الأحد: 19/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

المرشح الأقوى لخلافة الرئيس أبو مازن - بقلم : د . سمير محمود قديح

نشر بتاريخ: 15/10/2007 ( آخر تحديث: 15/10/2007 الساعة: 11:41 )
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
يؤكِّـد مقرَّبون من الرئيس القائد أبو مازن، أن سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بانقلابها على شرعية الرئيس المنتخب والأداء السيئ لبعض قيادات حركة فتح ربَّـما شكَّـلا الصدمة الكبرى في حياة هذا السياسي الفلسطيني المخضرم ، الذي عمل لعقود بعيدا عن الأضواء.

بيد أن ثمة قناعة راسخة لدى هؤلاء وآخرين كثيرين ، أن حماسَ القائد أبو مازن بتحقيق المشروع الوطني ، المتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وقناعته بالمُـضي قُـدما، لم يفترقا أبدا بالرغم من ذلك كله.
إذا كان القائد أبو مازن قد عرف بزُهده بالمناصب والسلطة ، رغم حياة حافلة بالسياسة منذ تأسيس حركة فتح عام 1965، فإن المقادير قادته ليتربَّـع على عرش الهرم الفلسطيني في ظروف لا سابق لها.

ومنذ تولي هذا القائد رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في نهاية 2004 وأوائل 2005، أثر رحيل الشهيد ياسر عرفات ، عصفت الأزمات بأركان القيادة الفلسطينية من كل حدب وصوب. وقد شكَّـل إصرار أبو مازن على إجراء انتخابات عامة تشريعية تشارك فيها حركة حماس ، بالرغم من ضغوط داخلية وخارجية بتأجيلها، أولى الحلقات في المشهد الصعب، الذي لا زال يتوجَّـب عليه إدارته وتوجيه دفَّـته. ومع فوز حماس، توالت الضغوط الخارجية والإقليمية والدولية والمحلية على أبو مازن بعدم السماح للحركة الإسلامية بتولّـي دفَّـة الأمور وتشكيل حكومة إسلامية خالصة.

لكن أبو مازن ، المعروف بعِـناده وإخلاصه لمبادئه، لم يكن ليقبل ذلك وواصل الحوار الذي كان بدأه مع حماس، على أمل ضمِّـها إلى النظام السياسي الفلسطيني، باعتبارها حركة سياسية فلسطينية كباقي الفصائل. وبالرغم من انخراط حماس في المواجهات مع عناصر حركة فتح منذ بداية عام 2006، إلا أن أبا مازن ظلّ يعتبِـر الطرفين، حماس وفتح، مسئولين عن الصراع الدائر، واستمر في تصميمه على إمكانية احتواء حماس بالحوار.

بيد أن هذا التصميم والإرادة ، التي لم تكن تلين حتى لمطالب الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي بعزل حماس وحصارها ، تبدّدت جميعا ساعة إعلان حماس سيطرتها على قطاع غزة ، وتحَـوِّل عِـناد الرئيس وحماسه إلى إصرار معاكس تماما. فقبل ساعات على إعلان حماس سيطرتها على مقرات الأجهزة الأمنية في منتصف شهر يونيو الماضي ، كان الرئيس القائد أبو مازن قد خرج للتَّـو من اجتماع مع مسئولين من الاتحاد الأوروبي قال في ختامه إنه يُـحمِّـل كلا من حماس وفتح مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة .

لكن في اللَّـحظة التي أعلنت فيها حماس رسميا سيطرتها على غزة تلبيَّـة لأجندة خارجية، " سوريا وإيران " ، خرج الرئيس مُـعلنا أن ما حصل ليس سوى انقلاب على الشرعية ، وأنه ليس ثمة حوار مع حماس قبل أن تعود عمَّـا فعلت وتعتَـذر ويحاسَـب المسئولون عن ذلك . والآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الانقلاب ، لا زال أبو مازن على موقفه ، بل أنه غاضب من حماس لدرجة تجعله يرفُـض حتى الحديث حول المسألة ، ومن حقه أن يفعل ما يشاء لأنه تحمل كثيرا ، وتحمل من هؤلاء ما لا يطيقه أي رئيس دولة في العالم .

فهو رجل مخلص لما يؤمِـن به إلى أبعد الحدود، وما حدث في غزة، كان بمثابة صدمة كبيرة له لان شخصيته الصَّـادقة والطيِّـبة والمخلصة جعلت من الانقلابيين يفعلون جريمتهم والتي تهدِّد المشروع الوطني برمَّـته. فقد كان الرئيس أبو مازن يحمِّـل الطرفين، فتح وحماس، المسؤولية، وخلال لقاءاته مع المسئولين الدوليين، كان يدافع عن حماس وعن دورها، لذلك فإن ما حدث شكَّـل خيبة أمل كبيرة وقد ترك ذلك آثارا على سياسته.

إن الرئيس كان صادقا جدا في حواره مع حركة حماس وأنه كان يعتقد بالفعل أنه يُـمكن ضم الحركة الإسلامية إلى النظام السياسي الفلسطيني . وهنا لا بد أن أشير إلى جهود الأخ الرئيس أبو مازن في التوصل لاتفاق مكة المكرمة ، وأقول للرئيس .. لقد أوفيت بالعهد الذي قطعته على نفسك باستنفاذ كل وسائل الحوار ، وإبعاد شبح الحرب الأهلية عن شعبنا . وخلال الأزمة التي عصفت في مناطق السلطة والأحداث المؤسفة والمتكررة خلال الفترة الماضية كانت تأكيدات الرئيس أبو مازن أن الحوار هو سبيلنا الوحيد ، وان الوحدة الوطنية غايتنا .

وحتى هذه التوجيهات الايجابية شكك فيها المشككون وزعموا فيها مزاعم شتى ، حتى تبينت الأمور على حقيقتها في اتفاق مكة ، وثبت أن الأخ الرئيس أبو مازن أب وقائدٌ لشعبنا ، ولا يتصرف إلا وفق مسئولية الأب والقائد ، وان شعبنا الذي اختار أبو مازن وقال له نعم في الانتخابات الرئاسية ، قالها بإحساسه وثقته بالزعيم أبو مازن ، الذي لم يخذل شعبنا ، الذي انتخبه وقاد السفينة في أحلك الظروف وأخرجها من بين العواصف والأمواج العاتية إلى بر الأمان . وهنا نقول لإخواننا في حماس أن الأخ الرئيس أبو مازن لم يسلم من الاتهامات التي كنا نسمعها ، وكانت تجرح مشاعر كل أبناء الشعب الفلسطيني ، والتي صدرت عن بعض المتحدثين في حركة حماس ، إما بسوء نية وإما عن جهل ، وأنا أرجح الثانية . فكل من هاجم الرئيس أبو مازن لم يعرف حقيقته التي عرفها شعبنا بحسه الوطني العالي عندما قال للرئيس أبو مازن ' نعم ' في الانتخابات الرئاسية .
وأمل أن يكون من هاجم الرئيس أبو مازن بجهل قد عرفه عن قرب خلال مباحثات مكة المكرمة ، وكل صاحب ضمير حي وحريص على المصلحة العليا لشعبنا ينحني احتراما لهذا القائد .. الرئيس أبو مازن . لكن ما حدث من انقلاب على الشرعية غيَّـر كل شيء ، فالرئيس ابو مازن لم ولن يدخل في حوار إلا إذا تراجعت حماس عن انقلابها واعتذرت للشعب ، وقد أكد القائد أبو مازن على ذلك بقوله : " أنهم انقلبوا على اتفاق مكة وعلى الشرعية ولا بد أن يتراجعوا عما اقترفته أيديهم وأن يعتذروا للشعب الفلسطيني ، ولا بد من أن يقبلوا بالشرعية الفلسطينية والشرعية العربية وأولها مبادرة السلام العربية ، وكذلك الشرعية الدولية ، وبعد ذلك يمكن أن يتم الحديث معهم ، ولا يمكن أن يكون هناك حوار لان الحوار له أسس ، أولها إنهاء الانقلاب والعودة عنه والإعلان عن التمسك بالشرعيات وإنهاء الميليشيات المسلحة ، هذه هي الأسس ، أما الحوار من اجل الحوار فهذا أمر مرفوض " .

إن الرئيس القائد أبو مازن حمل على كاهله أعباء لا تطاق وتحمل أوزار مرحلة سابقة ومرحلة قادمة ، ولكنه كان ولا زال محل إجماع فتح والشعب الفلسطيني في الداخل والخارج . فهو خير من يقود الشعب الفلسطيني ، وقد اثبت بحنكته السياسية واعتداله وتمسكه بالثوابت الفلسطينية انه يقود الشعب الفلسطيني إلى بر الأمان والاستقلال والتحرير.

ونقول للرئيس أبو مازن ، لقد ضحيت أيها القائد تضحيات كبيرة يعرفها شعبنا وناضلت قائدا في فتح منذ أربعين عاما وتناضل الآن كقائد أعلى لفتح ورئيس للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج , ولن نجد أفضل منك وخير منك لقيادة السفينة إلى بر الأمان ، وعرفناك طوال السنوات الماضية رئيسا للشعب الفلسطيني بحكمتك وحنكتك وتواضعك وسهرك على تلبية احتياجات ابسط مواطن فلسطيني وعرفناك لا تنام الليل عندما كانت تقطع الكهرباء عن قطاع غزة وتبذل كل الجهود الممكنة للضغط على الجانب الإسرائيلي كي تصل الكهرباء إلى منزل المواطن في القطاع وتنشغل باتصالات أخرى للضغط على الجانب الإسرائيلي لإدخال المواد الغذائية إلى قطاع غزة , وعرفناك ديمقراطيا لم يعتقل صحفي واحد في عهدك , وعرفنا حريات في فلسطين أصبحت مفخرة أمام العالم كله وانحنيت احتراما للفائز في الانتخابات التشريعية وكنت وفيا لمبادئ الشعب وأصيلا بالتزامك بالثوابت الوطنية واقل درجات الوفاء أن نقول للرئيس أبو مازن نحن معك وشعبنا معك وفتح معك ولن نقبل برئيس أخر حتى يتحقق الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية , فالعلم الفلسطيني لن يرفعه على مآذن القدس إلا الرئيس أبو مازن.

ولكن الحقيقة الغائبة التي لا يعرفها أبناء شعبنا الفلسطيني عن القائد أبو مازن انه عندما عاد من تونس إلى أرض الوطن رغم مكانته العالية في عهد الرئيس الراحل أبو عمار وكان الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية فقد كان الأقل طموحاً والأقل سعياً للرئاسة والأكثر زهداً في هذا المنصب , وكانت غايته بعد العودة إلى أرض الوطن هو مكتب متواضع لمتابعة الشؤون الإسرائيلية والمفاوضات , وكان يسعى من خلال هذا المكتب أن يحقق لشعبنا أقصى ما يمكن الحصول عليه من الجانب الاسرائيلى على مستوى تحرير الأرض والحقوق الوطنية من خلال دراسات قانونية معمقة للوضع التفاوضي الفلسطيني الاسرائيلى وسد كل الثغرات في موقف المفاوض الفلسطيني حتى أبهر العالم كله في وأي ريفر وكامب ديفيد عندما أذهل الأمريكيين والإسرائيليين بالوثائق والحجج الدامغة التي حملها المفاوض الفلسطيني معه إلى أمريكا ، بعد أن شكك المشككون في المفاوض الفلسطيني وقدرته على الحوار " وأنهم ليسوا من ذوي الاختصاص ".

لقد تغيرت صورة المفاوض الفلسطيني بفضل جهود الرئيس أبو مازن وأصبح المفاوض الفلسطيني محل احترام العالم كله ولم يأتي هذا التغيير من فراغ بل بجهود حثيثة موصولة عكف عليها الرئيس أبو مازن على مدى سنوات حتى أوصل المفاوض الفلسطيني إلى مستوى لا يقل كفاءة عن المفاوض الاسرائيلى بأي شكل من الأشكال.

فالمرشح الأقوى لخلافة الرئيس أبو مازن هو الرئيس أبو مازن الذي انشغل طوال حياته النضالية لتحقيق هدف الانسحاب الاسرائيلى من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحرير أي جزء من الأرض الفلسطينية وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف التي سقط الرئيس الراحل أبو عمار شهيداً من اجل هذا الهدف والذي يسير على نهجه الرئيس أبو مازن ، فالرئيس أبو مازن المرشح الأقوى ، لأنه مرشح الإجماع الفتحاوى وغالبية الشعب الفلسطيني لما يحمله هذا القائد من صفات وطنية نبيلة . وشعبنا أدرك خلال السنوات الماضية أن خير من يحمل هموم هذا الشعب ويسهر عليها هو الرئيس أبو مازن وقالها شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج ولا زال يرددها أن " لا بديل عن الرئيس أبو مازن إلا الرئيس أبو مازن" .

[email protected]
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية