بيت لحم- معا- اجبرت الضائقة الخطيرة التي يعيشها قطاع غزة والتي تتعمق يوما بعد يوم حركة حماس على القيام بمحاولة يائسة تتمثل بطرح مبادرة سياسية من خلال حملة اعلامية عدوانية وعنيفة عبر مختلف وسائل الاعلام واضعة نصب عينها هدفا واحدة يتمثل برفع الحصار المفروض على غزة لذلك طرحت المعادلة التالية " اطلاق سراح مدنيين اسرائيليين مقابل رفع الحصار حسب قول " اوريت فرلوف " الباحثة المختصة في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي العاملة في معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي " INSS " .
وجاء في المقالة التي نشرتها الباحثة المذكورة اليوم " الأربعاء على موقع " يديعوت احرونوت " الناطقة بالعبرية .
" خاطب الناطق بلسان الذراع العسكري لحركة حماس ابو عبيدة مساء يوم الجمعة الموافق في الاول من ابريل نيسان الماضي الشارع الاسرائيلي ورئيس الوزراء الاسرائيلي من خلال رسالة مباشرة هي الاولى من نوعها بثتها محطة التلفزيون التابعة لحماس فيما ظهرت في الخلفية صورا للجنود الاسرائيليين هدار غولدن و ارون شاؤول ومدنيين اسرائيليين مفقودين هما ابرهام منغيستو وأخر لم تعرف هويته حتى الان .
وقال ابو عبيدة مخاطبا الاسرائيليين "ان نتنياهو يكذب عليكم ويجعل عائلات الجنود الاسرى تعيش في الاوهام حيث لا يوجد مفاوضات او اتصالات تتعلق بإطلاق سراحهم وإسرائيل لن تحصل على أي معلومات تتعلق بمصير الجنود دون ان تدفع الثمن قبل وبعد المفاوضات دون ان يشير ابو عبيد الى وضع الاسرائيليين الذين يحتفظ الجناح العسكري لحماس بهم وهل هم على قيد الحياة ام بين الاموات وحتى انه لم يفصل بين الجنود والمدنيين حين اطلق عليهم جميعا صفة جنود " .
وانطلقت بالتوازي مع بيان ابو عبيدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطينية على شبكة الانترنت حملتان كبيرتان ومتوازيتان وقف ورائهما الذراع الاعلامي لحركة حماس تحولتا وبسرعة كبيرة الى " فيروس" وحملت الاولى عنوان " عد جنودك " وتتحدث عن الثمن الذي يمكن لحماس ان تدفعه وتتوجه في الواقع الى نتنياهو لتلقي عليه وحده مسؤولية اسر الجنود .
يشير الجدال الفلسطيني الدائر عبر مواقع التواصل الى عدة امور اولها يتمثل في ابراز اختيار حماس لنتنياهو لتحميله المسؤولية المباشرة عن اطلاق سراح الجنود الاسرى بما يشير الى ان حماس لا زالت ترى في حكومة اسرائيل العنوان الرئيسي الذي يمكنها العمل معه ومفاوضته وليس الشارع الاسرائيلي لذلك يجب ممارسة الضغط وعلى رئيس الوزراء .
فيما تشرح حماس لعائلات الجنود كذب نتنياهو وتقول لهم بانه لا يعمل أي شيء لتقدم المفاوضات الخاصة بتحريرهم لا زالت حماس تمتنع عن استخدام وسائل كثيرة وطرق اخرى خاصة بمخاطبة الجمهور الاسرائيلي ما يشير الى ان هذا الجمهور لا يشكل حتى الان عنوان الحملات .
لهذا يتضح ان هدف الحملة الحمساوية هو نتنياهو والحكومة ليس الشارع الاسرائيلي .
تدير حماس من واقع فهمها لطبيعة الجمهور الاسرائيلي حربا نفسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت تركز خلالها على مسؤولية نتنياهو الشخصية عن اطلاق سراح الجنود وتدعي ايضا ان نتنياهو ترك جنوده يواجهون مصيرهم .
تركز حملة " عد جنودك " على قضية مسؤولية نتنياهو الذي ظهر في احد اعلانات الحملة وهو يسير في مقدمة الجنود ليكتشف حين يعد جنوده امر اختفاء اربعة منهم وهذا الاعلان يتماشى مع ما حصل في الماضي وطريقة عمل حماس التي تعطي العامل الشخصي العاطفي وزنا كبيرا في اتمام صفقات تبادل الاسرى .
ومن الحري بنا دراسة قضية توقيت الحملتين لنتوصل الى نتيجة واضحه مفادها ان هذا هو الوقت الملائم لحماس كي تعيد قضية رفع الحصار الى مقدمة الصورة وليس قضية الاسرى كثمن ترعب في الحصول عليه مقابل تقديم اشارة تتعلق بوضع الجنود الصحي " احياء ام اموات " خاصة وان مزاج الشارع في غزة يشير الى تحول قضية ادخال تسهيلات او رفع الحصار كاملا الى القضية رقم واحد على جدول اعمال حماس الساعية الى تقديم انجاز ما للجمهور في غزة .
لكن لماذا الان ؟ تطرح حماس تبريرا رسميا يربط بين اعلان ابو عبيدة وحلول الذكرى العاشرة لفرض الحصار على غزة لكن يتضح من خلال الجدال العام الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي ان هناك احتمالات اخرى يتمثل بمحاولة اسرائيل الاستعانة بمصر للحصول على تفاصيل تتعلق بالوضع الصحي للمفقودين الاسرائيليين وذلك عبر المحادثات " لا تتعلق بموضوع الجنود " الدائرة في القاهرة بين حماس ومصر .
وحسب ادعاءات المتجادلين على مواقع التواصل جاء اعلان الذراع العسكري لحمس ليقول لإسرائيل بأنها لن تنجح باستخدام مصر كأداة ضغط على حماس لإجبارها على الافصاح عن معلومات وان حماس لن تقدم مثل هذه المعلومات دون مقابل سواء استعانت اسرائيل بوسيط مصري او غير مصري.
نقطة ثالثة يجري طرحها تقول ان حماس اظهرت براغماتية عالية من خلال دمجها اعلان ابو عبيدة الذي انطلق عبر وسائل الاعلام التقليدية وإطلاق الحملتين الاعلاميتين عبر وسائل الاعلام الجديد " التواصل الاجتماعي" كما انها ادارة حملاتها باتزان بعديا عن التطرف على الرغم من التوجه م المباشرة لعائلات الجنود ورئيس الوزراء .
ورغم ادعاء نتنياهو اكثر من مرة انه لا فرق بين حماس وداعش نرى حماس في هذه القضية بالذات لا يستخدم تكتيكات يستخدمها داعش عبر مواقع التواصل الاجتماعي لانها بكل بساطة تدرك تماما تبعات كسر القواعد المقبولة للعبة لذلك تحاول استغلال الوسائل المتوفرة لديها اكثر ما يمكنها ذلك واستخدام الجنود والمدنيين الذين تحتفظ بهم كورقة مساومة فما يمثل تحقيق كسبا سياسيا اهم اهدافها العليا ويتمثل هذا الانجاز بإدخال تسهيلات انسانية وتخفيف وطأة الحصار.
واجملت الباحثة في معهد ابحاث الامن القومي مقالتها بقولها ان ثلاثة نتائج يمكن استشفافها من الحملة الدعائية التي اطلقتها حماس اولها ان الحركة تتعرض لضغط شعبي كبير يطالبها بتحقيق تسهيلات محددة على الحصار لذلك من المهم لحماس ان توضح للجمهور الفلسطيني في القطاع انها مستعدة لاستخدام الاوراق الاربعة التي تملكها لتحقيق هدف تخفيف الحصار حتى على حساب تحقيق مكاسب خاصة بالحركة كانت ستحصل عليها لو اطلقت سراح اسراها داخل السجون الاسرائيلية .
تحاول حماس عبر حملتها المباشرة ضد نتنياهو ان تكسر الثقة بينه وبين الشارع الاسرائيلي خاصة حين تشدد حماس على ان نتنياهو كاذب وانه لا يجري اية مفاوضات تهدف لإطلاق سراح الجنود الى جانب التشديد على تحميل نتنياهو دون غيره المسؤولية .
وأخيرا اظهرت حملة حماس اعتدالها الكبير واختيارها الحفاظ على براغماتية عالية وكسر قواعد اللعبة .
وهذا الاعتدال ينطبق ايضا على ادارة الحملة الاعلامية وعلى المستوى الاستراتيجي ايضا المتعلق بالحفاظ على قواعد اللعبة السياسية وهناك من يدعي ان حماس اختارت هذا النهج رغبة منها بالظهور كعنوان سياسي مسئول فيما هناك من يقول ان حماس غير مستعدة ولا ترغب حاليا في دفع الثمن الشعبي الباهظ في حال اختارت نهج التصعيد مع اسرائيل حسب تعبير الباحثة صاحبة المقالة .