الأربعاء: 15/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

النص الحرفي لخطاب اسماعيل هنية الاخير

نشر بتاريخ: 16/11/2007 ( آخر تحديث: 16/11/2007 الساعة: 10:52 )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.

في هذا اليوم الذي تمر فيه علينا ذكرى إعلان الاستقلال قبل تسعة عشر عاماً، فما زالت حقوق الشعب الفلسطيني لم يتحقق منها شيء رغم كل المواقف الفلسطينية التي مست الحقوق الفلسطينية التاريخية.
ما زالت الأيدي الإسرائيلية الآثمة تعتدي على أبناء شعبنا في كل مكان، وارتفع اليوم شهيدان من كوادر المقاومة في شمال القطاع ومازالت هذه الايدي تعبث بالقدس وبالمسجد الأقصى المبارك وتخطط لمزيد من الأنفاق والحفريات أسفل المسجد، وظهر هذا أمس بقيام نواب يمينين باختراق منطقة الحرم الشريف والكشف عن حفريات جديدة، وتأكيدهم على يهودية القدس ورفضهم التنازل عن حقهم المزعوم فيها، ورافق ذلك مشروع تم الموافقة عليه بالقراءة الأولى في الكنسيت الإسرائيلي ينص على أن أي قرار يتعلق بالقدس أو بما يسمي بالحل النهائي يحتاج إلى التصويت عليه بثمانين صوتاً وليس ستين صوتاً لاقرارة كما هو معمول به في العرف السائد لديهم، وكما تزامن ذلك مع مطالبة أولمرت للسلطة الفلسطينية الإقرار بيهودية الدولة الإسرائيلية كشرط لإنجاح ما يسمي بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وهنا نؤكد:
أولاً: بأن القدس والأقصى في خطر حقيقي، وان هذا الخطر لن يزول الاَّ بزوال الاحتلال.
ثانياً: إذا كانوا يقرون بثمانين صوتاً للتعامل مع أي حل يتعلق بالقدس فإننا نؤكد هنا بأن أي موقف يتعلق بالقدس من قبل المفاوض الفلسطيني يحتاج إلى مرجعية حقيقية فلسطينية وعربية وإسلامية.
ثالثاً: أن طريق استعادة القدس والحقوق الفلسطينية لن تتحقق إلاَّ باستعادة وحدتنا الوطنية وتماسكنا الفلسطيني.
رابعاً: إن كل السياسات الإسرائيلية من تهويد واستيطان وحفريات وتغيير للمعالم الحضارية والتاريخية، لن تنجح في طمس هوية القدس ولن تتمكن من اقتلاعها من الوجدان الفلسطيني والعربي والإسلامي.
خامساً: إن هذه المواقف الإسرائيلية تأكيد على طبيعة النوايا العدوانية التي يسعون إلى إخفائها تحت ستار المفاوضات المكوكية، بل إن الاتكاء مجدداً على خيار المفاوضات وحسن النوايا الإسرائيلية والأمريكية لن يفضى إلى شئ من حقوق شعبنا.
ولقد سرّنا كثيراً انعقاد ملتقي القدس الدولي الذي احتضنته اسطنبول هذا اليوم وانشرحت صدرونا لما سمعناه من كلمات ومواقف واستعداد وحماس من كافة المتحدثين يدلل على أن قضية القدس وفلسطين قضية فلسطينييه عربية إسلامية وقضية كل الأحرار في العالم، وهو إجماع عربي وإسلامي وفلسطيني على عدم التنازل عن القدس وعودة اللاجئين، وعن بقية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وإذ يتزامن انعقاد هذا الملتقي الدولي من ناحية والهجمة الشرسة على القدس من ناحية أخرى مع إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر لنشير بأنه لا يمكن أن يكون الاستقلال حقيقياً وواقعياً بدون عودة القدس كعاصمة لدولة فلسطينية مستقلة بل إن الاستقلال الحقيقي يعني استعادة الأرض وعودة اللاجئين والإفراج عن أسرانا من سجون الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وهذا لن يتأتي بعد التوكل على الله إلاَّ بالصمود والوحدة والمقاومة وحسن التحرك السياسي وصدق النوايا وتغليب المصالح العليا على المصالح الخاصة.
وأود هنا أن أتوجه بالتحية للجماهير التي خرجت اليوم في محافظات القطاع نصرة للقدس وتنديداً بالسياسات الإسرائيلية، وتقديراً لملتقي القدس الدولي.
أبناء شعبنا المرابط..
لقد عايشنا سوياً الأيام الأخيرة على ساحتنا الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة والتي بدأت بالتحضيرات لإحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله، ولقد وافقت الحكومة للإخوة في حركة فتح على إقامة المهرجان في الزمان والمكان المحددين، وفاءً منها للقادة الكبار، واستحضاراً للأسئلة المهمة من قتل الرئيس عرفات؟ ولماذا قُتل الرئيس عرفات؟ لقد تم التواطؤ على إغلاق هذا الملف الخطير حتى لا تظهر الأيدي الحقيقية التي تقف وراء اغتيال الرئيس وحصاره، وتغيب الحقيقة عشية انعقاد مؤتمر أنا بلوس الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وضرب ركائزها وتجاوز الحقوق والثوابت الفلسطينية.
وجاءت موافقة الحكومة أيضاً من أجل ترسيخ التعددية السياسية واحترام الحرية السياسية والإعلامية، وتنظيم العلاقة مع حركة فتح وبقية القوى على أساس من الاحترام والشراكة والمصير الواحد.
ولم تشأ الحكومة أن تتعامل هنا كما تتعامل السلطة في الضفة مع حركة حماس، والتي تتعرض لحملة استئصال حقيقية بدءً بنهجها المقاوم للاحتلال وليس انتهاءً باعتقال المئات من أبنائها وإغلاق مؤسساتها وملاحقة علمائها ونوابها ومطاردة شبابها وملاحقة بناتها في الجامعات وحرمانها من ممارسة حقها الطبيعي في النشاط السياسي والإعلامي والجماهيري والنقابي والكتلي، وممارسة التعذيب داخل السجون والتحقيق الذي يتم في معظمه حول النشاط في الحركة أو الكتلة أو المساجد ومحاولة كشف الهياكل والبني التنظيمية، والى الحد الذي وصل إلى تبادل الأدوار مع الاحتلال في مواجهة وملاحقة هذه الحركة العملاقة، والأكبر في المجلس التشريعي، وفقط قبل قليل من إلقاء هذه الكلمة تم اقتحام مبنى سكن الطالبات في جامعة النجاح الوطني في نابلس.
وأقول بكل وضوح لو لم تسمح الحكومة بإقامة هذا المهرجان ولم تقدم كل التسهيلات له لما تمكن هذا الجمهور من الوصول إلى المكان المخصص، إننا وافقنا من موقع القناعة والثقة والاقتدار، والحرص والنموذج المختلف.
وقدمنا كافة التسهيلات لإنجاح هذا المهرجان من موقع المسئولية الوطنية واذكر بعضها:
1- تم عقد عدة لقاءات قبل أيام من المهرجان مع قيادات في حركة فتح وقيادات في الحكومة والحركة والشرطة للاطمئنان على كل الترتيبات، وضمان المحافظة على الأمن والنظام العام.
2- السماح بالمسيرات والمهرجانات المحلية في محافظات غزة والتحركات ورفع الرايات الخاصة في كل المناحي، ودون أية عراقيل رغم التهجم على الحكومة وعلى حركة حماس، وقد تم كل ذلك قبل يوم المهرجان المركزي.
3- انتشار الشرطة من الصباح الباكر لتنظيم السير وحركة المرور، وتسهيل وصول المشاركين إلى مكان الاحتفال دون أية عراقيل.
4- إعطاء التعليمات الصارمة بعدم الاحتكاك وضبط النفس والتعالي عن أية إشكاليات يمكن أن تحدث.
5- نظمت فضائية الأقصى يوماً مفتوحاً مخصصاً لإحياء الذكرى، وإتاحة المجال أمام المواطنين للتعبير عن مشاعرهم تجاه الرئيس الراحل ياسر عرفات.
6- قامت وزارة التربية والتعليم بالتعميم على كافة المديريات التعليمية بتعليق الدراسة في ساعات المهرجان ليتسنى للطلبة المشاركة في إحياء الذكرى، وتخصيص الحصة الأولى في كافة مدارس القطاع للحديث عن ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات.
وفي ظل هذه التسهيلات، كل شئ كان جميلاً في غزة بل وحضارياً لما عكسته الشرطة وقوى الأمن من انضباط والتزام وعمل مخلص ودؤوب وحركة نشطة والتزام بتعليمات المستوى السياسي.
التزمنا بكل ذلك على الرغم من عدم توجيه أية دعوة للحكومة أو لحركة حماس للمشاركة في المهرجان وعلى الرغم من التحريض والادعاءات والافتراءات التي سوقتها بعض وسائل الإعلام قبل المهرجان وأثناءه وبعده، وعلى الرغم من الكلمات القاسية والتحريضية للمتحدثين في المهرجان وعدم احترام توجه الحكومة وحركة حماس لدرجة إسقاط اسم الإمام القائد الشهيد أحمد ياسين من قافلة الشهداء الذين تم تعداد أسمائهم في الكلمة المركزية للمهرجان وبالرغم من التطاول الذي تجاوز الحدود، ومع ذلك مضينا في تطبيق قناعاتنا حتى النهاية وانتهت فقرات المهرجان بما في ذلك عزف السلام الوطني الختامي دون أي إشكالية تذكر.
يا أبناء شعبنا المرابط..
فؤجى الجميع بعد ذلك بالأحداث المؤسفة والدامية والتي سقط جراءها العديد من الضحايا والجرحى من أبناء شعبنا، وانقلب الوضع إلى مشهد مؤسف ومحزن لنا جميعاً، فهذا ما لم نكن نتمناه أو نفكر فيه فدماء أبناء شعبنا غالية علينا جميعاً، وهي محط التقديس، انطلاقاً من قوله تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ) والوضع الآن برمته خاضع لدينا للتحليل والتقييم والوقوف على الحقيقة ... ونقول بكل شفافية ونزاهة وأمانة هل ما جرى كان بسبب دخول بعض المندسين والموتورين لإفساد هذا اليوم الوطني، أم هو بسبب أن بعض المسئولين في السلطة الذين لم يرق لهم تنظيم العلاقة مع حركة فتح في القطاع على هذا النحو فجر الساحة إلى هذا التوتير الدموي، أم هو راجع إلى عدم قدرة البعض على استيعاب الوجه الحضاري الذي قدمته الحكومة، أم هو بسبب عدم ضبط النفس لدي بعض أفراد قوى الأمن أمام بعض الاستفزازات المتنوعة التي تعرضوا لها والإسراع في استخدام إطلاق النار، كل ما ذكر سابقاً وارد وسوف تثبته الحقائق والتطورات والمتابعات القادمة، ومع ذلك فإنه لا تبرير لسقوط ضحايا وجرحي، ولو كنا نريد تعكير صفو هذا الاحتفال كما يتهمنا البعض ظلماً وزوراً لما كنا قد وافقنا عليه أصلاً، أو لحصل ذلك في بدايته أو منتصفه، لكننا ظللنا نوفر له كل عوامل الهدوء والنجاح إلى النهاية.
وإننا إذ نعبر عن ألمنا وأسفنا لسقوط عدد من أبناء شعبنا وحرصنا على دماء أبنائه، وقطعاً لدابر الفتنة، وإغلاق الباب أمام الراقصين على الجراح، وإذ أتقدم باسم الحكومة الفلسطينية وحركة حماس في الداخل والخارج بأحر التعازي لأهلنا أسر الضحايا وبالدعاء للجرحى بالشفاء فإننا نعلن ما يلي:
أولاً: تشكيل لجنة تحقيق قوية ونزيهة وشفافة، والالتزام بإعلان النتائج والمحاسبة وفق القانون العادل (والحق أحق أن يُتبع).
ثانياً: إطلاق سراح جميع من تم احتجازهم على خلفية أحداث يوم الاثنين المؤسفة باستثناء من يثبت تورطه بالإخلال بأمن الوطن والمواطن.
ثالثاً: الحكومة ستقوم بواجبها الوطني والإنساني تجاه الضحايا والجرحى وأسرهم وعوائلهم.
رابعاً: تشكيل لجنة للحوار الوطني تبدأ العمل في غزة وتستكمل في الضفة والخارج.
خامساً: أعلن بأن لجنة المصالحة الداخلية قد بدأت عملها في محافظات قطاع غزة وان الحكومة تسهل عملها وتلتزم بتوصياتها وذلك حسب ما تراه اللجنة مناسباً لإنجاح مهمتها الوطنية.
سادساً: أدعو إلى تخفيف الاحتقان الإعلامي والحرب الكلامية والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسهم في تكريس الانقسام وديمومة الأزمة.
وأخيراً أشير إلى ما يلي:
لقد استمعنا اليوم إلى النداء المخلص والصادق الذي أطلقه الشيخ رائد صلاح والمتحدثون في ملتقي القدس الدولي لشعب فلسطين وقياداته بضرورة الشروع في حوار وطني جاد، ونود هنا أن نؤكد ما سبق أن أعلناه وهو استعدادنا للبدء في هذا الحوار وبدون شروط، استعداداً لا يعبر عن استجداء أو ضعف، بل عن حرص ورغبة صادقة في لم الشمل وعودة الأمور إلى نصابها، وأخاطب كل من يراهن على الزمن بأن حركة حماس عصية على الكسر وقد تجاوزت مراحل الاندثار أو الإقصاء أو المراهنات الخاسرة، فنحن قوم لا يبرم الأمر بغيرنا، وصبرنا نابع من صبر شعبنا وقوة شكيمته وعظمة صموده، وخياراتنا متعددة، ولن يتمكن أحد من حشرنا في الزاوية، أو إخراجنا عن السياق الذي رسمناه لأنفسنا ونلنا ثقة شعبنا على أساسه.
وأقول للجميع لن تتمكنوا من حركة حماس في الضفة الغربية فهي شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وتنقلت في ثناء المحن والخطوب والأسر والشهادة والإبعاد فكانت عظيمة في كل محطة وقوية في كل محنة وعزيزة في كل ميدان وهي كذلك الآن وستبقي كذلك في كل زمان ومكان، فحماس في غزة والضفة والخارج والسجون ليست زمرة وليست عصابة وليست حاقدة ليست متعطشة للدماء بل هي فريضة شرعية وضرورة وطنية سلم على شعبها وخصم لمحتل أرضها، محبة لكل خيّر من أبناء الشعب والأمة.
كما أنني أجدد التزامنا بكل ما هو مفيد لشعبنا ووحدته ومستقبل أبنائه بما في ذلك احترام التعددية السياسية، غير أننا سننظر في الآليات التي لا تسمح بتكرار ما حدث، ولا تتيح للبعض إعادتنا إلى الفوضى والفلتان.
وأقول للقاصي والداني ارفعوا أيديكم عن شعبنا... ارفعوا أيديكم عن غزة لا تستمروا في محاصرة هذا الشعب الأبي، ولا تجمعوا عليه نار الاحتلال ونار الحصار ونار القلاقل، أطلقوا سراح الأسرى في سجون الضفة، وأوقفوا هذه الملاحقة المدمرة لمقومات الوحدة الوطنية وللنسيج الاجتماعي في شعبنا في الضفة الغربية.
إننا نمزج بين إستراتيجية الصبر والنصر، والدمعة والبسمة، والألم والأمل، وإنا بإذن الله لمنتصرون.
تحية لشهدائنا الأبرار، وتحية لأسرانا الميامين، ولنواب شعبنا القابعين في سجون الاحتلال وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك، ونندد باستمرار اعتقالهم واعتقال الدكتورة مريم صالح والنائب خالد طافش، والتحية لجرحانا الميامين ولكل أبناء شعبنا في الداخل والخارج.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته