الجمعة: 26/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

وادي قانا... محمية طبيعية تأبى النسيان

نشر بتاريخ: 21/05/2011 ( آخر تحديث: 21/05/2011 الساعة: 16:30 )
قلقيلية - معا - أحد عشر عين ماء بين سفحي جبلين، وأرض ترقص تحت الشمس، في واد قانا المحمية الطبيعية الفلسطينية التي تقع بين محافظتي قلقيلية وسلفيت في شمال الضفة الغربية، يهبط الجمال من برجه العاجي ليعانق هذا المنظر الخلاب، على امتداد البصر .. خضرة وجمال، أشجار تمتد باسقة نحو السماء، وزهور تتمايل مع نسائم أيار، فراشات هائمات في فلك الربيع الذي كان لفورته هذا العام جمالاً يضاف إلى جمال المكان .

المواطن ماهر علي منصور من سكان ديرستيا هو أحد المزارعين شبه المقيمين في الوادي : " واد قانا من المحميات الطبيعية المشهورة في فلسطين واهم ميزاته انه نبع مياه دائم، وهذه المنطقة معروفة من العهد الروماني في فلسطين حيث توجد في المنطقة آثار رومانية، وحتى هذه اللحظة هنالك سكان يعيشون في الوادي".

|130332|
وكتبت دائرة الإعلام والعلاقات العامة محافظ قلقيلية هذا التقرير عن المنطقة وقالت فيه، يشتهر الوادي بالمزروعات وتربية المواشي ومن المميز في المنطقة الطبيعة الخلابة والجميلة، حيث يوجد في الوادي العديد من الينابيع دائمة الجريان نذكر منها ( عين الحية ، وعين المعاصر ، وعين الجوزة ، وعين الفوار ، وعين البصة ، وعين التنور ، وعين ابو شحادة ) وتوجد عيون خارج الوادي وعيون في المنطقة التي يسكنها الخولة في الوادي ، حيث يعيش هؤلاء السكان حياة بدائية وذلك لعدم توفر الكهرباء وتمديدات المياه " .

|130331|
يحيط بالمحمية الطبيعة ست قرى فلسطينية - وادي قانا- من الشرق بلدة ديراستيا ويحيط بالوادي من الجهة الشمالية قرى جينصافوت وكفر لاقف وعزون ومن الجهة الغربية تحيط به قرى سنيريا ، كفر ثلث ، ومن الجهة الجنوبية ، قرى : قراوة بني حسان ، ومن الجهة الشرقية ، اماتين وديراستيا ومعظم أراضيه يمتلكها مزارعون من بلدة ديراستيا.المجاورة، على مساحة تزيد عن ال ( 10 ) آلاف دونم .

قبل الاحتلال عام 1967 م عاش المزارعون هناك فعمروا أرضهم وزرعوا بياراتهم بالخير، وعاشوا في هناء في محاولةٍ منهم لتحويل أرضهم الى جنة من جنان الخلد، عشرات العائلات العاملة في أرضهم حولت الوادي إلى محمية طبيعية ظلت متنفساً لهم ولكل من يمرُ في منطقتهم .

|130330|
ولان الله وهب ذلك الوادي الجميل نعمه توجهت عيون الاحتلال ومستوطنيه إلى تلك المنطقة التي كان يأسرها النقاء والبهاء، فاقيم بمحاذاة أرضه وعلى جزء من أرضه ست مستوطنات هي عمانوئيل ذات الأغلبية المتدينة، لتمنع الهواء النقي عن الوادي من الجهة الشرقية، وتنساب مياها العادمة في الوادي لتلوث نبعاً طاهراً كان ومازال قبلة للمتنزهين في الربيع، وتحول باقي المستوطنات الخمسة " ( ياكير ) و ( نوفيم ) و ( كرني شمرون ) و ( جنوت شمرون ) و ( معالي شمرون ) ذلك إلى أرض مأسورة بجدار استيطاني من جهاته الأربعة، فهي تطوق أرض الوادي كقيد في المعصم، ويتمرس المستوطنون في التحرش في المواطنين، إضافة إلى أوساخهم ومخلفات مصانعهم التي باتت تنهش كالسرطان في جسد ذلك الوديع..!!

|130329|
المهندس احمد عيد ابن قرية جنصافوط المجاورة ومدير الزراعة يقول : " واد قانا يعتبر من أجمل البقاع والأراضي في فلسطين، ولنا ذكريات طفولة جميلة في هذه المنطقة ، واذكر منذ أكثر من 10 سنوات وطيلة فترة دراستي المدرسية كنا نتجمع من القرى المجاورة " جينصافوت ، ديرستيا ، كفر ثلث ،وعزون " وكانت هذه المنطقة تعج بنا وكنا نتعارف ونلتقي وتجمعنا علاقات طيبة عدا أننا كنا يوميا وبعد دوام المدرسة نضع حقائبنا في البيوت وننزل إلى واد قانا على أساس أننا كنا نقوم بالسباحة وكان هنا الكثير من البرك المشكلة طبيعيا من رب العالمين، وكانت كأنها مدرج منها للكبار وللصغار اقل عمق وكانت مياه العديد من الينابيع تزود هذه البرك بالمياه وكانت مياهها صافية وعذبة ورائعة إلا أن هذه الفترة انتكست المنطقة. فمعظم هذه الينابيع جفت ولم يبقَ إلا ينبوعين أو ثلاثة وهي ضعيفة جدا نتيجة لقيام سلطات الاحتلال بسرقة هذه ألينابيع وذلك عن طريق حفر الآبار الجوفية مما اثر على هذه الينابيع ، والاهم من ذلك انه تم بناء العديد من المستوطنات المحيطة للمنطقة كون هذه المنطقة جميلة جدا ورائعة مما جعلها مطمع للإسرائيليين.

|130328|
المواطنون والمزارعون في الوادي يذوقون العلقم خلال تواجدهم في الوادي، لان المستوطنين يصرون على نهب أرضه الخصبة ومياهه العذبة المواطن ماهر منصور يعلق على معاناة المواطنين جراء الاستيطان والمستوطنين قائلاً : "يتواجد المستوطنون في الوادي على مدار الساعة بحيث يفتعلون المشاكل ويحاولون أن يسيطروا على الأراضي والمياه في الوادي ، محاولين محو ذاكرة التاريخ وذلك بتعليم أبناءهم أن العرب لا يملكون شيئا في هذه الأرض".

ويتابع ومن هذه الممارسات عمل المستوطنون حفلا لطفل صغير قام بخلع غرسة زيتون، وذلك لكونها أول غرسة يخلعها من ارض عربية، وقبل فترة قام المستوطنون بمضايقة النساء ومحاولة طردهن، لولا تدخل شباب بلدة ديرستيا وقيامهم بالتصدي للمستوطنين.
|130327|
ومن السياسات الإسرائيلية لمضايقة المواطنين في الوادي منع المزارعين من تعمير أراضيهم أو زراعتها، حيث يعملون على اخذ صور للمنطقة بشكل مستمر لمراقبة أي تطور على المنطقة وذلك حسب ادعائهم لحماية الطبيعة، ولكن هذا افتراء كونهم يقوموا بالتعديل والتجريف أينما شاؤوا دون رقابة او مراعاة للبيئة حسب ادعاءاتهم، وهذه السياسات أدت إلى تدمير المزروعات وهدر المياه المستخدمة في الزراعة.

المواطنون الذين كانوا بالمئات .. وهم الآن بعدد أصابع اليد أو أكثر بقليل يروَّن قصصا لا يمكن للعقل أن يستوعبها في حكاية العذاب اليومية التي يخوضونها مع المستوطنين، وهم وان حاول المستوطنون أن ينغصوا عليهم عيشهم في الوادي الوديع .. يصرون على البقاء، بين أحضان الطبيعة العذراء طلاب جامعيون بعمر الورد أصروا أن يصعدوا سلم الحياة من هذا الوادي الحافل بحكايا الصمود بين الزهر والورد وعلى أرض تمرحُ فيها الفراشات سابحةً يحاولون نقش سطور حياتهم في معركتهم مع البقاء، الشاب منتصر منصور يرى بأن جمال الطبيعة هنا لا يقاوم، ويصر أن يبقى منزرعاً في أرضه، لرسم حلمه الجميل في أرض تعانق السماء، ويسكن الفضاء الفسيح بهجتها، ويقول : " نعلم جيداً أن المستوطنين أعينهم على هذه المساحات من الأرض العذراء، وهم في كل يوم يجلبون إلى هنا طلاب المدارس كي يلقنوهم دروساً بأن هذه الأرض لهم، وأستغرب من أن الطلاب اليهود يأتون إلى هنا كي يتعلموا عن هذه الأرض، ولماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بتسيير رحلات إلى هذه المنطقة بالرغم من أنها لا تكلفهم شيء..؟!، أنا وان كنت جامعياً أسعى أنا وزملاء لي على مقاعد الدراسة خلال الأيام القادمة لشراع قطيع من الأغنام كي نقيم هنا وننطلق من هنا لأنه من هنا فقط نضمن البقاء، ونواجه حياتنا بإرادة صلبة " . .

وادي قانا أو الأرض العذراء كما يسميها المستوطنون لم يبقَ من عذريتها شيء سوى نباتات قاومت ظلم الاحتلال ومستوطنيه، وأرض .. تأبى النسيان، لتبقى أكبر محمية طبيعية في فلسطين تأن تحت حراب الاستيطان، رافضة التغيب أو النسيان .