الخميس: 25/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا يريد الأميركيون والأوروبيون- دولة غزة أولاً

نشر بتاريخ: 27/08/2005 ( آخر تحديث: 27/08/2005 الساعة: 13:02 )
القدس - معا - تقرير اخباري - أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة حول دعوته للفلسطينيين بتشكيل ما أسماه "حكومة فعّالة " لتدير شؤون "شعب غزة" وتهتم برفاهيته، مخاوف قديمة كان الاسرائيليون أول من لمحوا اليها حول دولة فلسطينية في غزة يستقل بها الفلسطينيون ويقيمون على أراضيها دولتهم العتيدة.

ويتذكر كثير من المسؤولين الفلسطينيين تصريحات كانت صدرت عن مستويات سياسية وعسكرية في اسرائيل قبل نحو عامين لمحت الى إمكانية طرد الرئيس الراحل ياسر عرفات وكبار معاونيه، ووزراء سلطته الى غزة ليقيموا دولتهم هناك.

في واحد من السيناريوهات التي رأى الاسرائيليون في حينه أنها أقل ضرراً بمكانة اسرائيل، فيما لو أقدمت على قتل الرئيس الفلسطيني داخل مقره برام الله.

ويبدو الآن أن السيناريو الاسرائيلي، وبعد أن تم التخلص من عرفات، بوفاته التي لا تزال غامضة لدى شعبه، وتثير تساؤلات حول ما اذا كان قضي عليه بالسم البطيء - يبدو هذا السيناريو أكثر واقعية واحتمالاً وإمكانية للتنفيذ بعد نجاح رئيس الوزراء الاسرائيلي أرئيل شارون في سحب قواته، وإخلاء مستوطنيه من قطاع غزة، وتسليمه الى السلطة الوطنية دون أي اتفاق رسمي معها، ودون أن تضع الدولة العبرية أي التزامات عليها بشأن الواقع الجديد الذي فرضته على الفلسطينيين، والذي بدا للبعض منهم على أنه "إنجاز كبير"، وبداية الزحف نحو القدس"، فيما شكك آخرون في أهداف هذه الخطوة المفاجئة من جانب شارون الذي كان صرح أكثر من مرة " بأن لا إنسحاب من القطاع، وبأن "نتساريم" هي مثل تل أبيب".

وإذا كان الاسرائيليون برروا هذا الانسحاب بمخاوف ديمغرافية تهدد مستقبل دولتهم اليهودية، فإنّ حقيقة هذا الانسحاب أو الاخلاء المفاجيء، يتصل باعتبارات أمنية وسياسية استراتيجية تتعلق بمستقبل اسرائيل التي أرضها الانتفاضة الفلسطينية، وكذلك التغيّرات الأقليمية والدولية خلال السنوات القليلة الماضية خاصة بعد أحداث أيلول في الولايات المتحدة، وما أعقبها من حرب شنتها الولايات المتحدة ضد ما أسمته " بالإرهاب" في كل من أفغانستان والعراق، وما بدا واضحا من علاقة وثيقة بين الاستهداف المتزايد للمصالح الأميركية في المنطقة والعالم والموقف الامريكي من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ما أدى في السنتين الأخيرتين على الأقل الى صغوط دولية متزايدة نادت بحل هذا الصراع وانهائه، ما زاد من الضغوط على اسرائيل وخشيتها كما صرح بذلك رئيس وزرائها أرئيل شارون اكثر من مرة بأن صمود اسرائيل أمام هذه الضغوط لن يستمر طويلاً، وبالتالي فعليها أن تبحث عن بدائل لحلول حتى ولو كانت مؤقتة وتمتد لفترات طويلة تمكن الدولة العبرية من تجنب هذه الضغوط في مقابل دفع أقل ثمن ممكن من التنازلات.

ويبدو واضحاً من تصريحات الرئيس الامريكي جورج بوش في تعليقه على الانسحاب الاسرائيلي بأن اسرائيل بعد الانسحاب هي "أكثر قوة ومنعة " ، وهي تصريحات أعقبها بعد ذلك بأيام مطالبته للفلسطينيين بإقامة " حكومة فعالة تهتم بشعب غزة" كما قال - في حين بدأ الاسرائيليون يتحدثون عن إجراءات جديدة ستنفذ بعد إتمام انسحابهم من القطاع، وتقضي هذه الاجراءات بالزام الاجانب، والاسرائيليين وحتى الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية ومن المواطنين داخل الخط الأخضر من الحصول على تأشيرات " فيزا" للدخول الى غزة، باعتبار أن الوضع الناشيء هناك بعد الإخلاء الاسرائيلي يفرض اجراءات عبور كتلك المتبعة بين دول الجوار.

وبدا أكثر من مسؤول فلسطيني مذهولاَ أمام خطة شارون الاستيطانية. حيث شبه النائب حاتم عبد القادر هذه الاجراءات الاسرائيلية الجديدة والتي لا علم لؤلاء المسؤولين بها بل أبدى بعضهم استغرابه منها لكنهم أجمعوا على رفضها ووصفها بالاجراءات الخطيرة.

وقال النائب المقدسي عبد القادر ان الاجراءات التي يريد الاسرائيليون فرضها لمن يريد الدخول الى غزة ستشابه الى حد بعيد الاجراءات المعمول بها لزيارة أي سجن تديره الدولة العبرية، ما يعني أن غزة لا تزال محتلة، وستبقى كذلك وعليه فمن المبكر أن يحتفل الفلسطينيون بالتحرير. وأضاف عبد القادر من ناحيتنا نحن نرفض هذا التوجه، فغزة والضفة بما فيها القدس الشرقية وحدة جغرافية وديمغرافية واحدة موحدة والسلطة الوطنية هي سلطة واحدة ولايتها السياسية تشمل هاتين المنطقتين ومن غير الوارد قبول دولة غزة أولا أي تحويل القطاع الى معمل اختبار السلطة والقانون والنظام، فيما تترك القدس والضفة نهبا لمشاريع شارون الاستيطانية وفي هذا يشبه عبد القادر العرض القائم حالياً، بأنه " كمن يعطي جبن غزة للفلسطينيين ويمنح الاسرائيليين عسل الضفة ولبنها".

من جانبها أكدت هند خوري وزيرة الدولة لشؤون القدس، أن عرضاً مثل :" دولة غزة أولاً هو عرض مرفوض، وإن كان لمح الأميركيون والاوروبيون اليه قبل الانسحاب الاسرائيلي من غزة. واستذكرت الوزيرة خوري طلباً توجه به القناصل الأجانب في القدس الى السلطة الوطنية قبل اكثر من شهرين حول كيفية التعاطي مع إجراء اسرائيلي يلزمهم بالحصول على تأشيرات " فيزا" للدخول الى غزة. وقالت : " كان موقفنا آنذاك واضحاً، وقد قلنا لهم في حينه، بأننا نرفض مثل هذا التوجه ولن نتعاطى معه.

أمين عام مجلس الوزراء الفلسطيني سمير حليلية قال أن السلطة الوطنية طلبت توضيحات من واشنطن حول تصريحات بوش الأخيرة، وهي في انتظار الحصول على تفسيرات لها .

ومع أن الموقف الفلسطيني الرسمي يصر على الولاية الجغرافية والسياسية الكاملة على الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة , فان الريبة والقلق من التوجه الحالي سواء للادارة الأمريكية او للأوروبيين ازاء "غزة اولا" هو ما يسيطر على الفلسطينيين وما يزيد عن قلقهم التصعيد الاسرائيلي في الضفة والقدس والذي بدا في أيامه الأخيرة يحمل مؤشرات لما سيكون الوضع مستقبلا في هاتين المنطقتين فالذي حصل في طولكرم قبل يومين عبر عملية اغتيال لخمسة فلسطينيين , ثم اطلاق حملة استيطانية غير مسبوقة من الاستيطان ومصادرة الأراضي لا يعدو كونه بعض ملامح المرحلة القادمة , والتي قال عنها النائب عبد القادر " انها تفتح الباب امام صراع أجيال بين الفلسطينيين والاسرائيليين ".