السبت: 27/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

ندوة لوزارتي الإعلام والثقافة تستعرض وقائع النكسة

نشر بتاريخ: 06/06/2011 ( آخر تحديث: 06/06/2011 الساعة: 17:26 )
طوباس -معا - استعرضت ندوة نظمتها وزارتا الإعلام والثقافة في طوباس، اليوم، مشاهد نكسة حزيران 1967، من خلال شهادات شفوية شارك فيها رجال ونساء عاشوا مرارتها.

وقال الحاج محمد إسماعيل الخطيب، الذي ولد في يافا قبل النكبة وعاش هزيمة النكسة:" وزعوا في طوباس رشاشات على مجموعة شباب من البلد، قبل النكسة بيوم، وفي 6 حزيران، سمعنا أصوات إطلاق النار من جهة عقابا، بعدها شاهدنا دبابات وعربات عسكرية إسرائيلية، كنا نقف أمام قهوة أبو مرسال، وهربنا إلى مخيم الفارعة. ورايت بعيني الدبابات تطلق النار على معسكر (سميط)، وبعدها احتلوا جبال طوباس."

فيما قدم عاصم توفيق دراغمة شهادة:" كنت أستاذاَ في مدرسة طوباس الثانوية، وعرفنا قبل الخامس من حزيران أن الحرب قادمة؛ فإذاعة صوت العرب، وصوت أحمد سعيد، وخطابات جمال عبد الناصر، أشعلت الأوضاع. قبلها، تشكلت في البلدة لجنة دفاع مدني، وإنقاذ، ووزعت الأسلحة على 12 شاباً، ونصبت رشاشات(برين) التي كانت توضع على قاعدة. ولم يتلق الشبان، الذين حصلوا على الأسلحة، أي تدريب عسكري."

وأضاف:" لا أنسى لحظات تدريبنا على إطفاء الحريق، حين أشعل الضابط ناراً وطلب منا إخمادها، فما كان من أحد المشاركين معنا، إلا وداسها برجليه، وقال: أنهيتها بدون إطفائية! وفي الخامس من حزيران، شاهدت بعيني جلال دراغمة يطلق النار على طائرة ميراج بمسدسه، كانت الأجواء حصادًا، وحرارتها شديدة، وفر معظم الأهالي إلى الفارعة، وبعضهم إلى الأردن. وشاهدت الدبابات الأردنية الساعة التاسعة صباحًا تنزل من جهة عقابا."

وصل دراغمة إلى الفارعة يوم النكسة، واحتمى الأهالي بأشجار البرتقال. كانت كل أربع عائلات، وأكثر تجلس في ظل شجرة، وتظن أنها أكثر أمنا من البيوت.

ويتذكر:" بتنا ليلة في البيارة، وجاء شقيقي مصطفى بجراره الزراعة وعربته الصغيرة، صعدت إليها عائلتي، وكانت مكتظة، اتجهنا إلى الشريعة، واتبعنهم أنا سيراً على الأقدام، وقطعناها وجه الصبح، قبلها، أقمنا ليلة في (مراح الفرس)، ولا أنسى كيف أنني وجدت في حلة(كومة) القمح عجوزاً ميتة، كان اسمها أم زيدان، وكأنها تحتمي من الطائرات. وفي الصباح، جاء رجال ونقلوا جثتها على ظهر فرس. ووصلنا إلى منطقة (كريمة)، وأقمنا في أربد مدة شهرين".

احتاجت "رحلة" صوافطة ست ساعات حتى وصل الضفة الشرقية، لكنه عاد يوم الثامن من حزيران إلى طوباس برفقة فايق أبو الحسن، وفي الطريق نصحه كبار السن أن لا يرجعوا إلى البلد، خشية تكرار قتلهم كما فعل الاحتلال في أول أيامه بالشهداء: عبد عطية، ومطر الشريدة، وعلي أبو القرون، فعادوا إلى منطقة كريمة.

وقال محمد التاج، الذي ولد عام 1960:" استيقظنا في ذلك اليوم من نومنا، أردنا أن نذهب إلى الحارة للعب، فمنعتني أمي أنا وأخوتي الثلاثة الخروج إلى (الحوش)، وكان أبي في الكويت. بعد وقت قصير جاء سيدي توفيق إلينا، وطلب من أمي فوزية أن ترحل، فرفضت، لكنه قال لها: سنرجع إليكم في الصباح لنرحل، جهزوا أنفسكم.، فعاد جدي ثانية، لكن أمي أصرت على موقفها. فقررنا أخيرا أن نخرج إلى مغارة في أطراف البلد، كان مليئة بالناس."

ولا تفارق ذاكرة التاج، كيف أن والدته أصرت على الإمساك بأولادها. كانت تقول لهم: لا تتركوني، ولن أترككم، إما نموت معاً، أو نظل معا.

ويضيف:" نمنا ليلة بالمغارة، وجاء جدي، وأصر على رحيلنا إلى الأردن، كان يجر حصاناً، وتناوبنا على ركوبه، أما والدتي فرفضت، وظلت تمشي، وحين وصلنا إلى النهر، أصرت على أن تقطع بمفردها، أما نحن فنقلنا جدي على ظهر الحصان على دفعتين، ووصلنا منطقة الكريمة، وشاهدنا الكثير من أهالي البلد."

أما خيري أحمد صوافطة فيقول:" كان عمري يومها 22 سنة، كنت في نابلس وأعمل بدائرة البريد ، كنا نتوقع الحرب بعد إغلاق مضائق تيران وطرد الرئيس جمال عبد الناصر للقوات الدولية. عدت يوم الاثنين التاسعة صباحًا إلى طوباس، وشاهدت الناس ينتشرون على جانبي الطريق، وينتظرون وصول الجيوش العربية. وصلنا البلد، واستلمت رشاشا، ونصبته على ظهر دائرة البريد، وصرت أضرب به على الطائرات، لم أكن مدرباً، فيما كانت تشاهدني الحاجة آمنة التاج، كانت تزغرد كلما سمعت صوت الرصاص، وتظن وأنا معها أنني أسقطت الطائرات التي تنخفض في ارتفاعها، وتغير حركتها."

قبلها، ظن صوافطة وأبناء جيله أن السد الذي أقيم قبل اندلاع الحرب في منطقة عقابا، بدعم أمريكي وبكلفة عالية، سيكون الحدود الفاصلة بين العرب واليهود. بعدها أمضى يوماً في ديوان عائلته، وراجت التحليلات والتوقعات، وكانوا يتوقعون استعادة فلسطين.

ويكمل:" يوم النكسة جاء أخي من دمشق في إجازة، حيث كان يدرس التاريخ، وفي اليوم نفسه نزح مع أمي إلى الأردن، وكنت أشاهد جيش الاحتلال يوزع الملبس على الناس، وبقيت وحدي في طوباس، قبل أن أغادر إلى طمون، وسمعت الكبار في السن يقولون إن الجيش الذي دخل بلدنا هو جزائري، غير أنني قلت لصديقي الذي استضافني: الجيش إسرائيلي، وشاهدت نجمة داوود على الدبابة."

ويتذكر صوافطة أول حادثة منع تجول في طوباس يوم السابع من تموز، وبعد شهر من سقوط البلاد، ويستعيد لحظات إصابة سلوى وجلال شهيل، وانقلاب الحافلة التي كانت تقل العائدين من الأردن إلى طوباس؛ لزيادة حمولتها. يلخصها بصوت منهك:"كانت لحظات قاسية جداً."

وتقول ليلى سعيد، التي ترأس اتحاد المرأة في طوباس:" كنت في السادس الابتدائي يوم وقعت الحرب، وعشت في جو كله عسكر، فأخوتي وأبناء عمومتي كانوا يخدمون في الجيش الأردني.

واستمعت إلى توقعاتهم عن الحرب وحدوثها. ويوم السادس من حزيران، خرجنا إلى منطقة (الحفرية) بعيدًا عن المنزل، واحتمينا بأشجار السرو. وقتها، قرر والدي أن نبقى في البيت، ورفضنا الرحيل، حتى لا تتكرر مأساة خروجنا يوم النكبة من بلدنا. وعشنا لحظات قاسية، وانضم إلينا عدد من أهالي المخيم. كنا أطفالا نأكل الفقوس من مزرعة قريبة، وشاهدنا مناظر الرحيل والخوف."

ويقول محمود أمين أبو لبادة:" كنت أشاهد الطائرات الإسرائيلية تقصف العربات العسكرية في معسكر الفارعة، فدمرت مدفعية الجيش الأردني، وشاهدت بعضها يحتمي من الطائرات، ويحاول التواري عن الأنظار. فيما سادت حالة من الهلع بين الأطفال والنساء، وفكرت مجموعات أخرى الرحيل، وبدأت معالم الجنود تختفي عن أنظارنا.أرشدت أخي أحمد الذي أراد النزوح إلى الأردن، وفي الطريق شاهدنا الطائرات الإسرائيلية تقصف سهول البقيعة، وكانت القنابل لا تحرق غير مساحات صغيرة من القمح والشعير. وقبل أن نصل إلى(خزق موسى) في الضفة الشرقية رأينا عشرات الجثث على الطريق، وفتشنا عن( مخاضة) لعبور النهر، وراينا في دير علا الناس في حالة يرثى لها، وجوع، وعذاب."

أرشد أبو لبادة الجرار الزراعي أمامه، على نقطة لاجتياز النهار، غير أنه غرق في المياه. واحتفظ في ذاكرته بعشرات المشاهد والصور للنكسة بمرارتها، بعد أن كان من أوائل أسرى طوباس بعد الاحتلال.

أما فايز أبو ناصرية، فقد كان في نابلس يوم السادس من حزيران، لتأدية امتحان الثانوية العامة، لكن أخبار النكسة قطعت اعتيادية"التوجيهي"، وعاد إلى طوباس. يقول:" شاهدنا جوانب الطريق مليئة بالناس، وكأنهم ينتظرون لحظة انتصار. دخلت بلدنا، وبدأت أشاهد الكثير من الأحداث. أما أخي فترك تنك الكاز الذي كان يعمل على توزيعه، وقاد سيارة وراح ينقل النازحين إلى الأردن، وانتظرنا عودته ليأخذنا، لكنه تأخر، فخرجت مع أمي وأخوتي الساعة الخامسة صباح السادس من حزيران، ومشينا من الفارعة، وأخذنا استراحة بمغارة قرب النصارية، وتابعنا حتى جسر الملاقي ورفضنا الركوب، ووصلنا بعد المغرب. كنا نشاهد الجثث على الشارع، ولا ننسى الجرحى وبعضهم كانت أمعاؤه خارج جسده."

وبحسب أبو ناصرية، فإنه بات ليلة داخل الأراضي الأردنية، وبالقرب من جسر دامية، حتى صباح اليوم التالي لسقوط البلاد، وواصلوا السير، وركبوا من السلط حتى توقفوا ببيت عمهم في عمان. بعدها، اعتاد أبو ناصرية التنقل بين الضفتين، وصار خبيراً بالدروب، والمناطق الضعيفة في النهر، وحفظ مناطق وادي اليابس، وعين البيضاء، عن ظهر قلب.

وينهي:" في إحدى المرات، لما قطعنا الطريق بجوار بردلة، وصل خبر لأمي أنني استشهدت مع 17 شاب، ولم يوقف دموعها وحزنها الشديد غير عودتي سالماً."

وقال مدير وزارة الثقافة في طوباس عبد السلام العابد، إن شهادات النكسة، ليست أحاديث لتعبئة الفراغ، بل تنطق بحجم المعاناة، التي طاردت شعبنا، الذي يحلم بإنهاء الاحتلال، وأن تتوقف النكسة عند هذا العدد من السنوات.

فيما أكد منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف بأن نشر التاريخ الشفوي وجمعه، مهمة وطنية، تساهم في نقل مرارة الابتلاع إلى الأجيال الجديدة، وتبني ذاكرة إصرار على الحرية والخلاص من الاحتلال.