الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

امريكا التي لا نعرفها - اوضاع الفلاحين فيها

نشر بتاريخ: 31/07/2005 ( آخر تحديث: 31/07/2005 الساعة: 11:27 )
معا - من السذاجة تصور أن المجتمع الأمريكي هو مجتمع حضري وصناعي فقط، ومع كون الولايات المتحدة تقع ضمن طليعة دول العالم من حيث التقدم التكنولوجي والصناعي، إلا أنه يوجد بها ثلاثة ملايين فلاح، قلما تم الالتفات إليهم وإلي دورهم في المجتمع الأمريكي.

والأمريكيون خارج مجتمع المدن الكبيرة مثل نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس يتنوعون فيما بينهم من حيث الخلفيات المهنية وطرق الحياة. ومجتمع الفلاحين الأمريكيين مثل أي طائفة رئيسية أخري تلعب دورا كبيرا في بلورة شكل وهوية الدولة الأمريكية.

الفلاحون اليوم في أمريكا
تعد الزراعة من أكثر القطاعات الاقتصادية الأمريكية تنوعا، وتبلغ مساحات الأراضي المنزرعة 372,720,000 هكتار، أو ما يقرب من 200 مليون فدان. وتجني الولايات المتحدة نقداً من تسويق منتجات المزارع 188.6 بليون دولار طبقا لبيانات عام 2000. وبينما تعد أمريكا الدولة الأولى في إنتاج القمح واللحم البقري، ينتج الفلاحون الأمريكيون أيضاً كميات كبيرة من القطن والذرة والأرز والسكر وفول الصويا والتبغ وكذلك الحليب، ومنتجات اللبان المختلفة.

الإنتاج الزراعي عام (2000)
. قمح: 2.22 بليون بوشل
. ذرة: 9.97 بليون بوشل
. قيمة زراعة الفاكهة والمكسرات: 10.6 بليون دولار
. قيمة زراعة الخضروات: 16.9 بليون دولار
. قيمة لحوم الطيور: 17.9 بليون دولار
. دولار الحليب: 75.5 بليون كيلو غرام
. عدد رؤوس الماشية ما يقرب من 99 مليون رأس
يعمل بالفلاحة بالولايات المتحدة أقل من 5% من مجموع السكان أو ما يقرب من 3 ملايين شخص طبقا لإحصاء عام 2000. ويبلغ عدد المزارع بالولايات المتحدة ما يقرب من مليونين مزرعة، يبلغ متوسط عدد الهكتارات المزروعة في كل مزرعة 149.5 هكتار. وتختلف أنواع المزارع بالولايات المتحدة علي النحو التالي فيما يختص بالملكية:
. 85.9% مزارع الأفراد والعائلات
. 14.1% مزارع الشركات ومؤسسات حكومية



ومشكلة الفلاح الأمريكي الأساسية تكمن في حقيقة أن 80% من عمال الفلاحة هم من المولودين خارج الولايات المتحدة، وهذا الرقم الذي ازداد بصورة كبيرة في الفترة بين 1988 و1995، هؤلاء العمال المهاجرون هم غالبا مهاجرون غير شرعيين أتوا من دول وسط وجنوب القارة الأمريكية، ولا يتمتعون بنفس الحقوق المدنية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي بالنسبة للأجور والمزايا. ويبلغ متوسط أجر المزارع "الأجير" 10 دولار للساعة الواحدة. ويبلغ متوسط عمر الفلاح الأمريكي 55 عاما. ومع تطور الأساليب التكنولوجية بصورة كبيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غير المزارعون أسلوب حياتهم وحولوا أنفسهم إلى ما يسمى برجال الأعمال الزراعيين. وقد نتج عن هذا التغيير تقلص القوى العاملة الزراعية، فمن 13.5 مليون فلاح في سنة 1913، وصل هذا العدد إلى 10 ملايين فلاح في سنة 1950، واستمر التقلص حتى وصل إلى 3 عام 2000. ويعد اتحاد المزارعين الأمريكي (American Farm Bureau Federation) أكبر تجمع للدفاع عن جميع الفلاحين في الولايات المتحدة حتى يومنا هذا وقد تم تأسيسه سنة 1919.

ثورة الزراعة الأمريكية
مع توسع وامتداد الدولة الأمريكية غربا منذ منتصف القرن التاسع عشر، فتح أمام الفلاحين الأمريكيين آفاقا جديدة أمام في مجال التوسع في الإنتاج الحيواني وخاصة الماشية وزراعة محاصيل زراعية إضافية بسبب وفرة الأراضي والمياه. وأعتبر بعض المحللين ما حدث في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بمثابة ثورة في الزراعة في الولايات المتحدة. وخلاصة ما حدث كان تطورا كبيرا في الاختراعات الخاصة بالميكنة الزراعية مثل اختراع جون دير للمحراث الحديدي عام 1873، وكذلك حركة جماعات اللوبي المتعلقة بمصالح المزارعين، هذا إلى جانب أثار وتبعات مرحلة إعادة البناء والتي تبعت مباشرة الحرب الأهلية.

وانتهت هذه الفترة من النجاح الاقتصادي للفلاحين الأمريكيين عن طريق حالة الكساد الاقتصادي العظيم الذي خرب اقتصاد أمريكا والعالم في الثلاثينيات من القرن الماضي. وتعرض المزارعون لانخفاض في أسعار الغذاء (وصلت نسبة الانخفاض إلى 50% في الفترة من 1929 وحتى 1932 فقط). ولعبت التغييرات المناخية التي تمثلت في ظاهرة الجفاف الذي استمر نحو عشرة سنوات في الثلاثينيات دورا كبيرا ضد تطور الزراعة الأمريكية. وقد كان الجفاف والرياح يكتسحان السهول الجنوبية لولايات كولورادو وكنساس وأوكلاهوما ونيومكسيكو ومناطق شمال تكساس يجرفان معهما التربة الخصبة للأرض، لهذا اضطر المزارعون المفلسون مادياً للاقتراض من البنوك حتى يتمكنون من الإبقاء على تشغيل مزارعهم. ومع زيادة التدهور الاقتصادي لم يصبح المزارعون قادرين على رد هذه القروض، وكانت النتيجة أن عرض البنك أراضيهم للبيع، مما أثر سلبيا وبصورة كبيرة علي حالة الفلاحين في أمريكا.

وتحسنت ظروف الفلاحين مع خروج الولايات المتحدة من حالة التدهور الاقتصادي، وذلك بواسطة وجود ظروف جديدة شملت صفقة الرئيس فرانكلين روزفلت الجديدة - التي خلقت برامج حكومية ضخمة بغرض توظيف أموال الحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى قيادة برامج حكومية لتطوير الاقتصاد. وكانت العوامل المتعلقة بالحرب العالمية الثانية والتي سببت انتعاشا كبيرا بسبب احتياجات الحرب الصناعية والاقتصادية مما أدى إلى إحياء الزراعة أيضاً تزامنت مع عودة سقوط الأمطار. تخلت الحكومة عن دعمها لضبط أسعار الغذاء، بالإضافة على ذلك أصدرت عدة قوانين تلزم البنوك بعدم الاستحواذ على الأراضي في أوقات الأزمات الاقتصادية.

الفلاحون والسياسة
يستفيد الفلاحون من استقرار الأسعار كنتيجة للدعم الحكومي الذي يتمثل في طريقتين أساسيتين، أولا التعريفة على الواردات، ثانيا الدعم الحكومي للفلاحين الذي سيصل إلى 191 بليون دولار خلال العشرة سنوات المقبلة، هذا بالإضافة إلى 271 بليون دولار لمكافحة تضخم أسعار الغذاء. ويناقش الكونغرس الأمريكي حاليا مشروع إعلان زراعي جديد يتعلق بتوفير حماية إضافية للفلاحين الأمريكيين. وهناك اقتراح مقدم للكونغرس (قانون حماية ومصالح المزارعين وتوفير فرص العمل Agricultural job opportunities, Benefits and security Act) الذى من شأنه منح صيغة قانونية مؤقتة لهؤلاء المهاجرين.

ومعظم المزارعين ينتمون للطبقة فوق المتوسطة أو المتوسطة في المجتمع الأمريكي وذلك بالرغم من دخلهم المتواضع نسبياً فإن حجم وقيمة الممتلكات والبنية الأساسية تجعلهم من الأثرياء، ويكون عادةً من البيض وخاصة للمزارع التي تبلغ مساحتها أكثر من 500 هكتار. وبالرغم من النجاح الظاهر والنفوذ السياسي لهذه الطبقة من رجال الأعمال الزراعيين الذي بلغ إنفاقهم ككل على الأعمال السياسية في الخمسة سنوات الماضية حوالي 69.6 مليون دولار- وهو رقم صغير جدا بالمعايير الأمريكية- فإنهم يعانون من مشاكل صعبة. وعلى الرغم من توفير الدعم الحكومي لضمان أسعار مستقرة للمنتجات الزراعية، ومن ثم عائد مستقر، فإن هذا الدعم لا يذهب للمزارعين المحتاجين بل إلى المزارعين الذين زرعوا محاصيل أكبر، ولهذا فإن ثلثي الدعم الحكومي للفلاحين يذهب إلى 10 % منهم فقط. ولا يتمتع الفلاحون الأمريكيون بنمط تصويتي مشترك في الانتخابات الأمريكية الرئاسية أو المتعلقة بالكونغرس. وتتوزع أصوات الفلاحين بنسب متقاربة بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. ويميل الفلاحون للتصويت للحزب الجمهوري في الولايات الجنوبية مثل تكساس وجورجيا، أما في ولايات الوسط الغربي فيصوت الفلاحون غالبا للديمقراطيين في ولايات مثل أوهايو وأنديانا.

تاريخ الفلاحين في أمريكا
من الجدير أن نذكر أن قادة الثورة الأمريكية مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون كانوا بالأساس مزارعين من الطبقة الأرستقراطية، وأمتلك كل هؤلاء القادة مزارع بالإضافة إلى عبيد يعملون فيها. وتركزت مزارع مؤسسي الدولة الأمريكية في أول مستعمرة بريطانية آنذاك وهى ولاية فيرجينيا. وظاهرة استخدام العبيد فوق كل شيء كانت إحدى المظاهر المشهور بها المجتمع الزراعي الأمريكي في الـ 75 سنة الأولى من عمر الدولة الأمريكية.

واعتمد اقتصاد الولايات الجنوبية أساسا على أصحاب الأراضي من الأرستقراطيين الذين كانوا يستخدمون العبيد الذين تم جلبهم من غرب القارة الأفريقية. وكان يتحتم على العبيد العمل لمدة لساعات طويلة في المزارع، وفي حالات قليلة كخدم في بيوت هؤلاء الأرستقراطيين. وقامت ولايات الجنوب الأمريكي بصفة خاصة بزراعة محاصيل تتطلب أيدي عاملة كثيرة مثل القطن والتبغ، وفي عام 1793 طور "إلي ويتنيEli Whitny " زراعة القطن عن طريق تطويره لماكينات جديدة. إلى جانب ذلك اعتمد اقتصاد ولايات قليلة العدد مثل نورث كارولينا وأوهايو على زراعة محاصيل أخري.

ومثلت نهاية الحرب الأهلية الأمريكية (1960 إلى عام 1864) وما تبعها من إعلان تحرير العبيد وتعديل المواد 13، 14، 15 من الدستور الأمريكي) وفاة أسلوب الزراعة التقليدي المتعارف عليه. وشهدت الفترة اللاحقة للحرب الأهلية ما أطلق عليه اسم (المحاصيل المشتركة) التي يشارك فيها الفلاح المستأجر (منهم الأمريكيون البيض والسود الأحرار على حدا سواء) ما يزيد عن نصف المحصول مع كبار ملاك الأراضي الزراعية في مقابل الحصول على البذور والمؤن اللازمة. وأضطر الفلاحون إلي قبول هذه الصيغية غير العادلة نسبيا بسبب عدم وجود بدائل آخري وتكبلهم بالديون لملاك الأراضي. وخضع لهذا النظام حوالي 80 % من السود و40 % من البيض في الولايات الجنوبية الزراعية.

وبغض النظر عن مشاكلهم الكثيرة فإن المزارعين وصناعة الزراعة سوف يستمرون في لعب دور مهم داخل الولايات المتحدة، فالحصول على طعام بسعر معقول ومستقر هو ضرورة ملحة للبلاد ومسألة أمن قومي ذلك تعد صادرات القمح الأمريكي جزءاً مهماً من اقتصاد الولايات المتحدة العالمي. ويبلغ حجم الواردات الزراعية الأمريكية 39.0 بليون دولار، في حين يبلغ حجم صادراتها 51.6 بليون دولار.
عن تقرير واشنطن