الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفقراء الأكثر تضررا من غياب استخدام العشرة أغورات في فلسطين

نشر بتاريخ: 06/10/2012 ( آخر تحديث: 08/10/2012 الساعة: 08:10 )
رام الله- معا - قام د. نعمان كنفاني مدير البحوث في معهد ماس، ومساعدة البحث في المعهد ديانا خالد، بإجراء تحليل اقتصادي حول غياب استخدام فئة العشر أغورات.

وسعى التحليل إلى الإجابة على عدد من الأسئلة منها: ما هو أثر غياب فئة العشر أغورات من التداول في السوق الفلسطينية؟ هل هناك أثر لغياب هذه الفئة النقدية على الأسعار، وهل أثر هذا الغياب موزع بعدالة على كافة الفئات الاجتماعية؟.

تكتسب هذه الأسئلة أهمية خاصة في الظروف الراهنة في الأراضي الفلسطينية، حيث بلغت الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار وتراجع مستويات الحياة ذروتها.

واظهر النتائج ان فئة العشرة أغورات هي أصغر فئة نقدية متداولة في إسرائيل، وهي تمثل 1/10 من الشيكل الإسرائيلي. وكان بنك إسرائيل (البنك المركزي الإسرائيلي) قد سحب من التداول فئة الخمس أغورات عام 2008 (علما أنه سمح باستمرار التداول بها حتى العام 2011). وعزى بنك إسرائيل قرار سحب فئة الخمس أغورات إلى استبيان للرأي أجراه ووجد فيه أن 80% من العامة أيدوا سحب هذه الفئة من التداول. هذا إلى جانب ارتفاع تكاليف سك هذه الفئة النقدية والتي قدرت بـ 16 أغورة.

وفئة العشرة أغورات هي الفئة النقدية الأكثر انتشاراً في إسرائيل، إذ بلغ عدد الـ 10 أغورات أكثر من نصف عدد الفئات النقدية المعدنية المتداولة. وهي تستخدم بشكل رئيسي في المواصلات العامة.

اختفت فئة العشرة أغورات من التداول في الأراضي الفلسطينية منذ ما يقرب من العقد ونصف. وعلى ذلك فإن أصغر فئة نقدية متاحة للتداول باتت منذ ذلك الحين فئة الـ 50 أغورة.

تأتي أهمية توفر فئات نقدية ذات قيمة صغيرة من دورها في تأمين التسعير العادل للسلع والخدمات. فكلما صغرت الفئات النقدية، كان السعر أكثر دقة وأقرب للقيمة. ولكن، هناك بالمقابل تكلفة سك العملة، وهي تكلفة لا تتقلص بالضرورة مع انخفاض قيمة الفئة النقدية، لذلك يتوجب على البنك المركزي أن يجد التوازن بين تأثير توفر الفئة النقدية الصغيرة على فعالية التسعير من جهة وبين تكلفة سك هذه الفئة من جهة ثانية.

من المعلوم بالطبع أن سلطة النقد الفلسطينية لا تتحمل تكلفة سك فئة العشر أغورات. ولكنها بالمقابل تتحمل تكاليف نقل كميات من هذه الفئة النقدية من بنك إسرائل (البنك المركزي الإسرائيلي) إلى الأراضي الفلسطينية، وتكاليف إرجاعها عند وجود فوائض أو ضرورة الاستبدال. تكاليف النقل هذه قد تكون مرتفعة نسبياً (نظراً لضآلة قيمة الفئة النقدية). من جهة ثانية يجب التنبيه أيضاً إلى أن بنك إسرائيل الذي يتحمل تكلفة السك ولكنه بالمقابل يحصل على إيرادات من إصدار العملة (ما يعرف بالسينيوريج (seigniorage وهو ما لا تحصل عليه سلطة النقد الفلسطينية ويخسره الاقتصاد الفلسطيني.

ولكن هذا الإيراد ليس بالكبير على الأرجح بالعلاقة مع فئة العشرة أغورات نظراً لانخفاض قيمتها. هذا فضلاً عن أن خسارة ايراد الاصدار تترافق مع كافة الفئات النقدية، من كافة أنواع العملات، التي يتم تداولها في الأراضي الفلسطينية.

يؤدي غياب الفئات النقدية الصغيرة غالباً إلى زيادة الأسعار. على سبيل المثال إذا كانت تكلفة انتاج سلعة ما 2.70 شيكل واذا حدد التاجر هامش 50 أغورة للربح فإن السعر يصبح 3.20شيكل. لكن هذا السعر غير ممكن لغياب فئة العشر أغورات من السوق الفلسطينية.

وعلى ذلك يتم تدوير السعر إلى الأعلى وإلى أقرب 50 أغورة (أصغر فئة نقدية متاحة)، أي إلى 3.50 شيكل. ويمثل هذا زيادة بمقدار 9% على السعر. وإذا افترضنا أن هذه السلعة أساسية يحتاجها المستهلك ثلاثين مرة في الشهر فإن وجود فئة العشر أغورات يمكن أن يوفر 9 شيكل على المستهلك شهرياً.

وهذا ليس بالمبلغ الزهيد بالنسبة لدخل الفقراء. من جهة أخرى فإن توفر فئات نقدية صغيرة يمكن أن يسمح بوجود منافسة أقوى، إذ قد يكون بائع المفرق على استعداد للتضحية بـ 20 أو 30 أغورة من ربحه لصالح المستهلك ولكنه يستنكف عن التضحية بنصف شيكل.

تخلصت عدة دول، مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا، خلال الثلاثين سنة الماضية من أصغر فئات عملاتها، إلا أن الفئات التي تم إلغاؤها تعادل أقل من نصف سنت أمريكي. أما في الولايات المتحدة فلا يزال السنت، الذي يمثل 1/100 من الدولار الأمريكي (أقل من5 أغورة)، متداولاً في اسواق الولايات المتحدة.

جرى في الولايات المتحدة دراسات مختلفة لتقييم أثر سحب السنت من التداول. وتوصلت إحدى هذه الدراسات إلى أن هذا سيتسبب بخسارة للمستهلكين تعادل مئات الملايين من الدولارات.

وتوصلت دراسة أخرى في ولاية بنسلفانيا إلى أن أصحاب الدخل المتدني سيكونون الأكثر تضرراً من عمليات تدوير الأسعار عند سحب السنت من التداول، وذلك بسبب تدني قيمة مشتريات هؤلاء في كل زيارة إلى السوبرماركت (5 دولارات أو أقل). وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة سك النيكل الأمريكي (أي 5 سنت) بلغت 7 سنتات عام 2006. ولكن أثره الإيجابي على التسعير هو ما يبرر استمرار وجوده في التداول، على الرغم من تكلفة سكه العالية.

كما تتوفر دراسات موثقة حول ما حدث في الأسواق الأوروبية عند تدوير الأسعار إلى أقرب فئات نقدية من العملة الجديدة عندما تم استبدال العملات الوطنية باليورو عام 2002. وقد وجدت دائرة الخدمات الإحصائية للمفوضية الأوروبية أن التدوير قد أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، وأن ارتفاع الأسعار كان أعلى في قطاع الخدمات وفي سلة السلع الرخيصة التي يتم شراؤها بشكل متكرر.

يبدو من المستغرب أن إسرائيل، التي يبلغ الدخل الفردي فيها نحو 120 الف شيكل في السنة تستخدم فئة العشرة أغورات بينما لا تتوفر هذه الفئة للمستهلك الفلسطيني الذي لا يزيد نصيبه السنوي من الناتج المحلي الإجمالي على 8 آلاف شيقل.

أن سحب فئة الـ 10 أغورة من التداول في الأراضي الفلسطينية لم يكن نتيجة لقرار مدروس يمنع تداولها. ويبدو ان لا احد يعرف تماما لماذا حدث هذا.

ولكن يبدو أن سلطة النقد الفلسطينية بحاجة الآن إلى مبررات مقنعة للسماح بإعادتها للتداول. إذ نقلت وكالة أنباء "معا" عن السيد علي فرعون، مدير دائرة علاقات المجتمع وضبط السوق في سلطة النقد، قوله أن السلطة لا تملك مبررات كافية لإعادة ضخ فئة العشر أغورات في السوق الفلسطيني.

وعزى الآثار السلبية لغياب هذه الفئة إلى عدم مراقبة الأسعار، وهي مهمة تقع على عاتق وزارة الاقتصاد الوطني.

لا شك أن المستهلك الفلسطيني يتأثر من غياب وحدات النقد الصغيرة نظراً لأن عملية تدوير الأسعار تتم دائماً إلى السعر الأعلى. إذ حتى عندما يكون السعر 220 أغورة مثلاً، فإن تدوير السعر يتم إلى الأعلى (أي الى 250 أغورة) وليس إلى الأسفل كما يتوجب في هذه الحالة (أي إلى 200 أغورة).
ويتولد التأثير القوي نسبياً على المستهلك الفلسطيني من سببين:

أولهما، أن الجزء الأكبر من الإنفاق النقدي للمستهلك الفلسطيني يذهب إلى الإنفاق على الغذاء (34% في الضفة و40% في غزة) والمواصلات 12%. وهي مدفوعات تتم تكراراً وبدفعات صغيرة نسبياً.

وثانيهما أن مشتريات الفقراء تتم بشكل أكثر تكرار وبمبالغ أكثر ضآلة على امتداد الشهر من مشتريات الأغنياء.

هذان العاملان يؤديان إلى رفع تكلفة التدوير على المواطنين بشكل عام وعلى الفقراء منهم بشكل خاص.

يتطلب قرار إعادة ضخ وحدة الـ 10 أغورة في السوق الفلسطينية دراسة متأنية لجدواها الاقتصادية.

ويستلزم ذلك المقارنة بين تكلفة إرجاعها للأسواق الفلسطينية من جهة، والمنفعة المتأتية من استخدامها لجهة تخفيض الأسعار وتحسين آلية التسعير من جهة أخرى.

هذا على الرغم من أن التحليل السريع والشواهد الجاهزة التي تم عرضها أعلاه تشي بأن المزايا يمكن أن تكون كبيرة بما فيه الكفاية.