومستمر مع الكثير من القيادات الفلسطينية ووجدت في هذا المعسكر اشخاص يثيرون الانطباع ومهمين يسعون الى التعايش حتى مقابل تنازلات مؤلمة من جانبهم مع اصرارهم على فكرة " دولتين لشعبين " وتحديد الخط الاخضر كأساس لترسيم الحدود المتفق عليها بيننا وجرى كل ذلك خلال مواجهة داخلية قاسية مع معسكر الرفض العنيف بقيادة حماس بشرط واجد ايجاد نهاية متفق عليها لاحتلال الاراضي الفلسطينية واقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل.
لقد قتل رئيس الوزراء الاسرائيلي اتسحاق رابيت على يد يميني متطرف وسبق عملية القتل حملة تحريض حادة وقاتلة وذلك ضمن جهود يائسة بذلها خصومه السياسيين لوقف عملية اوسلو ولا داعي للتذكير بالصدمة والالم الكبير الذي غطى الشارع الاسرائيل في اعقاب عملية القتل وقبل مرور عام على الحكومة الانتقالية برئاسة شمعون بيرس صعد نتنياهو الى رئاسة حكومته الاولى تلك الحكومة التي اوحت بالنكران السياسي اتجاه اوسلو رغم بقاء التزامها لرسمي بالاتفاقية من واقع عدم وجود خيار اخر امامها.
وقادت حكومة باراك شارون اولمرت الدولة خلال ساعات المواجهة الدامية مع الفلسطينيين ولكنهم عملوا في ذات الوقت في الساحة السياسية من خلال اعترافهم بعدم وجود حل للصراع دون انهاء الاحتلال وخلق الظروف المواتية لتحقيق روؤية الدولتين لشعبين وذلك رغم اصرارهم على استمرار الاستيطان هذه الحكومات التزلمت وبذلت جهودا في اتجاه التطوير الحذر لاتفاقية اوسلو فكانت خارطة الطريق والانفصال عن غزة ومؤتمر انابوليس.
لقد مرت 15 عاما على مقتل رابين وخلال هذه السنوات اصبحت ساحة العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية في حالة غليان حيث إشتد العنف احيانا وخفت اخرى وارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية بشكل كبير وعمليات السور الواقي والرصاص المصبوب جاءت للرد على موجات الارهاب الانتحاري من جانب وردا على صواريخ القسام من جانب اخر واعادت تأسيس قوة الردع الاسرائيلية في الميدان وخاض الجانبان معركة على الرأي العام وتشويه صورة الاخر وان كان الثمن قاسيا وعنيفا.
ان موت عرفات والانقسام الجغرافي الذي خلقته حركة حماس مكنت حكومة رم الله من تغيير اتجاهها فبدلا من اقامة الدولة " بالروح والدم " اقامته من خلال بناء المؤسسات خطوة بعد خطوة وبمساعدة دولية سخية.
وبالمقابل ارتفعت في اسرائيل اصوات المشككين او حتى المطالبين بتحجيم اية فرصة لخلق الشروط المواتية لاستئناف المفاوضات بما في ذلك حكومة نتنياهو الاولى والثانية ورغم خطاب جامعة بار ايلان تظهر حكومة نتنياهو كمن يتشبه بالوضع القائم وكمن استنفذ الجهود للتوصل الى اتفاق نهائي يقوم على اساس " الارض مقابل السلام " ونهاية متفق عليها للاحتلال والصراع ومنذ اداء الحكومة لقسمها القانوني قبل سنتين رصد من واقع تصريحاتها رفضها وتحفظها على المطالب الدولية الداعية للانسحاب من المناطق المحتلة وكذلك تنصلها من مسار انابوليس وتجاهلها لخارطة الطريق ورفضها القادطع لمبادرة السلام العربية، الامر الذي ادى الى نشوء ديناميكية سياسية ضارة ومهلكة تهدد وضع اسرائيل الدولي وتحفر تحت اساس ليس فقط شرعية الاحتلال ولكن شرعية عضويتها في المجتمع الدولي وعائلة الشعوب الكبيرة.
يبدو لي ان صورة اسرائيل كحصن امامي في المواجهة بين الثقافات والاديان هو امر خطير وتشخيص معارضي الاحتلال في الرأي العام العالمي كأشخاص لا ساميين وهو امر سطحي وساذج والقول ان الرد على هذه التهديدات على امننا القومي يتمثل بتوسيع مصادر وامكانيات الدعاية على الجبهة التكنولوجية العالمية هو وهم حيث لا يمكن لكل هذه الادوات وقف التأكل المقلق في الحصانة السياسية الاسرائيلية على الساحة الدولية وبالتأكيد ليس مواجهة اتساع مبادرات التشكيك في شرعية اسرائيل.
لقد علمتنا التجربة ان هذا الاتجاه لن يتغير حتى يتم ترتيب علاقاتنا مع الفلسطينيين وحتى توقع حكومة اسرائيل بعرض "وصفة "سياسية صادقة لانهاء الاحتلال الذي نتج عن حرب الايام الستة وذلك بناء على اتفاق الطرفين والتوصل لحلول وسط لكافة القضايا.
لكل ما سبق ارغب بالاضافة بان عملي كسفير في جنوب افريقيا منحني امكانية التعرف على دولة عظيمة الانجازات تحوز على احترام العالم جرى اقامتها على انقاض وخرائب نظام الفصل العنصري المقيت الذي سيطر عليها من خلال قوانين عنصرية جرى اقرارها بشكل ديمقراطي مع الاسف.
منذ اقامتها عام 1948 وعلى مدى 46 عاما سعت حكومة الفصل العنصري لفرض هيبتها وسيطرتها الاقليمية من خلال التلويح بالقوة واستخدام هذه القوة ضد خصومها في الداخل والخارج.
لقد حاز نظام الفصل العنصري على تأييد مطلق تقريبا من قبل الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا ليس فقط من باب الفرق العنصري فقط بل من باب الدفاع الذاتي بغض النظر عن الثمن الاخلاقي المرتبط بهذا النظام سعى الحزب الحاكم على مدى السنين لاخفاء الفصل العنصري بمقولات الامن القومي والدفاع عن النفس وطلبت من جمهور الناخبين البيض التضامن السياسي المطلق مقابل ما قيل بانه سيناريو اشكالي وتهديد ديموغرافي داخلي ووجود تهديد استراتيجي على جنوب افريقيا التي تشكل الحصن المتقدم على جبهة الحرب الباردة مقابل هجوم شيوعي مدعوم سوفيتيا والذي يهدد الدولة في كل لحظة من خارج حدودها ولم يتمرد على هذا الفهم سوى القليل من البيض غالبيتهم من اليهود وكانوا في نظر الدولة والنظام عبارة عن خونة مطاردون.
لقد اخطأ من يتهم اسرائيل بالفصل العنصري على طريقة جنوب افريقيا وهذا اتهام انتقامي مدان يلجأ اليه من يرغبون في تحطيم الفكرة الصهيونية التي تحدد اسرائيل كدولة للشعب اليهودي لكنني اعتقد بان تجربة جنوب افريقيا جديرة بالدراسة وهي قد تمنحنا امكانية تشخيص نقاط استناد وانطلاق لتحقيق التغيير المرجو في علاقاتنا مع الفلسطينيين ولا يوجد كل بان الانقلاب القانوني الذي جرى في جنوب افريقيا عام 1984 لم يكن ليحدث دون اعترف حكومة بريتوريا بضرورة تحقيق انقلاب حاد في المسار والاتجاه وانقلاب في قناعتها السياسية ولا يوجد شك بان السلام في جنوب افريقيا اصبح ممكنا بعد تحقيق تغيير اساسي وجوهري في علاقة الطرفين تغيرا شق الطريق اما تحالف ثقة من خلف الكواليس بين القيادات المعتدلة والمتشددة برئاسة ويلهام ديكلارك وزعيم المؤتمر الافريقي نيلسون مانديلا هذا التحالف الذي مكن من تهيئة الرأي العام على جانبي المتراس لقبول السلام ودفع ثمنه الباهض.
لاسفي الشديد لا يبدو عندنا اتجاها مماثلا وانا مقتنع بان المفاوضات بامكانها التوصل الى نهاية الصراع بشرط تحقق الاعتراف المتبادل بان الطبقات العميقة على جانبي المتراس ستواصل تحركها وبث اسباب العداء الخفي والظاهر ولفترة طويلة ومن اجل مواجهة هذا العداء يتوجب على الطرفين تعاون طويل المدى امنيا وساسيا واقتصاديا وتربويا حتى تطوير ثقافة السلام والتعايش ومن هنا فان عملية السلام ليست محدد بالتسويات السياسية والاقتصادية والامنية فقط ولكنها تتطلب جهودا لتخفيف العداء وان " دولتين لشعبين " هي مهمة اولى وضرورية على طريق علاج معمق طويل المدى لتحقيق المصالحة بين الشعبيين وهو شرط ضروري وان لم يكن كافيا لتخفيف العداء العربي اتجاه اسرائيل.
ان ترك العمل في وزارة الخارجية ووداع طاقم الموظفين الرائع ليس امرا سهلا ولكن وفي ظل الوضع الراهن اشعر بان ساعة تركي للعمل قد حانت وبعد هذه الاستقالة سأخصص وقتي وخبرتي وتجربتي ومهنيتي للاندماج بما اراه ضروريا مهما لمستقبلنا كأسرائيليين ويهود وبشر وهو تطوير الاعتراف بالاخر والتحدث معه في نسق علاقاتنا مع الفلسطينيين وسأقوم بذلك في الاطار العملي والمنطقي الساعي للسلام.
اتمنى لكم النجاح على طول الطريق