سما حسن
ليس غريباً، ولا مثيراً للدهشة، تكريم عربي لثلاثة إبداعات لثلاثة من كتاب فلسطين، أخيراً، ما يحدونا، كفلسطينيين مخلصين، أن نطلق على 2015 اسم عام الإبداع الفلسطيني، لأن التكريم في منافسات جائزتين عربيتين، جاء مع الأشهر الأولى من العام، ما يملؤنا بالتفاؤل، إن أخلصنا النية، أن هذا العام لن يختتم إلا بمزيد من الإنجازات الفلسطينية، فالكاتب الغزي ابن مخيم جباليا، عاطف أبو سيف، فازت روايته (حياة معلقة) بالوصول إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر"، وقد وثقت حياة شعب بائس في غزة، مرّ بانتفاضتين متتاليتين، ويعايش حصاراً خانقاً الآن، وهو باختصار، حسب تعبيره، وصف غزة بامرأة فقدت شبابها بسبب ما طالها من ويلات. ومثله فعل الشاعر غسان زقطان، فديوانه (لا شامة تدل أمّي علي) الذي وصل إلى أن يكون أحد ثلاثة إبداعات أدبية تتنافس على جائزة الشيخ زايد للكتاب، فئة الأدب، خلد فاجعة الأمهات العربيات عامة، المجبولات على فقدان الأبناء، وتتنافس معه على الجائزة نفسها، (مع رواية ثالثة للمصري إبراهيم عبد المجيد)، رواية أسامة العيسة (مجانين بيت لحم)، وهي عن خيبات أمل يعيشها الفلسطينيون.
هو تكريم لثلاثة أدباء من شعب فلسطين الذي لم يتوقف عن أن يكون سباقاً في إبراز المبدعين واللامعين والمميزين على الصعد كافة، ما يؤكد أن المعاناة رحم الإبداع، وهؤلاء استشعروا معاناة شعبهم الذي هم جزء منه. ولذلك، يجب أن نسأل: لماذا لا يلقى المبدعون البارزون ما يستحقون من حفاوة، ولمَ تمر أخبار فوزهم من دون اهتمام لائق في وكالات ومواقع الأنباء العربية؟
هل الغناء وحده المحظي بالاهتمام، بينما يهمل الإبداع الفكري والثقافي؟ نتذكر أن فوز شاب من غزة في مسابقة غنائية، قبل عامين، هو محمد عساف، شغل المنابر الإعلامية التي اهتمت بكل صغيرة وكبيرة بخصوصه، بدءاً بنشأته المتواضعة في أحد مخيمات غزة، إلى النبش في حياته الخاصة، بحثاً عن حبيبة له مجهولة. وبالمثل، هلّل الناس، أيضاً، لفرقة التخت الشرقي الغزي، المكونة من عدة أطفال، جاهدوا كثيراً حتى خرجوا من غزة المحاصرة؛ ليصلوا إلى برنامج مسابقات آخر، ويقدموا عزفهم على الآلات الموسيقية الشرقية المختلفة، أمام جمهور عريض، ولجنة تحكيم صفقت له بانبهار، أحسبه مبالغا به، أمام موهبة يمكن أن تبلغها أي مجموعة من أطفال غزة الموهوبين المغمورين، ببعض التمرين والتوجيه والمثابرة، لو فتحت حدود غزة مع العالم. وهنا، أسجل سعادتي وفخري بأبناء فلسطين جميعاً، وبكل ما ينجزون، لكنني أتمنى للثقافة والأدب اهتماماً مماثلاً على الأقل.
قبل أشهر، مررت وكالات الأنباء الفلسطينية خبراً عن طالب جامعي فلسطيني، أنجز عدة اختراعات، إذا تم تبنيها ستحدث انقلاباً في كل معايير الأنظمة الاقتصادية، وبالتالي، السياسية، في العالم، فقد استطاع اختراع غاز بديل عن غاز الطهي المعتاد، إضافة إلى اختراعات أخرى، تحلّ مشكلة الوقود عالمياً، لكن هذا المخترع الناشئ، بمختبره المتواضع، لم يجد جهة إعلامية تهتم بإنجازاته، ولا جهة علمية تتبنى اختراعاته سوى جامعته، وبجهودها المحدودة، وفي سابقة جديدة أيضاً.
إن من يوغلون في تغييب هذه الإبداعات العلمية والأدبية، وتهميشها هم أنفسهم من يبالغون في التصفيق لمواهب الغناء، وربما يكون بعضهم من طائفة المتآمرين على الشعب الفلسطيني، ومن زمرة الساكتين عن حصار غزة، بشعبها القليل الموارد، الغني بالعقول المدبرة والمفكرة. وهؤلاء الكارهون للثقافة والفكر هم من يسيسون الجوائز، ويفنّدون انتماءات أصحابها، فقديماً قالوا إنه لا كرامة لنبي في وطنه، وهذا قول ينطبق على المبدعين والعلماء الفلسطينيين، حيث لا كرامة ولا رعاية ولا تكريم لهم، إلا حين يموتون، عندها يتذكرهم من أهملوا الاهتمام بهم.