الجمعة: 17/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل تغيرت قواعد اللعبة على جبهة اسرائيل الشمالية؟

نشر بتاريخ: 29/03/2014 ( آخر تحديث: 01/04/2014 الساعة: 10:17 )
هل تغيرت قواعد اللعبة على جبهة اسرائيل الشمالية؟
بيت لحم - معا - استعدت إسرائيل على مدى زمن طويل لاحتمالية تصعيد الأوضاع على الساحة الشمالية " الحدود مع سوريا ولبنان" خاصة في ظل المخاوف من امتداد الأحداث التي تشهدها سوريا نحو إسرائيل وبالتالي وجود منطقة حدودية لا تخضع للسلطة المركزية على طول الحدود في هضبة الجولان تستغلها أطراف " إرهابية متمردة " وأخرى " جهادية " للعمل ضد إسرائيل وفقا لما استهل به نائب رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال احتياط " اودي دكل" مقالته التحليلية التي نشرها على موقع المعهد الالكتروني.

يمكن ان تشكل العمليات الثلاثة التي شهدتها منطقة الحدود مع لبنان وهضبة الجولان منذ مطلع الشهر الحالي " آذار 2014 " بشرى أو نذير على تغير الوضع القائم بما تحمله هذه العمليات من إمكانيات واحتمالات تصعيديه والانتقال من ساحة شمالية هادئة نسبيا إلى ساحة نشطة وفعالة .

ويعتبر التحدي الذي تشكله الساحة الشمالية تحديا معقدا ومركبا وذلك لكثرة اللاعبين الذين يحملون مصالح وأهداف متناقضة الأمر الذي قد يجر إسرائيل برغبتها أو رغما عنها للمواجهة المستمرة ولسلسلة طويلة من الحوادث الحدودية وصولا إلى إمكانية إطلاق النار باتجاه عمق المنطقة الإسرائيلية وبالتالي تصعيدا واسعا.

ومع ذلك فان العملية الأخيرة والمتمثلة بزرع العبوة الناسفة وتفجيرها ضد دورية إسرائيلية في هضبة الجولان لم تكن في قلب السيناريوهات التي وضعتها إسرائيل بعد أن اتضح بان العبوة زرعتها جهات تعمل لصالح حزب الله وفيما يبدو بمعرفة ودعم قوات الجيش السوري لذلك فان العمليات الثلاثة، اثنتان في الجولان ضمن المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش السوري والثالثة في منطقة مزارع شبعا التي تشكل منطقة عمليات طبيعية لحزب الله تؤشر بنسبة كبيرة بان الأمر يتعلق بسلسلة عمليات موجهة ومقصودة ونحو إمكانية أن تكون الجهة المنفذة لها هي حزب الله نفسه.

ويبدو أن الغارة الجوية المنسوبة لإسرائيل التي وقعت في 24/2/2014 واستهدفت قافلة سلاح كانت في طريقها من سوريا إلى لبنان هي من أطلقت سلسلة العمليات وذلك خلافا لعمليات وغارات سابقة نسبت هي الأخرى لإسرائيل فان الغارة الأخيرة وقعت داخل الأراضي اللبنانية وكانت نتائجها أوسع من تدمير وسائل قتالية وأسلحة ما اجبر زعيم حزب الله نصر الله على إطلاق تعهدا بالرد عليها في الوقت والزمان المناسبين فربما اعتقد حزب الله بان الغارة تشكل كسرا وتغييرا إسرائيليا في قواعد اللعبة التي كانت مقبولة حتى ألان لذلك كان من الضرورة لحزب الله أن يرسل إشارات تؤكد بأنه لن يقبل باستمرار الغارات على لبنان وانه ملزم بالرد في هذه الحالة وذلك حتى يحافظ على صورة الحزب كمدافع وحام للبنان في وجه إسرائيل .

وإذا صحت التقديرات القائلة ان الأسد وقواته العسكرية مشاركان بعملية زرع العبوة الناسفة حتى لو من باب العلم بها يبرز هنا السؤال الكبير ما هي الأسباب التي جعلت الأسد يغير سياسته التي تمثلت بعدم الرد على الغارات التي نسبت لإسرائيل ؟ .

بنظرة اشمل وأوسع نجد عدة تطورات من شانها أن تؤثر على تقدير الموقف بالنسبة للأسد وحزب الله فيما يتعلق بتقديرهم للجدوى والفائدة مقابل الثمن المتوقع والضرر الذي قد يحلق بهم من خلال استعدادهم لفحص " حدود" قواعد اللعبة مع إسرائيل والمخاطرة بتصعيد الأوضاع.

بالنسبة لحزب الله أعاد لنفسه قليلا من الثقة الذاتية وذلك على ضوء نجاحه العسكري في سوريا في قاطع يبرود وطرد قوات المتمردين من منطقة الحدود اللبنانية السورية وداخليا توصلت القوى السياسية اللبنانية المتنافسة الى اتفاق حول تشكيل الحكومة تطرق في بيانها الوزاري وخطوطها الأساسية إلى حق المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لمناطق " شعبا وتلال كفار شوبا " ومع كل هذا الوضع الداخلي اللبنانية والتهديدات التي تواجه حزب الله لا تبشر بالخير والدليل على ذلك سلسلة السيارات المفخخة التي أصابت مسئولين في الحزب.

وبالنسبة للاسد الذي وعلى عكس معظم التوقعات نجح بالصمود والنجاة بنظامه منذ ثلاث سنوات فان تفسيره للإحداث فور بدايته وتأكيده بان الأمر لا يتعلق بثورة شعبية سورية بل بهجمات إرهابية سلفية جهاديه تستهدف سوريا والدولة فيها تحقق بكامل تفاصيله وبات هذا التفسير يظهر كتفسير صحيح في ظل ضعف المعارضة السورية المعتدلة والعلمانية .

يتلقى الأسد دعما ماليا وعسكريا إيرانيا بل حصل على الشرعية الدولية بعد توقيعه اتفاقية الأسلحة الكيماوية الذي يشكل طرفها الثاني والضامن المنفذ لها فيما تزيد روسيا من حجم دعمها للأسد سواء بالوسائل والاستشارات إضافة إلى حقيقة ظهور الرئيس الروسي بوتين بمظهر الزعيم الصلب والمصمم الذي لا يرتدع ولا يخشى مواجهة الغرب وبالتالي فرض حقائق عملية وميدانية بالقوة في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم يضاف إلى كل هذه الاعتبارات فشل مؤتمر جنيف 2 التي أظهرت فعليا عدم وجود معارضة سورية يمكن ان تشكل بديلا لنظام الأسد الذي أعرب عن نيته ترشيح نفسه خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.

وهنا يطرح السؤال نفسه، هل والى أي مدى ترغب الأطراف في تغيير قواعد اللعبة التي كانت سائدة حتى ألان؟ من المعقول القول بان الأسد الذي شعر مؤخرا بالقوة يدركان انضمام إسرائيل للمواجهة الدائرة في سوريا يعني تغييرا دراماتيكيا في ميزان القوى لدرجة انه قد يخاطر ببقاء نظامه لكن وبالتوازي مع هذا الفهم فقد استوعب الأسد الرسائل التي توضح بان إسرائيل تفضل عدم التدخل بالمواجهات الداخلية وعدم التورط في المستنقع السوري.

لكن حزب الله الذي انبرى للدفاع والقتال إلى جانب الأسد بات يدفع ثمن موقف الأخير من رصيده ومن شرعيته داخل لبنان لذلك إذا فرضت عليه مواجهة مع إسرائيل فانه يفضل استنساخ ساحة المواجهة ونقلها إلى هضبة الجولان بدلا من وقوع المواجهة على ارض لبنان فيما يخشى نصر الله إن تستغل إسرائيل الضائقة التي يمر بها لمحاولة فرض قواعد لعبة جديدة ومن هنا جاء تعهد نصر الله بالرد على الغارة الجوية الأخيرة وذلك خشية ان تكون الغارة طليعة توجه إسرائيلي لتغيير قواعد اللعبة فبعث برسالة إلى إسرائيل بأنه يمتلك إمكانية تغيير هذه القواعد أيضا عبر العمل انطلاقا من هضبة الجولان ومن الناحية الثانية فان حزب الله ملتزم مع الأسد ومدين له عليه أن يدرس خطواته بحذر شديد والامتناع عن القيام بعمليات قد تهدد النظام السوري.

تؤكد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مؤخرا مواقعا أمنية وعسكرية سوريا بان إسرائيل ترى دون ادني شك بان حزب الله والنظام السوري " بالمعرفة " هم شريكان في عملية زرع العبوة الناسفة لكن لا يوجد مصلحة لاسرائيل في الوقت الراهن بالتدخل فيما يجري في سوريا لعدم وجود ضمان بان الوضع الذي سينشأ بعد التدخل الإسرائيلي سيكون أفضل بالنسبة لها وكل ألدلائل تشير إلى عدم وجود بديل معتدل يخلف نظام الاسد وهناك احتمال حقيقي بان يؤدي سقوط النظام إلى سقوط سوريا في أيدي السلفيين والجهاديين .

ان حالة عدم اليقين المتعلقة بالوضع في سوريا خلقت حالة ردع ثلاثية بين إسرائيل وسوريا وحزب الله يمتلك فيها كل طرف من أطراف المعادلة ما يمكنه من إلحاق الأذى والضرر بالطرف الأخر الذي قد يفكر بالتسبب بتدهور الأوضاع بشكل خارج السيطرة وفقط اللاعبين " غير الرسميين" مثل الجهاديين والسلفيين ومعارضي الاسد قد يحاولون استغلال الوضع والقيام بعمليات تظهر وكأنها من فعل حزب الله والنظام السوري حتى يجرون إسرائيل لرد فعل تصعيدي وبالتالي التسبب بتدهور الأوضاع وإسقاط الأسد.

وأخيرا يمكننا القول أننا في أوج حدث يحاول فيه الطرفان امتحان و تصميم " بشكل محدود " قواعد لعبة جديدة دون اختراق الإطار العام الذي حكم الوضع حتى ألان ومع ذلك فان امتحان حدود وخطوط الطرف الأخر يحتوي على إمكانية التصعيد لكون سوريا ولبنان دول غير مستقرة وكل عملية قد تؤدي إلى سلسلة من التطورات والإبعاد غير المخططة وغير المتوقعة ومن هنا يوجد دائما فرصة لتدهور الوضع بطريقة غير مضبوطة يقوم فيه كل طرف بإرسال إشارات لطرف الأخر ما ينتج مسارا للتصعيد.

واختتم الجنرال احتياط "ديكل مقالته بالقول" تستعد إسرائيل منذ فترة طويلة لمواجهة الواقع السوري المتغير في سوريا وفي هضبة الجولان ومع ذلك فان الرد الإسرائيلي استهدف دائما " سوريا الأسد" رغم انه لا يسيطر على أكثر من خمس البلاد لكن إسرائيل ترى فيه العنوان الواجب عليه أن يمنع أية عمليات تستهدفها انطلاقا من الأراضي السورية رغم معرفة إسرائيل بان قوات الأسد لا تسيطر على الوضع فيما لازال الافتراض بان العملية تمت بمعرفة نظام الأسد بحاجة إلى دليل .

وعلى هذا الأساس يجب على الجيش الإسرائيلي أن يلاءم عملياته مع الوضع الناشئ وان يكون مستعدا لمواجهة سلسلة من الاستفزازات والامتناع عن القيام بردود فورية غير مضبوطة تكون موجهة للعنوان غير الصحيح وعدم الوقوع في الفخ الذي يحاول حزب الله وسوريا وجهات متمردة أخرى نصبه له وان يكتفي بالرد على عمليات تكون فيها مسؤولية حزب الله وإيران واضحة جدا وفي هذه الحالة من المهم أن يتم الرد الإسرائيلي ضد القوات المؤيدة للأسد والتهديد وإعطاء إشارات تهدد نظام الأسد لان استمرار هذا النظام يشكل مصلحة مركزية إستراتيجية بالنسبة لإيران وحزب الله.